آراء وتحليلات

العقل السياسي السوري وعُقدة العودة بالزمن إلى الوراء

محمد محمود بشار

كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن عودة حكام دمشق إلى سابق عهدهم وكأن شهر آذار في عام 2011  لم يكن موجوداً في الذاكرة والتاريخ وكذلك الأمر بالنسبة لما تلا ذلك الشهر من شهور وسنين، حيث المركزية المتشددة والعنيفة وقيادة الحزب الحاكم للمجتمع والدولة معاً من دون منافس أو رقيب.

وعلى الرغم من اقتراب العقد الثاني من عمرهذه الحرب، التي مازال يتم خوضها الآن من منتصفه، وغياب الحلول وتغييب صوت العقل واستنزاف طاقات البلد وخيراتها وهجرة وتهجير أبنائها، مازال العقل السياسي السوري في دمشق وأطرافها قابعاً تحت تأثير فكرة (آلة الزمن) التي تم توظيفها في العديد من أفلام الكرتون وأفلام الخيال العلمي.

تلك الآلة التي تأخذ صاحبها إلى أزمنة غابرة وتعود به إلى قرون خلت ومضت ولم يتبق منها إلا ما تم ذكره في صفحات كتب التاريخ.

  • نكبة تلو الأخرى ولكن لا عودة

عندما خرج العثمانيون مرغمين من سوريا، ودخلها الفرنسيون لم يستطع آل عثمان منذ تلك الساعة ولحد اليوم من إعادة عقارب الساعة إلى ذلك التوقيت الذي سبق طردهم من هذه البلاد، وعلى الرغم من محاولات الرئيس التركي رجب طيب أدوغان لإحياء ذلك الماضي واحتلاله لأجزاء عديدة من الأراضي السورية، إلا أنه محكوم باتفاقيات دولية وصفقات مع دول كبرى، وأيضاً هناك سخط شعبي ضد سياسة التتريك والتغيير الديمغرافي التي تمارسها الدولة التركية ضمن تلك المناطق السورية، وبالتالي وكما أنها لم تدم لسلاطين آل عثمان، فلن يستقر المقام بأردوغان.

بعد حوالي ثلاثة عقود من حكم هذه البلاد، خرجت فرنسا وجيوشها الجرارة من هذه الأرض، ولحد الآن لم تستطع فرنسا أن تعود بقوة إلى مسلسل الأحداث السورية، وإن كان هناك ترتيب للأطراف والدول الأكثر تواجدا وتأثيرا داخل سوريا، لن تكون فرنسا بين العشر الأوائل.

تناوب الكثيرون من الرؤساء والزعماء في الجلوس على كرسي الرئاسة في دمشق، وكانت سوريا في فترة من الفترات هي من بين أكثر الدول التي شهدت انقلابات عسكرية، فكل رئيس حكم الأراضي السورية ولى من غير رجعة.

أطول فترة حكم كانت للرئيس الراحل حافظ الأسد، ويأتي ابنه بشار الذي يتولى منصب الرئيس بعد وفاة والده منذ عام 2000 ولحد الآن في المرتبة الثانية بعد والده من حيث طول مدة الرئاسة ومازال الطريق سالكا أمامه للسير كرئيس لهذه البلاد وحتى لو كان بصعوبة، إلا أن كل المعطيات تشير إلى استمرار الأسد في حكم هذا البلد.

ولكن سلطة الأسد لم تعد مركزية كما كانت في السابق وذلك بحكم أمر الواقع، فسوريا اليوم تتألف من عدة مناطق للنفوذ، لكل منطقة عاصمتها وحكامها وحلفاؤها، كما أن حلفاء دمشق لا يهتمون كثيراً بمسالة السيادة السورية وهيبة رئيس الدولة والبروتوكول الرسمي، وهناك الكثير من الشواهد والأمثلة التي توضح مدى خرق سيادة الدولة من قبل الحليف قبل الخصم.

عودة الزمن إلى الوراء، عملية مستحيلة علمياً، وربما سيكون القادم أكثر مرارة وأشد وطأة إن بقي العقل السياسي السوري حالماً بركوب آلة الزمن التي ستعود به إلى الوراء.

وحتى إن تمكن أحدهم من إيجاد آلة الزمن وركوبها، فلن يعود به الزمن إلا إلى عهد الطوفان ولن يستطيع اللحاق بسفينة النجاة التي كان يقودها النبي نوح عليه السلام.

وبالتالي لن يكون مصيره إلا الغرق، لأنه من زمن آخر، والمتخلف عن زمنه تتقاذفه الأيام ليقع صريعاً لأوهامه التي جعلته أعمى البصر والبصيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى