قوّات “الفهد” تحولت إلى قوّاتِ “الفجر”
إيمان أبو عسّاف
اختارت مكاناً يقع يساراً، عندما نتجّه نحو دمشق. قريباً جداً من قرية “عتيل” مسقط رأس متزعمها، حيث اعتلت البناء يافطة كبيرة جداً أخذت ما يزيد عن ثلث واجهة البناء، وكتب عليها “قوات الفجر”، ورفعت على المبنى راية “الموحّدين الدروز”.
البناء كان سابقاً لـ”قوات الدفاع الوطني”. وما يلفت النظر؛ أن العناصر الموجودة كتبت على أكمام بزاتهم العسكرية عبارة “قوات مكافحة الإرهاب”؟ وهنا يبدو واضحاً تناسل هذه المفردة من أدبيات وتاريخ وثقافة الأمن العسكري.
زعيم العصابة لايزال في العقد الثالث من العمر، يقتل ويخطف ويقطع الطريق، وأيضاً يعلن عن استعداده لأعمال خيرية متنوعة. في المكان المحيط بالبناء يوجد عدد من الأبنية لتقديم الخدمات والإيواء لعناصره.
من هارب مطارد اجتماعياً إلى زعيم “قوات الفجر” فهو على “كل شيء قدير”، و يمكن أن يكون من يقف على بابه إما “متعيِّش” سرقت سيارته الأجرة الخاصة ويطلب مساعدته في إرجاعها، أو محكوم بقضايا إرهاب يطلب أن يكف البحث عنه، وايضا قضايا جنائية وقانونية عالقة تلاحقه.
أعتقد أن حدث قرية “خازمة” الشهيرة بلغ أسماع الجميع، حيث استطاع فيها المتزعم دحر قوات “مالك أبو خير” وقتل “سامر الحكيم” الذي كان أحد أذرع “حزب اللواء”. وفي الحقيقة “حزب اللواء” جعل من “الجبل” يشكك في مصدر سلاحه وفي نواياه المبيَّتة.
وفي الفترة الأخيرة نمت لدى أهل السويداء حساسية خاصة من السلاح والمال السياسي والريبة التي وصلت إلى حد رفض أي تشكيل لا يعلن مباشرة محاربة الوجود الإيراني. هذا الوجود الذي أحبط أهل الجبل مرات عديدة محاولته زعزعة العلاقة بينها وبين الجارة القريبة درعا؛ بل حاولت إيران تفجير الإقتتال بين أهل السويداء وبين مكون أصيل من مكونات الجبل وهو الأقلية المتبقية من (البدو). وهنا يسجل نصرٌ آخر تدخل فيه عقلاء الدين ووجهاء المحافظة، وتم حقن الدماء.
ولا يخفى على أحد ان متزعم “قوات الفجر” هو الذي خطط لعدوانٍ؛ متأملاً أن يشعل حرباً أهلية لا تبقي ولا تذر، وفي كل مرة تنجو المحافظة من فتنة.
كان المزاج الشعبي في السويداء يعبر عن غضبه من العجز في مواجهة إيران التي باتت تبيِّتُ لسيطرة معلنة. وفي السعي الدؤوب لمقاومة هذا الوجود الخبيث؛ أصبح سكان المحافظة يسعون الى اجتراح طرق غير مسبوقة للمقاومة، ولكن سعيها – يبدو إلى الآن – غير ذي جدوى، لأنه لم يتفق عملياً على أي برامج تحمل مشاريع للمقاومة، مع الأخذ بعين الاعتبار هموم المواطن الذي بلغ مستوىً معيشياً وخدمياً غير مسبوق، وبين خروج متواضع وتنديد وغضب يكون للأمن صولة وجولة وجملة من الأحابيل، يعود بعدها الغاضبون إلى انكفاء ويتلقون كمقاومةٍ تهمةَ التقصير من الناس وتهمة التخريب والإرهاب من النظام، بينما إيران تقيم معمل الكبتاغون في منطقة (اللجاة) وتنتج ثم توزع داخلياً ليصبح أغلب من يتعاطى في مرحلة الإعدادية والثانوية، ثم تجند عصابات تحت مسميات تضفي الشرعية على وجودها. وينتشر على الطريق الحدودي أرقام قياسية للتورط في النقل والتصنيع والتهريب.
وعلى المقلب الآخر تقوم القوات الأمنية بعملية تكاذب مُرعبة، منكرةً تورطها، وتسارع إلى الإتهام والتحريض الدموي لكل جهة تشير إلى مكمن الخطر، بينما إيران تكثف وجودها في مناطق الريف الشرقي (قرية الحريسة مثلاً)، وفي الريف الغربي المحاذي للأردن في منطقة (المجيمر)/ من خلال آليات وعناصر وأسلحة، ولم تكتفِ إيران بذلك؛ بل وسَّعت نشاطها العمراني وخطط مشاريعها في المدينة والريف، معتمدة على شبكة من العملاء في الجسم القضائي ورجال الدين ومتزعمي العصابات، وبات من المعروف أن خبث الأمن وإيران معطى مفروغ منه.
ولازالت المقاومة مستمرة عبر أساليب سلمية غالباً، وعبر الصمود وتحمّل الخسائر والقدرة على متابعة الحياة، ولو بحدها الأدنى، والنشاط الثقافي والسياسي المقاوم والمحموم، عبر الدعوات والمبادرات، حيث يظهر أنه يحتاج إلى تفسيرات بنيوية يحمل هَمَّ المحافظة ويربطها مع الهَمِّ السوري العام كأمة ووطن.
الآراء المنشورة في المنصة تعبّر عن وجهة نظر كتّابها