عودة سوريا إلى محيطها العربي
جميل رشيد
دارت في الآونة الأخيرة نقاشات عديدة حول عودة سوريّا إلى جامعة الدّول العربيّة، وإمكانيّة حضورها القِمَّة العربيّة المُرتقبة في الجزائر.
يبدو من خلال مواقف الدّول العربيّة المتباينة؛ أنَّ عودة سوريّا لمحيطها العربيّ، مرتبطة بجملة من الشروط تفرضها الدّول المؤثِّرة في السّاحة العربيّة، منها السّعوديّة ودول الخليج، وكذلك مصر.
لا يخفى على أحد أنَّ السُّعوديّة تقود مع مصر والإمارات العربيّة المتّحدة محوراً عربيّاً؛ يمثّل حالة معاكسة للجزائر وكذلك قطر، في ترتيب أولويّات العمل العربيّ المشترك، وتبدي مواقف مختلفة من مجمل قضايا الصراع في المنطقة، وأوَّلها الصراع في سوريّا.
لقد عارضت السُّعوديّة، مدعومةً بدول الخليج الأخرى، عودة سوريّا إلى الجامعة العربيّة، لأسباب ربطتها بسلوك النِّظام السُّوريّ في التَّعامل مع الأزمة، وإيغاله في الحَلِّ العسكريّ. فيما شكَّلت علاقة النِّظام الإستراتيجيّة العميقة مع إيران، أهَمَّ نقاط الافتراق بين سوريّا والسُّعوديّة، وهي مصدر مخاوف جدّيّة لديها، فهي تعتبر أنَّ إيران تقود حلفاً “شيعيّاً” ضُدَّ التوجُّهات السُّعوديّة في المنطقة، فضلاً عن محاولاتها الحثيثة التَمدُّدَ في المنطقة وتشكيل “هلال شيعيّ”، إلى جانب تدخُّلها في كُلٍّ من العراق وسوريّا واليمن ولبنان، عبر أذرعها السِّياسيّة والعسكريّة.
هل سيستمرُّ الرَّفضُ السُّعوديّ وستعرقل عودة سوريّا كدولة فاعلة في الوسط العربيّ، وهل ستتمكَّن من التّأثير على الدّول العربيّة الأخرى من خلالها موقعها الفعّال في خارطة التّوازنات السِّياسيّة في المنطقة؟
كُلُّ الاعتقاد أنَّ السُّعوديّة تربط قرارها بفَكِّ النِّظام السُّوريّ علاقاته مع إيران، حتّى أنَّ مشاركتها في إعادة إعمار سوريّا مرتبطة بشكل رئيسيّ بتلك العلاقة، ولكن هل النِّظام السُّوريّ قادر على اتّخاذ هكذا قرار مصيريّ في هذا التّوقيت بالذّات؟
كُلُّ المؤشِّرات تؤكِّدُ أنَّ إيران التي توغَّلت في مفاصل الدّولة السُّوريّة والجيش والأجهزة الأمنيّة، تزامناً مع نشر “التشيُّع” في المناطق التي تُسيطر عليها، وبات إخراجها من معادلة الأزمة السُّوريّة من الصعوبة بمكان، بحيث بات النِّظام السُّوريّ خائِرَ القوى أمام أيِّ محاولة لإبعاد إيران من سوريّا، هذا إن لم يجد فيها حليفاً إستراتيجيّاً الآن وفي المستقبل، خاصَّة بعد أن تمكَّنت مع روسيا من حمايته ومنعه من السُّقوط في أحلك الظروف التي مَرَّ بها خلال الحرب.
تحدو النِّظام السُّوريّ رغبة في العودة إلى محيطه العربيّ الحيويّ، فقد أعلن المسؤولون السُّوريّون في أكثر من مناسبة؛ أن سوريّا لا تزال فاعلة في الأوساط العربيّة، وعودتها إلى شغل مقعدها في الجامعة العربيّة، لا يؤثِّر على مواقفها من مجمل القضايا العربيّة، واعتبروا أنَّ تعليق عضويَّتها في الجامعة، جاء ضمن ما أطلقوا عليه “المؤامرة الكونيّة على سوريّا”.
وكان وزراء الخارجية العرب قرّروا في اجتماع طارئ عقدوه في القاهرة في 12 نوفمبر/ تشرين الثّاني عام 2011 تعليق عضويّة سوريّا في الجامعة “لحين التزام الحكومة السُّوريّة بتنفيذ بنود المبادرة العربيّة”.
كما أعلنوا فرض عقوبات اقتصاديّة وسياسيّة ضُدَّ دمشق، وحثّوا الجيش السُّوريّ على عدم استخدام العنف ضُدَّ المتظاهرين المناهضين للنِّظام.
