تقارير

برد الشتاء ..عبء آخر على النازحين في إدلب

مريم الغريب– إدلب

يعود فصل الشتاء قاسياً على أهالي إدلب، وخاصة النازحين الذين يسكنون في مخيمات بدائية لا تقيهم من البرد، وسط ضعف إمكانات التدفئة، وغرق العديد منها جرّاء الأمطار، الأمر الذي يضاعف معاناتهم، وسط تردّي أحوالهم المعيشية وعجز المنظمات الإنسانية عن تأمين احتياجاتهم.

“علية الشعبان/ 39 عاماً”، نازحة من بلدة “جرجناز” إلى مخيم في بلدة “حربنوش” شمالي إدلب، تقضي معظم وقتها خلال هذه الأيام في خياطة خيمتها البالية وإصلاح الشقوق في سقفها وجدرانها، تزامناً مع حلول فصل الشتاء وخوفها من العواصف والأمطار، وعن ذلك تقول: “الخيمة غير مناسبة لفصل الشتاء، لأن العيش فيها مأساوي، خصوصاً مع عدم توفّر وسائل التدفئة، وتعرضها للغرق بمياه الأمطار، فضلاً عن توحّل الطرقات في المخيّم مما يصعّب السير، ويعرقل تحركاتنا وخاصة الأطفال”.

وتلفت “الشعبان” أنها بالكاد تؤمّن ثمن وسيلة للتدفئة والحماية من برد الشتاء القارس، وتضيف: “في الماضي كنا نستخدم الحطب الذي نقطعه من كرومنا وأراضينا، ولكن بعد نزوحنا أصبحنا نستخدم مادة الفحم أو الملابس المهترئة، نظراً لرخص ثمنها مقارنة بأنواع وسائل التدفئة الأخرى”.

وتؤكد أن إشعال الفحم في الخيمة يصدر روائح كريهة، ودخاناً يلوّن جميع محتويات الخيمة بالسواد، ويسبب الأمراض التنفسية لأولادها.

وتشير “الشعبان” إلى أن المخيم الذي تقطنه تعرض خلال الشتاء الماضي للضرر الشديد وتشرَّد قاطنوه واقتلعت عدد من خيامهم بفعل الأمطار الغزيرة، لذا تطالب منظمات المجتمع المدني بتأمين مواد التدفئة للنازحين والبطانيات، إضافة لاستبدال الخيام التالفة ورصف طرقات المخيم بالحجارة.

أما “نديمة الأحمد/ 41 عاماً”، فقد قامت بوضع المزيد من البطانيات والنايلون على سقف الخيمة التي تسكنها مع زوجها وأطفالها الأربعة، بهدف تخفيف البرد في فصل الشتاء، كما رفعت التراب على جدران الخيمة ودعمتها ببعض الحجارة، لكي تمنع تطاير جدران الخيمة بفعل العواصف الهوائية والمطرية، وعن ذلك تقول: “رغم اهتراء الخيمة؛ لم نتمكن من استبدالها بسبب مرض زوجي وقعوده عن العمل، حيث نعتمد في تأمين نفقاتنا على المساعدات الإغاثية القليلة التي توزعها المنظمات في المخيم، وما ينتجه ولدي البالغ من العمر /12/ عاماً من عمله في بيع المناديل الورقية، ولا قدرة لنا على شراء وسائل التدفئة الصحية والآمنة بسبب الغلاء والأسعار الجنونية”.

وتلفت “الأحمد” أنها تجمع ﺍﻟﻤﺨﻠَّﻔﺎﺕ ﺍﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ والكرتون من مكبّات القمامة ﻻﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺪفئة، مؤكدة أن التجار ﻳﺴﺘﻐﻠﻮﻥ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺮﻓﻊ ﺃﺳﻌﺎﺭ موﺍﺩ التدفئة ﻟﻠﻀﻌﻒ ﺧﻼﻝ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ، ﺩﻭﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻱ ﺟﻬﺔ ﺭﻗﺎﺑﻴﺔ ﺗﻀﺒﻂ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ.

من جهته “أحمد البكور/ 42 عاماً”، مدير مخيم عشوائي في مدينة “الدانا” شمالي إدلب، تحدث عن معاناة النازحين مع قدوم فصل الشتاء قائلاً: “أغلب سكان المخيمات همهم الوحيد كيفية تأمين مواد التدفئة، فبعضهم يجمع بقايا أغصان الأشجار، ومنهم من استدان لشراء وسيلة تدفئة خوفاً من ارتفاع ثمنها في الأيام المقبلة”.

