التغيير الديمغرافي والاستيطان في عفرين “3”
حسن حسن
تعتمد تركيا بشكل كبير على المنظمات والجمعيات التابعة للمتطرفين الإسلامويين في العالم لتوفير تمويل لدعم مشروعها الاستيطاني الخبيث في شمال سوريا، والذي يخلق صراعات وفتن عرقية لها بداية وليس لها نهاية، لإكمال مخططها في التغيير الديمغرافي بعد فشل تأمين دعم دولي لذلك.
ما تقوم به تركيا جريمة حرب كبرى، وتهدف لاقتطاع ما يعادل مساحة فلسطين من الأراضي السورية بعمق ثلاثين كيلومترات على طول حدودها، متخذة من شماعة “ الأمن القومي التركي” قميص عثمان لتحقيق هذه المآرب التوسعية وتتريك وتعريب المناطق التاريخية للكُرد، والتخلص من مشكلة اللاجئين السوريين قبل الانتخابات التركية في شهر يونيو/ حزيران القادم، على أن يتم في المستقبل إخراج العرب السوريين من تلك المنطقة لصالح التركمان والأتراك، وبشتى السبل الخبيثة، إن كان عبر التهميش والفوضى والتجويع، وخلق النعرات والفتن وانتهاج سياسات “فَرِّقْ تَسُدْ”، ومن ثم اقتطاع تلك المناطق كجزء من “الميثاق” المللي الذي يطمح أردوغان في إنجازه مع حلول مئوية معاهدة “لوزان”، سيّئة الصّيت.
وكان رئيس النظام التركي، أردوغان، قد عرض خلال كلمته أمام زعماء العالم في الأمم المتحدة، في سبتمبر/ أيلول 2019، خريطة للمنطقة الآمنة المزعومة، وطرح مقترحات توسعية لبناء مئات القرى والبلدات الجديدة للاجئين السوريين.
وأظهرت خريطته أنّ مليون سوري إلى مليونين من الموالين لتركيا سيجري توطينهم في مناطق، رغم أن الكُرد يعيشون فيها كأغلبية عرقية منذ قرون من الزمن.
وفي التاسع من شهر أغسطس/ آب الحالي، صرَّحت وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركيّة، “دريا يانيك” أن” تركيا ستعيد توطين ملايين اللاجئين السوريين في تركيا في مناطق ذات أغلبية كردية؛ لمنع تشكيل دولة كردية”.
“يانيك” قالت أيضاً: “يسألون لماذا نعتني بهم… حسناً، هناك خطة وراء ذلك إذا كنا نفعل ذلك”.
وأضافت بأن “المعارضة التركية، وبإصرار، تغضُّ الطرف عن خطة إقامة دولة كردية إرهابية في شمال سوريا”.
كما ألمحت “يانيك” إلى أن الحكومة التركية لديها خطط لاستخدام اللاجئين ضد الحركة السياسية الكردية الدولية، الذين زعمت أنهم كانوا يحاولون تقسيم تركيا.
تفاصيل المشروع الاستيطاني التركي الكبير:
نشرت قنوات ووسائل الإعلام التركية تفاصيل خطة ما تسميه تركيا “المنطقة الآمنة” في شمال سوريا، والتي تتضمن إقامة مستوطنات بتكلفة تصل إلى /27/ مليار دولار. ويبدو أن السلطات التركية تتوقع أن تقبل واشنطن والاتحاد الأوربي بخطتها الخبيثة وأن تمولها أيضاً.
الخطة التي يجري الآن تنفيذها على الأرض بشكل متسارع؛ تتضمن إقامة مناطق سكنية في شمال سوريا لمليون شخص، بينما تزعم تركيا وجود أربعة ملايين سوري على أراضيها، سترحّلهم بحلول الانتخابات التركية في يونيو/ حزيران القادم، لذلك أين ستعيد توطين البقية؟ بكل تأكيد في منازل الكُرد والعرب المُهجَّرين بقوة قنابل أردوغان وإرهاب مرتزقته.
وتضم الخطة /10/ بؤر استيطانية، تتسع الواحدة منها لـ/30/ ألف شخص، و/140/ قرية تتسع كل واحدة لـ/5/ آلاف شخص.
كما تضم كل قرية مسجدين، ومدرستين بسعة /16/ قاعة دراسية، ومركزاً شبابياً، وصالة رياضية مغلقة. أما بالنسبة للبلدات، فستضم بدورها /6/ آلاف منزل، مؤلفة من /3/ أو /4/ غرف بمساحة وسطية تبلغ /100/ متر مربع.
وستحتوي البلدة على مسجد في مركزها و/10/ مساجد أخرى موزعة على الأحياء، و/8/ مدارس بسعة /16/ قاعة دراسية، وثانوية وحيدة، وصالتين رياضيتين، و/5/ مراكز شبابية، واستاد كرة قدم صغير، و /4/ ملاعب كرة قدم صغيرة للأحياء، إضافة إلى مرافق اجتماعية أخرى، ومجمّع صناعي صغير. كما ستضم بلدتين مشفيين بسعة /200/ سرير، إضافة إلى /8/ مستشفيات بسعة /10/ أَسرَّة موزعة على البلدات الأخرى.
