آراء وتحليلات

الخلافات الأمريكية – الإسرائيلية حول الحرب في غزة

محمد عيسى

الجديد والمختلف هذه المرة في حرب غزة، وهي تدخل يومها السبعين، عن الحروب العربية الإسرائيلية السابقة؛ أنها لم تعد حرباً تبدأ وتنتهي بحدود أيام قليلة  كحرب الأيام الستة في عام1967 أوفي غضون أسبوعين أو ثلاثة كما هي الحال في حرب 1973 وما تلاها من حروب ومواجهات، وحتى تختلف عن حروب أمريكا في العراق عام 1991 وفي 2003، بل يبدو أنها تتسم بسمات حروب هذه الأيام ومرشَّحة أن تدخل في تصنيف الحروب الطويلة التي تستمر لأشهر طويلة وربما لسنوات، كما هو الشأن في الحرب الأوكرانية الروسية أو على غرار الحرب في السودان.

وعلى ضوء ما تشير إليه وقائع الحرب، وما تعلنه تصريحات القادة الإسرائيليين من أنها حرب ستطول، وأنهم مستعدون لتحمل أعبائها،أو على الأقل هذا ما يجهد الإعلام الإسرائيلي لتهيئة الرأي العام في إسرائيل إليه، فإن هذه الحرب التي تخسرها إسرائيل حتى الآن، وفق ما توحي به آلة الإعلام القطرية وقناة الجزيرة ومعلقيها الذين يحتكرون المعلومة على السوشيال ميديا (وسائل التواصل الاجتماعي) وفي العديد من الميادين الإعلامية التي تحتل موقع الصدارة في تغطية أحداث الحرب.

أما لماذا هي تسلك طريق الحرب الطويلة؛ فلأنها حرب بدأت في غزة ولن تنتهي عند غزة أولاً، بحسب ما أعلنه “نتنياهو” في اليوم الأول للحرب.ولأنها  حرب أمريكية وأطلسية إسرائيلية، ثانياً. حرب تدور رحاها في الخفاء مع الإسلام السياسي وداعميه على نطاق العالم. فحركة “حماس” و”كتائب القسام” ليست بنظر دول حلف الغرب العالمي غير رأس الحربة في مواجهة أشد نطاقاً، وهو لا يجادل في ضرورة استمرار الحرب لدحرها أو استئصالها، ثم متابعة الحرب بعد ذلك لمواجهة باقي أطراف معادلة الصراع.

ما نشهده اليوم من ضجيج عن تقلص مساحة التأييد الدولي للأجندات الإسرائيلية في هذه الحرب، ما هو إلا غير شكل موضوعي متوقع وفي الحسبان دوماً لمنظمات المجتمع المدني في بلدان الغرب الديمقراطي، الذي لا يحتمل منظر الإيقاع بشروط الحياة وتدمير المدن وقتل الأطفال والنساء والعجز وتهجير السكان. هذا الموقف الضاغط الذي سيكون له وقعه على قرار الحكومات الغربية، سيما وأنها تطورات تجري على مشارف مرحلة انتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية يدخل في موازينها موضوع الحرب في غزة، والموقف من ملف إيران  وضرورات مواجهة الإرهاب وأدواته في الشرق الأوسط والعالم، ويدخل ضمن هذا العامل الموقع المتقدم للرئيس السابق “ترامب” في استطلاعات الرأي، والذي يشكل تحدياً كبيراً لفرص إدارة “بايدن” في الفوز بالانتخابات القادمة، نظراً لمواقفه الراديكالية من السياسة الإيرانية ومن تحديات الإسلام السياسي.

ووفقاً لكل هذه الحسابات، يمكن الجزم بأنه لا يوجد تقليص جدي في مساحة تأييد دول الغرب لإسرائيل في حربها  الدائرة في غزة، إنما يمكن الحديث عن خلافات أمريكية إسرائيلية ليس حول هدف الحرب المتمثل باجتثاث “حماس”، بل ربما حول طريقة الحرب ومدتها التي باتت ثقيلة في طولها، وحول رؤية “نتنياهو” وأجندات تحالفه التي تختلف مع المقاربة الأمريكية لإدارة “بايدن” في عدة نقاط، من أهمها مستوى العنف ووقف تهجير السكان الغزاويين، وعدم الموافقة على ضم أراضٍ جديدة، ومنها أيضاً مسألة إيصال المساعدات للمدنيين، هذه النقاط التي دفعت الرئيس “بايدن” بوصف الحكومة الحالية في إسرائيل بأنها من أشد الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل، ما يشير إلى أن هناك دعوة أمريكية دائمة من الإدارة الديمقراطية لإجراء تغييرات في نهج الحكومة الإسرائيلية اليميني والمتطرف في سياساتها الداخلية، وحول التعديلات القضائية، ومسائل أخرى قد لا تكون لتداعيات الحرب على غزة كبير أثر فيها.

وثمة نقطة خلافية أخرى، وأيضاً ليس حول الحرب ذاتها، إنما تتعلق بسياسة ما بعد الحرب، وما هو واقع غزة بعد انتهاء أعمال الحرب، وفكرة حل الدولتين التي تصر الولايات المتحدة على اعتمادها كخطوة لحل المشكلة الفلسطينية، والتي ترجِّح عودة غزة لتقع تحت نفوذ السلطة الفلسطينية في رام الله، الأمر الذي مازالت الحكومة اليمينية الإسرائيلية غير مستعدة للقبول به.

