تقارير

تحولات استراتيجية في سوريا.. اتفاق قسد والحكومة الانتقالية بين الفرص والمخاوف

روبين عمر

مع استمرار تعقيدات النزاع السوري وتعدد الأطراف المتورطة فيه، أطلّ اتفاق قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مع الحكومة السورية الانتقالية ليعيد تشكيل جزء من المعادلات السياسية والأمنية في البلاد. 

يُعتبر هذا الاتفاق نقطة محورية في مسار الحل السياسي السوري، وتثير تبعاته العديد من الأسئلة حول مستقبله ومستقبل سوريا ككل، لا سيما في ظل وجود قوى دولية وإقليمية تسعى لتوجيه مسار الأحداث بما يتماشى مع مصالحها. 

الولايات المتحدة وموقفها الحذر من الاتفاق

يتسم الموقف الأميركي من الاتفاق بين قسد والحكومة السورية الانتقالية بالحذر والترقب. إيرينا تسوكرمان، المحامية المتخصصة في الأمن القومي الأميركي، توضح أن إدارة ترامب ترى في الاتفاق فرصة لتعزيز الاستقرار في سوريا، خاصة في ضوء وجود قوات أميركية في المنطقة وصراعها المستمر مع النفوذ الإيراني والروسي. ومع ذلك، فإن الشكوك تظل قائمة حول ما إذا كان الاتفاق سيُحسن الوضع على الأرض أم سيخدم مصالح نظام الأسد وحلفائه.

بالنسبة لواشنطن، فإن أي تحرك سياسي أو عسكري في سوريا يجب أن يتماشى مع أهدافها طويلة المدى، خاصة في مواجهة التهديدات الإيرانية التي ترى فيها خطراً على الاستقرار الإقليمي، بحسب تسوكرمان.

أما جون روسوماندو، الخبير في الشأن القومي الأميركي بواشنطن، فيشير إلى أن هذه الوساطة بين قسد والحكومة الانتقالية جاءت في إطار سعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب للانسحاب من سوريا. ولكن رغم ذلك، تبقى القضية معقدة، إذ أن الإدارة الأميركية لم تتخذ بعد قرارا نهائيا بشأن تأييد الاتفاق، خاصة في ظل غياب قرارات واضحة حول وضع الأقليات غير المسلمة في سوريا، التي تعد واحدة من القضايا الشائكة التي يعاني منها الاتفاق.

البعد القانوني

في سياق النزاع السوري المتشابك، يتطرق أيمن سلامة، الخبير في القانون الدولي، إلى الزوايا القانونية لهذا الصراع. 

ويرى سلامة أن الاشتباكات بين قوات الأمن العام السوري والمجموعات المسلحة التي كانت مرتبطة بالنظام السابق تمثل نزاعا مسلحا غير دولي، ويخضع لأحكام القانون الدولي الإنساني. وفقًا للبروتوكول الثاني من اتفاقيات جنيف، يلتزم الأطراف بحماية المدنيين وعدم استهدافهم، ويشدد على أن أي انتهاكات، مثل قتل المدنيين أو التعذيب، يمكن أن تؤدي إلى مسؤولية جنائية فردية. 

ويلفت سلامة أيضا إلى أن الوضع السوري المعقد يعيق تطبيق مبادئ القانون الدولي بشكل فعال، لا سيما في ظل غياب الرقابة المستمرة وصعوبة الوصول إلى مناطق النزاع.

المواطنة والمشاركة السياسية

من جانب آخر، يعكس حسين جمو، الكاتب والباحث الكردي السوري، رؤية سياسية حول مستقبل سوريا. 

جمو يؤكد أن الحل السوري لا يمكن أن يكون إلا من خلال حكم تشاركي يعكس حقوق جميع مكونات الشعب السوري.

ويرى أن هناك خيارين رئيسيين للوصول إلى ذلك: إما عبر قوانين دستورية شاملة تحمي الجميع بشكل متساوٍ، أو عبر تبني صيغة اللامركزية، سواء كانت إدارية أو سياسية. 

ويشدد الكاتب والباحث الكردي أن هذه اللامركزية ليست بديلاً عن المواطنة الكاملة، بل هي تمهيد لها، مشيرا إلى ضرورة تضمين الحقوق الجماعية والفردية في الدستور السوري. 

كما يحذر من أن بعض التيارات المتطرفة قد تحوّل مفهوم المواطنة إلى أداة للإلغاء أو التهميش، خاصة للمجموعات التي ترفض فرض هوية معينة عليها.

الرهانات الإقليمية والدولية.. تداخل المصالح

كارولين روز، كبيرة الباحثين في معهد “نيو لاينز” للأبحاث، تطرح بعداً استراتيجيا حول تطور الوضع في سوريا.

وترى روز أن إدارة ترامب قد ترى في اتفاق قسد والحكومة الانتقالية فرصة لتحقيق انسحاب من شمال سوريا، ولكنها أيضا قد تثير قلقا بشأن توجهات سوريا المستقبلية. فإضافة قوات قسد إلى هيكل الدولة قد يخفف من استقلالية هذه القوات في المنطقة، وهو ما يتناقض مع رغبة الولايات المتحدة في الحفاظ على موقف استراتيجي قوي هناك. كذلك، تثار التساؤلات حول تأثير الاتفاق على العلاقة مع إسرائيل، خاصة في ضوء التحديات الأمنية التي تمثلها التعديات الإسرائيلية في سوريا.

بين التحديات والفرص

مع الاتفاق بين قسد والحكومة السورية الانتقالية، تعيش سوريا نقطة تحول في مسارها السياسي والأمني، حيث تتراءى أمامها فرص جديدة للاستقرار ولكن مع مخاطر محتملة تزداد تعقيدا مع مرور الوقت. 

يبقى المشهد مفتوحا أمام تحولات جديدة في المواقف الإقليمية والدولية التي قد تحدد مصير سوريا في المستقبل القريب.

زر الذهاب إلى الأعلى