ويبين “البكور” أن المخيم يفتقد لوجود بنية تحتية أو مجاري لتصريف المياه، إضافة إلى كونه مبنياً على تربة حمراء هشة، ما أدى لتشكل مستنقعات مائية كبيرة بين خيم النازحين.

ويشير أن النازحين يعانون من ﻇﺮﻭﻑ ﻣﻌﻴﺸﻴﺔ ﺻﻌﺒﺔ، في ظل ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺣﺎﺩ في اﻷﺳﻌﺎﺭ، الأمر الذي يحول ﺩﻭﻥ ﻗﺪﺭﺓ ﻋﺪﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﻬﻴﺰ وسائل تدفئة ﺗﻘﻴﻬﻢ البرد، ﻭﺗﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺇﺩﺧﺎﻝ ﺍﻟﺪﻑﺀ ﻟﺨﻴﺎﻣﻬﻢ ﻭﺃﺟﺴﺎﺩ أطفالهم، حيث دفع غلاء أسعار المحروقات في إدلب نازحين لاستخدام وسائل التدفئة البديلة كالفحم وﺍﻟﻨﺎﻳﻠﻮﻥ ﻭﺍلملابس المهترئة وغيرها من الطرق غير الصحية، التي تعد سبباً في اﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﺘﻨﻔﺴﻴﺔ ﺟﺮﺍﺀ ﺍﺳﺘﻨﺸﺎﻕ ﺍﻷدخنة ﻭﺍﻟﻐﺎﺯﺍﺕ السامة ﺍﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻨﻬﺎ.

ويطالب “البكور” بنقل النازحين من الخيام إلى غرف إسمنتية، أو تزويد المخيم بعوازل مطرية وخيام جديدة، بالإضافة إلى تأمين مواد تدفئة وفرش الطرقات بالحصى والحجارة.

وأكد فريق “منسقي استجابة سوريا” أن مناطق شمال غرب سوريا شهدت خلال الفترات الأخيرة زيادة كبيرة في الاحتياجات الإنسانية للمدنيين في المنطقة، بالتزامن مع حلول فصل الشتاء وارتفاع أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى أكثر من /4.1/ مليون نسمة، يشكل 85% منهم القاطنون ضمن المخيمات، إضافة إلى الارتفاع المستمر في أسعار المواد والسلع الأساسية في المنطقة، يضاف إليها تزايد معدّلات البطالة بين المدنيين بنسب مرتفعة للغاية وصلت إلى 85% .

وأجرى “منسقو استجابة سوريا” استبياناً حول احتياجات النازحين ضمن مخيمات شمال غرب سوريا بالتزامن مع دخول فصل الشتاء، وشمل الاستبيان أكثر من /95,824/ نازحاً من مختلف الفئات العمرية، ضمن أكثر من /412/ مخيماً منتشراً في محافظة إدلب وريفها، وضم الاستبيان أكثر من /33,512/ من النساء واليافعات، إضافة إلى /5,173/ طفل وطفلة، و/2,138/ من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وتركزت الاحتياجات الأساسية للنازحين في تلك المخيمات على تأمين مواد التدفئة وضمان استمرارها خلال أشهر الشتاء بنسبة 98%. أما تأمين دعم المياه داخل المخيمات وزيادة كميات المياه المقدمة فكانت نسبة المطالبة 92%، واستبدال الخيام التالفة نتيجة العوامل الجوية المختلفة بنسبة 86%، فضلاً عن تأمين عوازل حرارية داخل الخيام بنسبة 91%. أما تأمين معدات إطفاء الحرائق في المخيمات، وخاصةً مع زيادة المخاوف من ارتفاع أعداد الحرائق ضمن المخيمات، نتيجة التدفئة بمواد غير صالحة للاستخدام فكانت بنسبة 83%، إضافة لزيادة المساعدات الإنسانية للنازحين ضمن المخيمات بالتزامن مع انخفاض القدرة الشرائية للنازحين بنسبة 93%.

ويضاعف فصل الشتاء من معاناة النازحين، في ظل الفقر وغلاء الأسعار وسوء الأحوال المعيشية، ليكون هاجسهم الأكبر أن تصمد خيامهم في وجه الأمطار والعواصف، وتأمين مواد تدفئة قليلة التكاليف، تحمي أطفالهم من برد الشتاء.

زر الذهاب إلى الأعلى