دمشق.. أدوية الاكتئاب الأكثر مبيعاً
تتحدث مايا “اسم مستعار” وهي خريجة كلية الآداب/ قسم اللغة الإنجليزية (27 عاماً) عن الأزمة التي مرتّ بها خلال تناولها أدوية الاكتئاب، مستذكرة كل ما عاشته خلال الفترتين اللتين امتدتا بين 2018 و2023، قائلة: “كان لدي أعراض الاكتئاب كاملة، نوم كثير، وفقدان شهية، وانعدام تقدير الذات، وفقدان الشغف، وعدم التفكير بالمستقبل، إضافة إلى حزن دائم وعزلة اجتماعية، واستمرت هذه الأعراض لسنوات، وعندها اضطرت والدتي إلى أخذي لدى طبيبة نفسية”
تأثير الأدوية النفسية على الشخص
تتابع “مايا” حديثها لمنصة مجهر حول ما عاشته وعانته أثناء تناولها أدوية الاكتئاب بقولها: “أعراض الاكتئاب استمرت لسنوات، وقد وصفت لي الطبيبة أثناء بداية العلاج سيرترالين 50 مغ (أشهر دواء في البلد، وهو مضاد اكتئاب)، وأولانزابين (مضاد ذهان) حبة كل مساء، وبدأت بتناول السيرترالين تدريجياً، أول 4 أيام نصف حبة، ومن ثم حبة كاملة، وبعدها تم رفع الجرعة إلى 100 مغ، الأعراض في البداية كانت عبارة عن تشوّش في التفكير ورجفة بالأطراف وشهية خفيفة، ونوم لمدة طويلة، إضافة إلى صعوبة في النطق، وبعدها أصبحت أشعر بهدوء والأعراض السيئة باتت تختفي تدريجياً، وعدت طبيعية، لكن هادئة، وبعد 4 أشهر الدكتورة أوقفت الـ أولانزابين، وطلبَت أن استمر على جرعة الـ 100 من الـ سيرترالين كل يوم حبة، ومع الوقت لم أعد أشعر بتأثيره، وتحسنت نفسيتي وحياتي، والطبيبة أثناء هذه الفترة طلبت استمراري بتناول الدواء لمدة سنة ونصف على الأقل”
تضيف مايا: “بفترة الـ 2023 والتي تعتبر أصعب تجربة لي، مررت بفترة أصبحت فيها عصبية جداً وانعزلت وبتّ أخاف من المستقبل وازداد تعبي النفسي أكثر، بمعنى ذات الأعراض السابقة ولكن بشكل أشد وأصعب، وراجعت طبيب وقام بتشخيص حالتي بوجود اكتئاب حاد، ووصف لي 3 أنواع من الأدوية (سيرترالين وأريبيرازول، ولورازيبام) وبدأت حالتي تسوء، ولم يعد بمقدوري تناول الطعام، تقيؤ طوال الوقت، وتخدر عام في جسدي، وتجاوزت ساعات نومي الـ 16، وعند مراجعتي للطبيب أوقف لي الـ لورازيبام، ورغم ذلك ساءت حالتي حتى اضطررت لإيقاف جميع الأدوية من تلقاء ذاتي، وبقيت الأعراض ومنها أنني لم أستطع المشي، عندها قررت زيارة طبيب عصبي، وأخبرني أنّ هذه المرحلة هي مرحلة انسحاب الأدوية من جسمي، حيث كان تأثيرها ثقيل علي، وبالمقابل وصف لي مضاد اكتئاب خفيف (سيروسات)، استمريت بتعاطيه لمدة شهرين”.
وحول مضار الأدوية النفسية تقول الصيدلانية ن. إبراهيم: “تختلف مضارها على حسب الزمرة ولكن بشكل عام هناك مجموعات تسبّب زيادة بالميول الانتحارية، ضعف جنسي، اضطرابات هضمية، وتداخلاتها أو أخذ جرعة زائدة أو طريقة استخدامها بشكل خاطئ قد يكون تأثيره خطيراً على المريض”.
ارتفاع نسبة بيع الأدوية النفسية
الدكتور نبيل القصير عضو نقابة صيادلة سورية صرّح قبيل فترة أنّ الإقبال على الأدوية النفسية ازداد بعد الحرب بنسبة 30 %، وخاصة أدوية الاكتئاب، حيث تظهر أعراض على بعض الأشخاص (آلام في المعدة، أو الأكتاف) وبعد فحوص عديدة يتبين أنه لا يعاني من أي مرض، فيكون الأمر متعلقاً بالجانب النفسي.
