تقارير

جرحى الحرب.. منسيون في إدلب

(مريم الغريب- إدلب)

خلَّف قصف الحكومة السورية على إدلب آلاف الجرحى الذين يعانون من الإهمال وضعف الرعاية الصحية، إلى جانب تردّي الأحوال المعيشية، في ظل غياب الجهات والمنظمات المهتمَّة بشؤونهم.

يجلس “حسام العُرابي/ 45 عاماً” من مدينة “سرمين”، أمام باب منزله، واضعاً عكّازيه على مقربة منه، ومنشغلاً بترتيب المقبّلات والمعجّنات التي يبيعها للأطفال الذاهبين إلى مدارسهم كل يوم.

وكان “العُرابي” سابقاً يعمل في البناء ويجني دخلاً جيداً، ولكن بعد أن فقد قدمه جرّاء إصابة حربية توقف عن عمله، بسبب عجزه، وعن ذلك يقول: “بعد إصابتي بشظية قذيفة وفقدان قدمي اليمنى؛ تسلل اليأس والحزن إلى حياتي، وتوقفتُ عن العمل لمدة لا تقل عن سنتين، حتى ساءت أحوالنا المادية بشكل كبير، لذا قررت العودة إلى العمل رغم بساطته للإنفاق على أسرتي المكونة من خمسة أفراد”.

ويؤكد “العُرابي” أنه حصل على طرف صناعي من جمعية خيرية ولكنه من النوعية الرديئة، ولا يساعده على الحركة والمشي بشكل جيد، وعن ذلك يقول: “لا قدرة لي على شراء طرف على نفقتي الخاصة، بسبب فقر حالي وغلاء تكاليفه التي تتراوح بين /500–1000/ دولار أمريكي”.

كما وقع العديد من الأطفال ضحايا الإصابات الحربية في إدلب، مما يَحُدُّ من قدرتهم على متابعة تحصيلهم العلمي، ويضعهم أمام مستقبل مجهول.

الطفلة “سامية النايف” البالغة من العمر /10/ سنوات، نازحة من بلدة “البارة” إلى مدينة “الدانا” شمالي إدلب، أصيبت بشظية صاروخ من طائرة حربية أثناء عملها مع والدها في الأرض الزراعية التي يملكونها، وفقدت القدرة على المشي والحركة، وعن ذلك يتحدث والدها قائلاً: “قضت الحرب على مستقبل ابنتي بعد إصابتها بشظية من طائرة حربية، أدت إلى إصابتها بشلل في أطرافها السفلية نتيجة استقرار إحدى الشظايا في ظهرها، لذلك قمت بإدخالها إلى تركيا للعلاج، وخضعت لعدة عمليات إلا أنها لم تتحسن”.

ويشير “النايف” أن ابنته منعزلة عن محيطها، وتعاني من حالة نفسية سيئة، كما ترفض الذهاب إلى المدرسة بسبب صعوبة تنقلها من مكان لآخر وتعرضها للتنمّر من قبل زملائها.

وتتضاعف معاناة ذوي الإعاقة في مخيمات النزوح، لأن الطرقات وعرة، والمرافق الصحية في المخيمات لا تناسب الأشخاص ذوي الإعاقة.

“وداد الحجّي/ 41 عاماً” نازحة من مدينة “كفرنبل” إلى مخيم في مدينة إدلب، تجد صعوبة كبيرة في الحركة والتنقّل في أرجاء المخيم والوصول إلى الحمامات، وحول ذلك تقول: “الحمامات بعيدة عن الخيام، ولا يمكن لشخص مُعاق يستخدم العكّازات أو الكرسي المتحرّك أن يصل إليها، وخاصة في فصل الشتاء”. وتبين أنها تعرضت لشظايا قذيفة أدت لبتر قدميها، وبعد تلقي العلاج انتهى بها الحال على كرسي متحرك لفقر حالها، وعدم إمكانية تركيب طرفين صناعيين.