وطالب القرار “الدّول العربيّة بسحب سفرائها من دمشق”، لكنَّه اعتبر ذلك “قراراً سياديّاً لكُلِّ دولة”، كما اتّفق الوزراء على “توقيع عقوبات اقتصاديّة وسياسيّة” على الحكومة السُّوريّة.
أي أنَّ قرار قطع العلاقات الدِّبلوماسيّة لم يكن مُلزِماً للدّول العربيّة، بل هو عائد لكُلِّ دولة. وعلى ضوء هذا القرار لم تقطع بعض الدّول علاقاتها مع سوريّا، مثل الجزائر والسّودان.
فالجزائر الآن تلعب دوراً وسيطاً في إعادة سوريّا إلى محيطها العربيّ، فزيارة وزير خارجيّتها قبل أيّام لسوريّا، واستقباله من قبل الرَّئيس السُّوريّ بشّار الأسد، تشير إلى محاولات الجزائر تعويم النِّظام السُّوريّ، وحتّى إتاحة الفرصة أمامه لحضور القِمَّة العربيّة المزمع عقدها في الجزائر.
المحاولات الجزائريّة تصطدم بالرَّفض الخليجيّ والسُّعوديّ خصوصاً، في ظِلِّ هيمنة الأخيرة ومصر على القرار العربيّ في الجامعة. وما تصريح الأمين العام للجامعة العربيّة “أحمد أبو الغيط” قبل فترة بأنَّ “من المبكِّرِ الحديث عن عودة سوريّا إلى الجامعة العربية” إلا تعبير عن مزاجٍ عربيٍّ عامٍّ رافض لتلك العودة.
وإن كانت الدّول الرّافضة تتذرَّعُ بأنَّ النِّظام السُّوريّ تسبَّبَ في نشوء الأزمة؛ فذات الدّول شاركت في تفاقمها، وكانت أحد الأطراف المُساهمة في المَقتلة السُّوريّة من خلال دعمها للتَّنظيمات الإرهابيّة المتطرِّفة، مثل قطر التي دعمت مختلف التَّنظيمات الجهاديّة الإرهابيّة، بدءاً من “جبهة النُّصرة” وليس انتهاء بتنظيم “داعش” الإرهابيّ ومرتزقة تركيّا، في إفلات يديها لتقتل وتعيث فساداً في السّاحة السُّوريّة. وينبغي على تلك الدّول مراجعة مواقفها وتصحيحها قبل أن تقف حجرةً عثِرَةً أمام عودة سوريّا إلى الجامعة العربيّة.
كما أنَّ روسيّا التي تلعب دوراً كبيراً وحاسماً في مجمل الأزمة السُّوريّة، عبَّرت عن رغبتها في تعويم النِّظام السُّوريّ عربيّاً. فاللقاءات التي عقدها وزير الخارجيّة الرّوسيّ سيرغي لافروف في ربيع الماضي مع الأمين العام للجامعة العربيّة ووزراء خارجيّة الدّول العربيّة، كشفت عن دعمٍ روسيٍّ لمواقف النِّظام في العودة إلى الحضن العربيّ، كما أنَّها مارست نوعاً من الضغوط الدِّبلوماسيّة على أطراف عربيّة لحملها على تعديل مواقفها، مثل السُّعوديّة ومصر.
مصر هي الأخرى تقف في المنتصف، وتتَّخِذ مواقف مواربة وضبابيّة، وهي محكومة بالعلاقة مع كُلٍّ من السُّعوديّة ودول الخليج، إلا أنَّها لا تخفي رغبتها في عودة سوريّا إلى السّاحة العربيّة.
فيما دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، التي استأنفت علاقاتها الدِّبلوماسيّة مع سوريّا وافتتحت سفارتها فيها، وكذلك البحرين، تدعمان، بكُلِّ قوَّةٍ، الجزائر في التأثير على مواقف الدّول العربيّة الرّافضة لعودة سوريّا إلى الجامعة العربيّة، وتُشكِّلُ تلك الدّول كتلة ضاغطة على الدّول الممانعة.
تبقى عودة سوريّا إلى الجامعة العربيّة من عدمها، مرهونةً بالدَّرجة الأولى، بمدى تعافي الوطن السُّوريّ من جراحاته التي أثخنتها الحرب الأهليّة الدّائرة على أراضيها منذ أكثر من عشر سنوات، إضافةً إلى تحرير أراضيها المحتلَّة والقضاء على الإرهاب العابر للحدود والجغرافيا والمتمترس في أراضيها، وتحقيق وحدتها الوطنيّة، والشُّروع بإعادة بناء ما أتت عليه الحرب، وهي عوامل ذاتيّة في متناول اليد؛ إن توفَّرت الإرادة الوطنيّة، ولا سبيل آخر أمام عبور سوريّا والسُّوريّين إلى بَرِّ الأمان إلا من خلالها.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتّابها