فتيات قاصرات ضحايا الزواج المبكر في إدلب
(مريم الغريب–إدلب)
تنتشر ظاهرة تزويج القاصرات في إدلب تحت ضغط عوامل عديدة، منها، سوء الأحوال المعيشية لغالبية العوائل، وما خلَّفته تَبِعات الحرب من فقدان الأمان وحركات النزوح والتهجير التي أسهمت بقبول تزويج الفتيات، إلى جانب استمرار اتّباع العادات والتقاليد التي تحتّم زواج الفتاة في سن مبكرة بسبب الثقافة العامة والنظرة الخاطئة تجاه الفتاة.
وتكون العروس “الطفلة” أكثر عرضة للعنف المنزلي، وأقل قدرة على الدفاع عن احتياجاتها.
ثوب أبيض وحفل زفاف، هو كل ما كانت تعرفه الطفلة “زينب الشيخ مصطفى/15 عاماً” عن الزواج، لتجد نفسها لاحقاً أمام أعباء وتحديات لم تتمكن من النهوض بها والصبر عليها، وعن ذلك تقول: “تزوّجت بسن الثالثة عشرة، وعشت خمسة أشهر قاسية مع زوجي قبل أن أعود إلى منزل أهلي مطلقة”. بهذه الكلمات اختصرت “زينب” مأساتها التي لم تنتهِ بانتهاء زواجها.وتضيف موضِّحة: “بعد نزوحنا من مدينة “خان شيخون” إلى مخيم على أطراف مدينة إدلب؛ أجبرني والدي على ترك الدراسة، للزواج من أول عريس تقدم لخطبتي بعقد زواجٍ عُرفيٍّ لم يتم تثبيته في المحكمة”.
وتُبيّن أنها وجدت صعوبة كبيرة في التأقلم مع الحياة الزوجية، كما تعرَّضت للعنف والضرب من زوجها، وفي كل مرة كانت تغادر فيها المنزل، كان والدها يجبرها على العودة لزوجها.
لا تُخفي “الشيخ مصطفى” أنها حاولت الانتحار للتخلص من حياتها التي أصبحت أشبه بالجحيم، وحين وصل الخبر إلى أهلها وافقوا على انفصالها عن زوجها، وقاموا برفع دعوى قضائية للمطالبة بحقوقها.
ويعتبر الفقر العامل الأساسي الذي يدفع الكثير من الأهالي على تزويج بناتهم وهُنَّ صغيرات في السن، بدافع انتقال الفتاة لحياة ربما تكون أفضل معيشياً في منزل زوجها.
“ميس البرهو/16عاماً”، النازحة من ريف حماة إلى مخيم “كلّي” شمالي إدلب، تزوجت بسن الرابعة عشرة بسبب الفقر والنزوح، وعن ذلك تقول: “بعد وفاة والدي ونزوحنا من مدينتنا، قصدنا مخيماً عشوائياً يفتقد جميع مستلزمات العيش الكريم، حيث يخلو المخيم من النقاط الطبية والمراكز التعليمية، أما المياه فهي بعيدة عن الخيام، ويتوجب علينا نقلها يومياً للقيام لأغراض الطهي والغسيل والتنظيف، كما تغيب الخصوصية عن جميع النساء والفتيات، لذا قررت أمي تزويجي لتخلصني من هذه الحياة الصعبة”.
وتصف “البرهو” حياتها بعد الزواج بأنها صعبة للغاية، لاسيما في الأشهر الأولى حيث بدأت المشاكل بالظهور بسبب ما وصفته بـ”عصبية زوجها” وحرصه الزائد وتدخله بأدق تفاصيل حياتها، حيث كانت تتعرَّض للتعنيف اللفظي والجسدي، كما تعرَّضت للطلاق عدة مرات، لكن ما يدفعها للبقاء والصبر هو الوضع المعيشي الراهن لعائلتها التي تعيش حياة مزرية في المخيمات.
وتعاني فتيات قاصرات بعد الإنجاب بسن مبكرة من هضم لحقوقهُنَّ وتعشنَ حالة ضياع جراء افتقادهُنَّللمعرفة وللخبرة في تربية الأبناء، ولإدارة المنزل، وللتعامل مع الزوج.
“فاطمة سفر/ 17 عاماً”، نازحة من بلدة “سنجار” إلى قرية “بسنيا” شمالي إدلب، وجدت صعوبة كبيرة في تربية طفلها بسبب صغر سنها وقلة خبرتها، وعن ذلك تقول: “تزوجت بسن الخامسة عشرة، وحملت بطفلي الأول بعد زواجي بفترة قصيرة، وقد ساء وضعي الصحي بسبب عدم تحمل جسمي تَبِعات الحمل، وبعد عناء طويل ولدتُ طفلي، لكني كنت أجد صعوبة في التعامل معه، فكيف يمكن لطفلة أن تربي طفلاً”.
الباحثة الاجتماعية “سوسن الحجي/35 عاماً” من مدينة “سرمدا” شمالي إدلب تتحدث عن زواج القاصرات بالقول: “الزواج مسؤولية كبيرة ولا يمكن لطفلة حملها، فهو يؤثر سلباً على الفتاة من الناحيتين الجسدية والنفسية، وذلك بسبب عدم نضوجها الكافي، مما يجعلها غير قادرة على تحمل مسؤوليات الحياة الزوجية والأسرية بشكل كامل، ويعرضها للعديد من المشاكل والتحديات”. وتلفت أن زواج الفتاة القاصر سيؤدي إلى حرمانها من حق التعليم، ما يؤثر عليها وعلى أطفالها في المستقبل.
وتشدد “الحجي” على ضرورة رفع السويَّة الفكرية والثقافية للعائلات في إدلب، والتوعية بأهمية العلم ودوره في تحسين أوضاع الأسرة، فضلاً عن ضرورة العمل على إيجاد فرص عمل للبالغين في تلك الأسر، إلى جانب العمل على تمكين المرأة وزيادة وعيها.
وقعت الكثير من الفتيات في إدلب ضحية الزواج المبكر، ليغادرن عالم الطفولة، إلى دوّامة من المشكلات والمسؤوليات وضياع الحقوق.