وتلفت “الحجّي” أنها لا تنسى ذلك اليوم بداية عام 2020، حين سقطت قذيفة على بعد أمتار منها، وتضيف: “سقطتُ على الأرض وفقدتُ وعيي، وحين استيقظت من غيبوبتي أحسست بألم شديد وثقل في جسدي، وبعدها وجدت نفسي على سرير داخل المشفى بدون قدمين”.

وتؤكد “الحجّي” بأنها عندما أصيبت كان أولادها أول من فكرت بهم، فبعد إصابتها فقدت القدرة على رعايتهم وقصَّرت بواجباتها نحوهم، لذلك فإن هاجسها الأكبر هو تأمين تكاليف تركيب طرفين صناعيين لتكون قادرة على أداء واجباتها كأم.

وتشير “الحجّي”إلى أن مقوّمات الحياة تنعدم في هذا المخيم العشوائي، إضافة إلى معاناتها من بُعدِ المراكز الصحية، وغياب مراكز الدعم والتأهيل اللازمة للمصابين، وتردف قائلة: “أحتاج مع أولادي إلى كفالة بعد تخلّي زوجي عنّا، فنحن نعيش ظرفاً معيشياً صعباً في خيمة مهترئة لا تقي برد الشتاء ولا حرّ الصيف”.

من جانبها المختصة بالإرشاد النفسي “رؤى خليفة/ 35 عاماً” من بلدة “أطمة” الحدودية مع تركيا، تتحدث عن احتياجات ذوي الإعاقة بالقول: “خلَّفت الحرب الكثير من الندوب ولعل أكثرها مأساة ما خلّفته من إصابات وإعاقات لدى شريحة واسعة من السوريين، فقلّما نجد عائلة في إدلب ليس فيها شخص يعاني من بتر أو إعاقة تمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي”.

وتؤكد أن الفقر وَشُحَّ فرص العمل تزيد من معاناة ذوي الإعاقة، خاصة للمعيلين الذين يجدون صعوبات كبيرة في تأمين احتياجاتهم واحتياجات أسرهم الغذائية أو الصحية، ما يسبب لهم ضغطاً نفسياً مضاعفاً.

وتلفت أن الكثير من المُصابين والجرحى لم يفقدوا الأمل بالحياة وواصلوا السعي لإتمام دورهم فيها، رغم الصعوبات والتحديات التي تقف في طريقهم.وتشدد “خليفة” على ضرورة تأهيل هؤلاء المصابين وتأمين فرص عمل تتناسب مع أوضاعهم الصحية، وتمكنهم من كسب لقمة عيشهم بكرامة.

بدوره المعالج الفيزيائي “محمود السعود/ 39عاماً”، يعمل في مركز لتركيب الأطراف الصناعية في مدينة “سرمدا” شمالي إدلب، يقول: “مع استمرار العمليات العسكرية على إدلب؛ يزداد أعداد المصابين والجرحى بشكل مستمر، ويعاني معظمهم من الفقر وضعف الإمكانيات، كما تعتبر مسألة الحصول على طرف صناعي أمراً صعباً للغاية، بسبب محدودية الدعم المقدَّم لمراكز الأطراف الصناعية، ما يجعل عملية تصنيعها تتم بأعداد قليلة”، مؤكداً أن شراء الطرف الصناعي هو معضلة بالنسبة للكثيرين، باعتبار الطرف الصناعي الواحد يكلف بين /800/ و/1500/ دولار أمريكي.

ويلفت “السعود” أن شُحَّ الإمكانات الطبية أخَّر علاج الكثير من الجرحى والمصابين، ما أدى إلى تراجع حالاتهم الصحية بشكل كبير.

ويتسبب القصف على إدلب بإصابة العشرات وإعاقة عدد منهم، وبتر أطراف آخرين، ليجدوا أنفسهم في مواجهة تحديات حقيقية تنعكس على واقع حياتهم، وأمام عوائق كثيرة أثناء بحثهم عن علاج يخفف آلامهم وتوفر لهم فرص عمل تمكنهم من تدبير نفقاتهم وتكفيهم العوز.

زر الذهاب إلى الأعلى