رغم أن هناك أخبار تدور وفيديوهات تنقل صوراً لشرطة رام الله وهي تباشر انتشارها في مواقع معينة، وعلى نطاق ضيق، في أجزاء يخليها لحسابها جيش الاحتلال. كل هذه النقاشات وهذا الجدل يجري مترافقاً مع نشاط محموم ومركَّز للاتصالات والنقاش بين فريق المختصين فيالإدارة الأمريكية، وما بين نظرائهم في إسرائيلوالتي توجت بتوجه مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي أخيراً إلى إسرائيل. وعلى أية حال فأي تكن الحوارات الجارية أو الضغوط الأمريكية ودواعيها؛ فإن رجع الصدى عليها في إسرائيل هو في قرار حكومة “نتنياهو” القاطع في الاستمرار في الحرب، لسببين أساسيين، الأول أن إسرائيل تخوض هذه المرة حرب وجود،  ولا مجال فيها للقبول بنصف إنجاز، والثاني أن الجبهة الداخلية مازالت موحدة خلف هدف الحرب. وما تركز عليه بعض وسائل الإعلام عن نشوء صدع في المجتمع الإسرائيلي حول استمرار الحرب غير صحيح، وتنحصر ردود الفعل بمطالبات ذوي الأسرى بإعطاء أولوية مرحلية  لقضية الأسرى ثم العودة للحرب.

 لذلك نلاحظ أن “نتنياهو” يستخدم في آخر إطلالة له، وبعد عودته من اجتماع مع “الشاباك” تعابير مختلفة،ويلوّح بأنه بات على مرمى حجر من حسم الحرب، حيت كرر كلاماً من قبيل أن كثيرين من مقاتلي “حماس” يستسلمون للجيش الإسرائيلي الذي امتدح أداءه .

إلى ذلك يمكن تسجيل جملة من الملاحظات المرتبطة بواقع هذه الحرب وآفاقها اللاحقة، يقع في رأسها،أنها طويلة بالفعل؛ لكثافة مهامها وتعدد أطرافها وتشعب احتمالات توظيفها.

فبينما من الزاوية الإسرائيلية يجري التركيز على أولوية إحداث تغيير ديمغرافي، عبر استهداف المدنيين ودفعهم لترك أماكنهم والبحث عن مواطن أكثر أماناً؛ تكون هذه الحرب قد أعطت الفرصة له ووفرت مفتاحه، مع بقائها نقطة الخلاف الرئيسية مع إدارة “بايدن”. 

كما نرى الرئيس التركي أردوغان يسارع لتوظيفها في مشروعه القائم في استكمال خطوات  تتريك وأخونة عفرين، حين يسعى مع القطريين لتوطين الفلسطينيين الغزاويين، وبداية الجرحى منهم في عفرين، وذلك أيضاً ضمن سياق المشروع الإخواني لتعميم نموذج الإخوان المسلمين، حين تسنح له الفرصة.

بينما تسعى الولايات المتحدة إلى طي صفحة غزة بأسرع ما يمكن، والانتقال إلى محاور اهتمام أخرى، وإلى تعزيز مكانتها كقوة أكبر في تحديد ورسم السياسات العالمية.

ومن الملاحظات أيضاً؛ أنها حرب متشابكة الأطراف وتدور على ساحات عديدة،  ولم يخطئ أمين عام حزب الله حين كان يكرر كلاماً عن وحدة الساحات،ولكنه لم يستطع أن يترجمه وتنصل في الميدان من الالتزام الجدي بمستحقاته، فهي ساحات متعددة، وتدور على مسارحها حرب واحدة، بدءاً من اليمن مروراً بالعراق ولبنان وسوريا وصولاًإلى غزة، وهذه الساحات في القاموس الإسرائيلي والأمريكي إلى حد كبير، يتربص بها تحدّأساسي واحد؛ يتمثل بمنظومة التيارات الجهادية الشيعية والسنية، على حد سواء.

وما حديث وزير الدفاع الإسرائيلي مؤخراً عن أن على حزب الله إن انسحب إلى شمال خط الليطاني،بعملية سياسية دولية أو بجراحة عسكرية، ما هو إلا تعبير عن وحدة التحديات، التي على الجانب الإسرائيلي أن يواجهها. وإذا أضفنا إلى المعطيات الاعتداءات شبه اليومية على المواقع الإيرانية والميليشيات المحسوبة عليها في الأراضي السورية، وعمليات التعطيل المتكررة لعمل مطاري دمشق وحلب، والتسخين الجاري مؤخراً في المنطقة الجنوبية، يصبح واضحاًأن في الخطط الإسرائيلية مهمات لاحقة ستطال حزب الله في لبنان وسوريا، كما ولن توفر كما توحي به الطلعات الجوية فوق السماء السورية حتى مواقع الجيش السوري، الأمر الذي يستدعي اليقظة والحذر.

زر الذهاب إلى الأعلى