وبحسب الخطة؛ فإن مجموع مساحة القرى والبلدات السكنية سيقدر بنحو /92.6/ مليون متر مربع، فيما ستبلغ مساحة الأراضي الزراعية التي ستوزع على سكان القرى نحو /140/ مليون متر مربع.
وسيبلغ مجموع الوحدات السكنية في المنطقة الآمنة /200/ ألف وحدة، يتم تشييدها بتمويل أجنبي، حيث تقدر ميزانية المشروع بنحو /150/ مليار و/965/ مليون و/400/ ألف ليرة تركية، أي ما يعادل /27/ مليون دولار تقريباً.
بناء المستوطنات التركية في عفرين وغيرها من وجهة نظر القانون الدولي
يُعَدُّ بناء المستوطنات التركية في الأراضي السورية المحتلة، انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي وكافة المواثيق والمعاهدات وقرارات المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات لاهاي.
ويعد كل ما ترتب على بناء المستوطنات التركية في عفرين المحتلة باطلاً، وبالتالي؛ فإن خلق الأمر الواقع بالقوة لا يمكن أن يكسب حقاً.
وفيما يلي أهم النصوص الواردة في المواثيق والمعاهدات الدولية، التي تحظر الاستيطان، وتمنع المساس بالحقوق والأملاك المدنية والعامة في البلاد المحتلة، وقرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة:
ميثاق الأمم المتحدة: يفصِّل الميثاق سلسلة طويلة من المحظورات المفروضة على قوة الاحتلال، وجوهر الميثاق (في هذه الحالة) يحظر على المحتل توطين السكان الغرباء في الأراضي المحتلة.
معاهدة جنيف الرابعة: تنتهك السياسات والممارسات الاستيطانية التركية معاهدة جنيف الرابعة في المواد الآتية:
المادة 49: جاء في المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة: “لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحِّلَ أو تنقُلَ جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”.
المادة 53: جاء في المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة: “يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية”. علماً بأن سلطات الاحتلال التركي تعمل على مصادرة وتجريف أراضي الكُرد لصالح بناء المستوطنات والمعسكرات والطرق الالتفافية.
اتفاقية لاهاي عام 1907:
المادة 46: جاء في المادة 46 من اتفاقية لاهاي عام 1907: “ينبغي احترام شرف الأسرة وحقوقها، وحياة الأشخاص والملكية الخاصة، وكذلك المعتقدات والشعائر الدينية. لا تجوز مصادرة الملكية الخاصة”.
تركيا؛ كقوة احتلال، تتحمل المسؤولية المطلقة عن انتهاكات قوانين الاحتلال بموجب المادة /47/ من اتفاقية جنيف الرابعة، والمسؤولية المباشرة عن القضايا التي تنطوي عليها المستوطنات حتى الآن. كل الدلائل تشير إلى أن المستوطنات يتم إنشاؤها لتكون جزءاَ من عملية ممنهجة لتغيير التركيبة الديموغرافية في عفرين، فهي تخضع لتغير واضح، نتيجة توطين السوريين النازحين من أجزاء أخرى من البلاد في أعقاب تهجير السكّان الكرد بشكل أساسي، ووسط قمعٍ واسع للثقافة الكردية، بدل العمل على مساعدة هؤلاء السوريين على الانتقال السلمي الآمن إلى قراهم ومدنهم التي نزحوا منها برعاية وضمانات دولية.
إن استمرار القوات المتطرفة المدعومة من تركيا في السيطرة على منطقة عفرين، وتحويلها لإقطاعات يتسلط فيها على رقاب الشعب قطاع الطرق واللصوص والقتلة، عبر ترويع مَنْ بقي مِنَ السكان المحليين، وممارسة الإرهاب والقمع والتنكيل والبطش والظلم بدعم وحصانة تركية، وكذلك عبر الاستيلاء ونهب ممتلكات المدنيين الذين نزحوا أو فرّوا؛ يجعل أي عودة محتملة للسكان الكُرد والعرب من أهالي المنطقة أمراً أكثر صعوبة. علاوةً على ذلك؛ على الرغم من الادّعاءات التركية والجماعات السورية التابعة للاحتلال أن هذه المستوطنات يتم بناؤها على أراض تعود ملكيتها للدولة، لا بُدَّ من الإشارة هنا إلى أن القوانين الجزائية السورية وصفت التعدي على الأملاك العامة بالجرم وعاقبت عليه في القانون، إذ نصّت المادة 724 من قانون العقوبات العام رقم 148 لعام 1949 بأنه «يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر من أقدم على غصب قسم من الأملاك العامة المرفقة وغير المرفقة».
كان حرياً بمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اتخاذ مواقف صارمة تجاه محاولات التغيير الديموغرافية القسرية في عموم سوريا، تحت أي مسمّى، وضمان ألا تساهم المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار والتعافي المبكّر بترسيخ تلك العمليات وجعلها أمراً واقعاً. إلا أن المجتمع الدولي في حالة موت سريري نتيجة صراعات القوى الكبرى على النفوذ والمصالح، مما حوَّلَ المشهد السوري إلى غابةٍ يجوبُها الضواري.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتّابها