تقارير

التعليم حق ضائع في مخيمات إدلب

(مريم الغريب-إدلب)

تفتقر كثير من المخيمات والتجمعات السكنية في ريف إدلب، إلى المدارس والمنشآت التعليمية، ما تسبب بتسرب آلاف الأطفال وبقائهم دون تعليم، وزاد من معدل عمالة الأطفال في الشمال السوري.

لم يكن من السهل على الطفل حسام العبد الله (12 عاماً) النازح من مدينة كفرنبل إلى مخيم حربنوش شمالي إدلب أن يترك مقاعد الدراسة بعد نزوحه من مدينته، بل فرض عليه ذلك،  ويقول لمنصة “مجهر”: “بعد المدارس عن مناطق سكننا جعلني أترك التعليم، و أتخلى عن حلمي وحلم امي بأن أصبح محامياً أدافع عن حقوق المظلومين .”

ويشير الطفل أن أقرب مدرسة تبعد عن المخيم حوالي 3 كم، مؤكداً أنه واحد من حوالي 40 طفلاً تخلوا عن حقهم في التعليم في المخيم الذي يضم أكثر من 30 عائلة .

وقال أنه استعاض عن الكتب والأقلام بعدة البناء، وتوجه نحو السعي والعمل بمهنة شاقة، لمساعدة والده في تأمين مصرف المنزل في ظل الفقر والغلاء .

كذلك الطفلة عبير الحجي(13 عاماً) النازحة في مخيم كفر يحمول شمالي إدلب، قد قضى النزوح على حلمها بإكمال دراستها، وذلك لبعد المدارس عن المخيم، وعدم وجود وسائل نقل، وعن ذلك تقول لمنصة مجهر: “كنت من الأوائل في صفي، ولكن بعد النزوح منعني والدي من الذهاب إلى المدرسة البعيدة عن مكان سكننا بسبب فقدان الأمان .”

وتشير الحجي أن والدها يقول بأنه لا فائدة من تعليم الفتيات، “لأن كل فتاة ستترك منزل أهلها في نهاية المطاف، ليكون مصيرها الزواج والاهتمام بالبيت والأولاد، وسيكون زوجها مسؤولاً عن تلبية طلباتها” وفقاً لما وصفته.

أما نجاح اليوسف (33 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيمات كفرعروق شمالي إدلب، وهي أم لأربعة أبناء، فقد قررت إرسال أبنائها إلى المدارس في المناطق المجاورة، وتقول لمنصة مجهر: “رغم بعد المدارس عن مكان سكننا إلا أن ذلك لم يمنع أبنائي من مواصلة تعليمهم .”

وتضيف: “نواجه التكاليف المادية، وصعوبة وصول الأطفال في أيام الشتاء بسبب البرد والطرق الموحلة، ما تسبب بإصابتهم بالأمراض .”

وتؤكد أن المدرسة التي يدرس فيها أبناؤها تعاني نقصاً حاداً في  المقاعد والكتب والقرطاسية، وذلك لعدم وجود داعمين، لذا اضطر والدهم لشراء الكتب والقرطاسية على نفقته الخاصة .

أمام تردي واقع التعليم في المخيمات انطلقت مبادرات فردية بجهود تطوعية بهدف تعليم الأطفال وتعويض ما فاتهم، واستذكار ما تعلموه .

المعلمة نورة الدغيم (31 عاماً) النازحة من مدينة خان شيخون إلى أحد مخيمات مدينة أطمة الحدودي مع تركيا، تطوعت لتعليم الأطفال داخل المخيم بإمكانيات معدومة، وعن سبب ذلك تتحدث لمنصة “مجهر” بقولها: “اصابني حزنٌ لحال الأطفال الذين لا يعرفون القراءة، ولمستواهم العلمي المتدني مقارنة مع غيرهم من أبناء جيلهم .”

وتضيف: “قطاع التعليم في المخيمات مهمل كلياً، وإن لم نعمل بجهد شخصي ونعلّم الأطفال الحروف والأعداد، فإنّنا سوف نجد أنفسنا أمام جيل جاهل، لذا تطوعت لتعليم الأطفال دون أي أجر، وخصصت خيمتي لهذا الغرض حتى يسيروا أولى خطواتهم التعليمية  .”

وتشير أن خيمتها تفتقر إلى شتى وسائل التعليم، بدءاً من السبورة والمقاعد وانتهاءً بالقرطاسية والتدفئة، في حين تؤكد أن المخيم بحاجة ماسة لمدرسة ومستلزمات دراسية مثل الكتب والدفاتر والأقلام، والتجهيزات اللازمة لدرء البرد عن  الأطفال في فصل الشتاء .

وبحسب بيان فريق “منسقو استجابة سوريا” الصادر بتاريخ 24 كانون الثاني/يناير من العام الحالي فإن أكثر من 2.2 مليون طفلاً في سوريا يعانون من التسرب التعليمي، بينهم أكثر من 340 ألف طفلاً في شمال غرب سوريا و 80 ألف داخل المخيمات، معظمهم تسرب من التعليم نتيجة عوامل مختلفة أبرزها عمالة الأطفال نتيجة ارتفاع التكلفة المعيشية وعدم قدرة الأهالي على تأمين مستلزمات الطفل التعليمية، إضافة إلى حالات الزواج المبكر، وبعد المنشآت التعليمية عن مناطق السكن وغيرها من الأسباب.

وأشار البيان أن هجمات النظام السوري وروسيا دمرت مئات المدارس وتسببت بإخراجها عن الخدمة، حيث بلغ عدد المدارس المدمرة والتي أخرجت عن الخدمة أكثر من 870 مدرسة، بينها 227 منشأة تعليمية في شمال غرب سوريا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، فيما  تعاني أكثر من 80 مدرسة في شمال غرب سوريا من الاستخدام الخارج عن العملية التعليمية واشغال تلك المدارس في مهمات غير مخصصة لها.

أما في مخيمات النازحين التي تضم أكثر من مليوني نازح، يوجد أكثر من 67% من تلك المخيمات (991 مخيم) لا تحوي نقاط تعليمية أو مدارس، حيث يضطر الأطفال إلى قطع مسافات طويلة ضمن العوامل الجوية المختلفة للحصول على التعليم.

وفقد أكثر من 55 معلماً خلال السنوات الثلاثة الأخيرة حياتهم نتيجة الهجمات العسكرية من قبل الجهات المختلفة، عدا عن هجرة مئات المعلمين، وتحول جزء آخر إلى أعمال أخرى نتيجة انقطاع دعم العملية التعليمية، حيث تعاني أكثر من 45 % من المدارس من انقطاع الدعم عنها، كما بلغت نسبة الاستجابة لقطاع التعليم 29% فقط خلال العام الماضي 2023 .

وأكد البيان على التوجه إلى خصخصة التعليم ” التحول إلى القطاع الخاص” بزيادة قدرها 24 % عن العام الماضي، الأمر الذي زاد من نسب التسرب، وحرمان آلاف الطلاب من التعليم، كما تشهد المدارس العامة ازدحامات هائلة ضمن الصفوف المدرسية، وصلت إلى نسبة 44% كمتوسط الازدحام، و 23% مزدحمة جداً.

قلّة أعداد المدارس وضعف تجهيزها وبعد معظمها عن المخيمات يحول دون إمكانية إكمال الأطفال تعليمهم، وضياع مستقبل آلاف الأطفال الذين حرمتهم الحرب من أبسط حقوقهم، وفرضت عليهم الجهل بعد تهجيرهم قسرياً من منازلهم.

زر الذهاب إلى الأعلى