تقارير

العمال في إدلب ..صراع العيش وتحصيل الحقوق

(مريم الغريب-إدلب)

يواجه عمال المياومة في إدلب ظروفاً صعبة بسبب شح فرص العمل، وتردي الأحوال المعيشية تزامناً مع ارتفاع الأسعار وسوء الواقع الاقتصادي.

أحمد السواح(32 عاماً) من مدينة إدلب يجد صعوبة كبيرة في العثور على فرصة عمل، ويقول: “أنا أب لأربعة أطفال، ولكن قلة فرص العمل تفرض علينا واقعاً معيشياً صعباً، وتجبرني على القبول بأي فرصة مهما كان الأجر زهيداً لتأمين الاحتياجات الأساسية لأسرتي المكونة من ستة أفراد.”

ويضيف: “أطفالي بحاجة إلى طعام ودواء وقرطاسية ومستلزمات أخرى، سوف أحرمهم منها لو جلست في المنزل.”

ويشير أن الكثير من أرباب العمل يستغلون حاجة المعيلين للعمل لاستغلالهم ومنحهم أجوراً زهيدة لا تتناسب مع صعوبة الأعمال التي يؤدونها، ويضيف بحزن: “أجلس يومياً مع عمال آخرين في الشوارع العامة بانتظار فرصة عمل، وغالباً ما نعود إلى بيوتنا دون أن نجد من يحتاج إلى جهودنا .”

ويشير أنه يلجأ في كثير من الأحيان إلى الاستدانة، وخصوصاً في فصل الشتاء الذي تكون فيه المصاريف كبيرة والعمل قليل .

أما كمال الحسين(41 عاماً) من مدينة سلقين شمالي إدلب فيزاول مهنة شاقة مقابل أجر قليل لا يتناسب مع الجهد المبذول، وعن ذلك يقول: “أعمل في البناء لأكثر من 8 ساعات يومياً مقابل أجر لا يتعدى 3 دولارات،وهي لا تكفي ثمن الخبز وقوت يومنا، ولكن لا بديل أمامي، حيث أعلم أنني إن تركت عملي فلن أجد فرصة أخرى، وسأكون مع أسرتي عرضة للجوع .”

ويطالب الحسين بوجود نقابة للعمال في مدينة إدلب تحفظ حقوقهم في حال تعرضوا لإصابة عمل، وتحدد الحد الأدنى للأجور، وتلزم أصحاب العمل بدفعها دون استغلال الوضع المعيشي السيء لغالبية العمال.

وساعد النزوح على ارتفاع نسبة البطالة، حيث وجد الكثير من المعيلين أنفسهم يبحثون عن فرص لتأمين معيشتهم، بعد أن تركوا أملاكهم في مدنهم وبلداتهم خلفهم.

سامر العبود(35 عاماً) ساءت أحواله المادية بعد نزوحه من مدينة خان شيخون إلى مخيم الدانا شمالي إدلب، وعن سبب ذلك يقول: “كانت أحوالي المادية جيدة قبل النزوح، حيث كنت أملك أرضاً مزروعة بالفستق الحلبي، أعتني بها، وتعطيني مردوداً يكفيني مع أسرتي طوال العام، ولكن بعد النزوح تردت أحوالنا المادية، وأصبحت عاجزاً عن إيجاد فرصة عمل تجنبني الحاجة والعوز .”

ويؤكد العبود أنه يعمل في محل لبيع المواد الغذائية مقابل 50 دولار أمريكي شهرياً، وهي بالكاد تسد أدنى احتياجات أسرته اليومية  .

عاملة الصحة المجتمعية نور العبسي (33 عاماً) من مدينة إدلب تتحدث عن أوضاع العمال في إدلب بالقول: “يعاني العمال في إدلب ممن يعتمدون على الأجرة اليومية من أوضاع اقتصادية سيئة، وذلك بسبب الأجور الضئيلة التي يتقاضونها، وندرة فرص العمل، ولا يجدون أي اهتمام من قبل حكومة الإنقاذ التي تستمر بفرض الضرائب ورفع الأسعار وزيادة هموم الأهالي بدل تخفيفها .”

وتضيف العبسي: “على الرغم من ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة العملة التركية المتداولة، إلا أنَّ أجرة العمال اليومية لا تزال منخفضة مقارنة بباقي الأسعار في المنطقة .”

وتؤكد أن ظروف الحرب والنزوح أثرت بشكل كبير على العمال الذين فقدوا مصالحهم وأرزاقهم وبيوتهم، الأمر الذي دفع الكثيرين للسفر عبر طرق التهريب إلى خارج البلاد بحثاً عن فرصة عمل وحياة أفضل .

وحذر فريق منسقو استجابة سوريا في بيان له في بداية العام الحالي من انهيار اقتصادي تشهده مناطق شمال غرب سوريا، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، وعدم قدرة المدنيين على تأمين احتياجاتهم اليومية ضمن الحد الأدنى، وزيادة ملحوظة في معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمدنيين في المنطقة.”

وأكد البيان أن أغلب العائلات في المنطقة بشكل عام ونازحي المخيمات بشكل خاص غير قادرين على تأمين المستلزمات الأساسية، وفي مقدمتها مواد التغذية والتدفئة لضمان بقاء واستمرار تلك العائلات على قيد الحياة.

بالمقابل تشهد المنطقة ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية وصلت إلى 4.6 مليون مدني، ومن المتوقع أن ترتفع الأرقام بشكل أكبر خلال الأشهر الستة القادمة، وذلك نتيجة قلة فرص العمل وانتشار البطالة وغياب تام للجهات المسيطرة على المنطقة عن واقع المدنيين، إضافة إلى الانخفاض الشديد في نسبة المساعدات الإنسانية، التي أدت أيضا إلى ارتفاع واضح في أسعار المواد والسلع الغذائية والغير غذائية.

وكشف بيان لفريق “منسقو استجابة سوريا” عن الحدود الاقتصادية للسكان المدنيين في شمال غربي سوريا أن نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر وصلت إلى 90.93%، ونسبة العائلات التي وصلت حد الجوع إلى 40.67 %، مع تزايد معدلات البطالة بين المدنيين بنسب مرتفعة للغاية، حيث وصلت نسبة البطالة العامة إلى 88.65% .

يواجه العمال في إدلب ظروفاً صعبة بسبب الحرب والنزوح وتدهور الوضع الاقتصادي الذي ساعد في  تراجع أجور العمال واليد العاملة بشكل كبير، ما فرض عليهم العوز  والسعي الدائم لتوفير  لقمة العيش التي أصبحت حلماً للعاطلين عن العمل.

زر الذهاب إلى الأعلى