زوجات مفقودين في الرقة.. بين التفريق القضائي والمضايقات الاجتماعية
الرقة – مجهر
رفضت شيرين محمد (35 عاماً) من سكان مدينة الرقة شمالي سوريا، مراراً طلب أباها بتزويجها من شبان تقدموا لخطبتها معللة ذلك بأنها لا تزال على ذمة رجل آخر “ربما لا يزال على قيد الحياة”.
تقول شيرين (اسم مستعار) إن زوجها اعتقل على أحد حواجز قوات حكومة الأسد عندما توجه إلى مناطق سيطرتها عام 2018 لتسجيل أطفاله في البطاقة العائلية وبقي مفقوداً حتى الوقت الحالي.
لم تفقد شيرين أمل عودة زوجها، رغم عدم ورود معلومات عنه طوال مدة الاعتقال، لكنها تصر على أنه لا زال على قيد الحياة وعلى هذا الأساس ترفض الزواج برجل آخر.
وترى المرأة الثلاثينية أن بإمكانها متابعة حياتها دون الزواج طالما أنها قد تزوجت وبإمكانها العمل وتربية أطفالها والذين بلغ عمر أكبرهم عشرة أعوام بينما عمر الأصغر ستة أعوام.
وفقدت مجموعة من النساء في مدينة الرقة السورية أزواجهنَّ بفعل تداعيات الحرب التي شهدتها البلاد، إذ اعتقل بعضهم على حواجز ” حكومة الأسد” أو فقدوا بمعارك ضد تنظيم “داعش” الإرهابي أو اعتقلهم التنظيم خلال فترة سيطرته على الرقة ولم يعثر على أثر لهم.
وتقع النساء اللواتي فقدن أزواجهن ضحية لمضايقات من محيطهن الاجتماعي تنبع من العادات والتقاليد التي تضع المرأة في موقف الضعف وضحية “القيل والقال” طالما أنها ليست متزوجة.
وأشارت شيرين إلى أن أباها طلب منها صراحة رفع دعوى تفريق غيابية ضد زوجها المفقود بسبب طول مدة غيابه، وهي تستنكر ذلك وتعتبره مهيناً لها و”للحب والعشرة” الذي جمعها بزوجها خلال فترة زواجهما.
همّ الأولاد ومصاريفهم
في ذات الرقعة الجغرافية ثمة حالات مشابهة تختلف في بعض التفاصيل عن حالة “شيرين”.
رقية إبراهيم (40 عاماً) لم تجد من يعينها في إعالة أطفالها الخمسة. تقول لـ منصة مجهر باللهجة الرَّقاوية :”أكل ودوا ومصروف هلكني وما ملاقية سند، زوجي اختفى وتركهم قطع لحم” .
وفُقد زوج “رقية” مطلع العام 2014 خلال معارك شهدتها مدينة الرقة بين فصائل مسلحة كانت تسيطر على مدينة الرقة وتنظيم “داعش” والتي انتهت بسيطرة الأخير على المدينة.
وقالت رقية إن أشخاصاً من حي الدرعية على أطراف مدينة الرقة الغربية أخبروها أن عناصر داعش أعدموا زوجها ميدانياً بسبب الاشتباه بانضمامه لفصيل يتبع للمعارضة لكن لم تجد العائلة جثة الرجل رغم توجههم بعد فترة زمنية قصيرة إلى ذات المكان الذي من المفترض أن يكون ساحة للإعدام.
واضطرت رقية للزواج برجل أخر بعد أن استفتت العائلة رجل دين من الرقة حول قدرة المرأة الزواج من رجل ثاني إن كان زوجها الأول قد فقد لأي سبب أوغاب عنها فترة زمنية معينة.
وتبرر رقية زواجها برجل آخر، بعدم مقدرتها على سد احتياجات الأطفال الخمسة وعدم وجود معيل لهم، رغم أنها لم تتأكد يقيناً من وفاة زوجها رغم أن المدة الزمنية التي غابها تجاوزت حتى الآن ثمانِ سنوات.
“الشرع والقانون يتفقان”
ويقول محمد الهاشم، وهو رجل دين من الرقة، إن للزوجة حق الزواج برجل أخر بعد غياب زوجها الأول أو فقدانه بعد صدور حكم تفريق بين الطرفان يصدر عن القاضي الشرعي في المنطقة.
وتخضع آلية تطبيق حكم التفريق بسبب الغياب إلى ضوابط شرعية وتتفق مع القانون السوري في رفع دعوى تفريق أمام القاضي الشرعي تُشهر في الصحف الرسمية أو عن طريق إخبار أقرباء الزوج والذين يقوم القاضي بتوكيلهم بإكمال إجراءات الطلاق، وفقاً لما قاله الهاشم.
أما الناشطة النسوية إلهام إبراهيم ترى أن إجبار زوجة المفقود بالزواج من رجل آخر لا يتفق مع حق المرأة في حرية الاختيار لا سيما في موضوع مثل موضوع الزواج والتفريق.
واعتبرت الناشطة أن إجبار زوجة المفقود على رفع دعوى التفريق تيمناً بالعادات والتقاليد هو أمر مشين ولا يراعي مشاعر المرأة التي من المفترض أن تكون هي صاحبة القرار الأول والأخير في هذا الأمر.
إعداد: ياسين الأحمد