وحول طريقة وصفها وبيعها تقول الصيدلانية ن. إبراهيم: “يتم بيع الأدوية دون وصفة طبية أو مع وصفة لكن ليس هناك رقابة على موضوع صرفها، حيث توصف من قبل طبيب نفسي أو عصبي، في بعض الحالات وببعض الأوقات نرى أنّ الصيدلاني قد يصفها لمريض ويتابع معه تأثيراتها، ليس جميع الصيادلة طبعاً يملكون الشجاعة لوصف هذه الأدوية، لكن هناك البعض لديهم هذه الشجاعة”.
تتابع: “نحن كصيادلة لا نبدي أي ردة فعل تزعج المريض لأنه يتعاطى دواء الاكتئاب، من الممكن سؤاله عن سبب طلبه الدواء، للتأكد من أنّه لغرض العلاج وليس لأغراض أخرى، ويمكنني أيضاً دعم المريض، وهذه الأدوية لا توضع في مكان ظاهر كباقي الأنواع حتى لا تكون في متناول الجميع، بل هناك مكان مخصص كالغرفة الداخلية أو المستودع أو حقيبة يمتلكها الصيدلاني”.
وبخصوص أسعار الأدوية، أكدت “ن”، مقارنة بأسعار باقي الأدوية تعتبر غير رخيصة بالنسبة للمواطن، وموضوع الأسعار يختلف باختلاف وضع المريض المادي فهناك مرضى استمروا بشراء الدواء رغم الغلاء، وبعضهم استبدل أدويته بأخرى أرخص من زمرة ثانية بعد استشارة طبيب، إضافة لوجود أشخاص تابعت تعاطيها الدواء نفسه لكنها اتجهت إلى شرائه بالظرف وبالحبة، ومرضى استغنوا عنه”.
أسباب لجوء الشباب للأدوية النفسية
بحسب المعالجة النفسية “مروة. م” أسباب تعاطي الأشخاص للأدوية النفسية متعددة وتعتبر حالات فردية أكثر منها جماعية وتتلخص بـ: “العيش في بيئة حرمان، وهي التي لا يتواجد ضمنها أي مقومات للحياة، كانعدام الانترنت، والماء والكهرباء والتدفئة وفرص العمل والمستلزمات الأساسية، بالتالي تؤثر على الفرد وتجعله عرضة الإحباطات المتكررة، وهنا الصلابة والمرونة النفسية تلعب دوراً مهماً لدى الفرد، وبالنسبة لملاحظتي عمن يزورني في العيادة فأعمار الأفراد التي تتعاطى هذه الأنواع هي من عمر الـ 20 إلى الـ 30، أي عندما بدأت الحرب في سوريا، فعاشوا إحباطات متكررة وصراعات مختلفة بالتالي لم يستطيعوا التغلّب على آثارها، ورواسب الحرب أثرت بشكل سيئ فمنهم من فقد مقربين لهم، أو أملاكهم، أو هُجّروا من منازلهم، وقد أنتجت هذه الأمور آثاراً أخرى أدت إلى تعاطيهم أدوية نفسية نتيجة الرضوض النفسية”.
وأضافت: “لا يجب نسيان العامل المهم وهو زيادة الوعي، فمنذ سنوات كان هناك أشخاص يعانون من الاكتئاب ولكن لم يتم تشخيصهم، ولم يزوروا العيادات، ولم يتعاطوا أي أدوية، فبحكم وجود المنظمات والجمعيات المتخصصة التي ساهمت في التوعية بشكل إيجابي، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فالأدوية وزيارة الطبيب والمعالج النفسي أمر طبيعي وليس وصمة”.
كذلك أشارت “مروة” إلى البعد الاجتماعي، والعلاقات، فالفرد خلال هذه المرحلة لم يعد باستطاعته الدعم النفسي، مقارنة بالفترات السابقة، وذلك بسبب الضغوط المادية والاقتصادية، فالفرد فقد دعم الأقران والأفراد المحيطين به، فلا نستطيع أن نقول لأم فقدت ابنها، أن تقدم الدعم، وبهذا يميل الشخص إلى الأدوية ويتكئ عليها، فالدعم النفسي يلعب دوراً كبيراً مفقود حالياً.
كذلك أضافت أنّ هناك اكتئاب له سبب جيني وهو يلعب دوراً مهماً وتبلغ نسبته نحو 40 %.
وحول الإحصائيات أوضحت “مروة” لمنصة مجهر، لا يوجد إحصائية تخص سوريا ضمن منظمة الصحة العالمية، وأقرب إحصائية فيما يخص دول العالم الثالث، تقول: “الأفراد المشخصين باضطرابات نفسية – ودائماً الاكتئاب يأخذ الكتلة الأكبر وتكون الاضطرابات بسيطة إلى متوسطة – تصل إلى 80 %، ونسبة الأشخاص المكتئبين في دول العالم الثالث من 5 – 8 % ضمن الظروف الطبيعية، ونضربها بـ 3 في زمن الحروب.