تقارير

“جديدة عرطوز” وأزمة الخبز.. أكثر من منطقة وفرن واحد يرافقه نشاط السوق السوداء

دمشق– حسنا بيطار

“ليس هناك أسوأمما نعانيه أمام منافذ بيع الخبز، وإن قلنا إنه ذل فهذا قليل جداً”.. بهذه العبارة عَبَّرَ”حسّان علي/ 40 عاماً” عن صعوبة حصوله على ربطة خبزه اليومي من الفرن الموجود في “جديدة عرطوز”بريف دمشق.

أكثر من منطقة وفرن واحد!

فيما يقول “محمد/ 27 عاماً”، وهو أيضاً من “جديدة عرطوز”: “لم أذهب يوماً إلى فرن جديدة عرطوز إلا وكان يجب عليَّ الوقوف لساعات للحصول على عدة أرغفة من الخبز، وذلك بسبب الازدحام الشديد، والأزمة التي خلقتها الحكومة دون أن تَحُلُّها”.

بالمقابل، قال العم المسنّ “أبو حيّان” لمنصة “مجهر”: “ما بقدر بفوت بالأزمة، والناس بالطابور عم تدفّش بعضها، وعم دوّر على شخص ياخد بطاقتي ويشتريلي الخبز، ذل ما بعده ذل عم نعيشه”.

وما تزال الأزمات تتوالى على رأس المواطن السوري، ومادة الخبز هي أولى الأساسيات التي لا يستطيع السوري الاستغناء عنها، وقد نالت الأزمة من الريف قرب العاصمة دمشق نسبياً،وتحديداً في بلدة “جديدة عرطوز” بشقيها الشرقي “البلد” والغربي “الفضل”، حيث تعتبر المنطقة كثيفة بالسكان مقارنة بغيرها من بلدات ريف دمشق.

ومما يضاعف معاناة أهل المنطقة هو أزمة الخبز المُرهِقة، حيث باتت الطوابير المتجمِّعة أمام فرن “جديدة عرطوز” الآلي وهو فرن حكومي، تصل إلى عشرات الأمتار، والتي تخلق مشكلات نتيجة تزاحم الناس. ورغم أن بعض المسؤولين يؤكدون أن الفرن يعمل بكامل طاقته؛ إلا أنه لا يستطيع أن يؤمّن احتياجات المنطقة، خاصة بعد أن توقفت العديد من الأفران المجاورة عن العمل، (فهو الفرن الوحيد الذي يعمل حالياً).

بعض المواطنين أكدوا أن هذه الأزمة يمكن حلها أو التخفيف منها إذاتم تشغيل خط إنتاج ثانٍ، فسكان المنطقة بشقيها يأتون إلى الفرن الوحيد وينتظرون ساعات حتى يحصلوا على حصتهم من الخبز وفق البطاقة الذكية.

نشاط السوق السوداء والطوابير لساعات يومياً

يقول “علاء سعد”، اسم مستعار: “بعد انتظاري لساعات أمام الفرن، وحين يسوء الأمر أكثر اضطر لشراء الخبز من تجار الخبز وبسعر مضاعف عدة أضعاف عن ثمنه في الفرن، فسعر ربطة الخبز على البطاقة الذكية/200/ ل.س، في حين يتم بيع ربطة الخبز من تجار لقمة العيش بـ/2000/ أو /3000/ ل.س وتضم /7/ أرغفة تكفي لشخصين على الأقل يومياً، حسب التاجر ومدى حاجة المواطن”.

وأوضح “علاء”: “تستطيع تمييز تجار الخبز خلال /10/ دقائق،فهم مميزونولهم الأولوية في الشراء رغم الازدحام،فقد تجدهم يحملون عشرات ربطات الخبز ويوزعونها على الأطفال والنساء ليقوموا ببيعها للمواطنين، فعمل التاجريقتصر فقط على شراء الخبز من منافذ البيع، وهم بدورهم– أي الأطفال والنساء – يعملون على بيعه للمواطنين المنهَكين، وهذا لا يتم إلا في حال كان هناك تعاون بين موظفي الفرن وبين تجار قوت الناس”.

تعتبر أزمة الخبز من الأزمات اليومية للمواطن السوري، فبعد الانتظار لساعات واستلام ربطة الخبز ليوم واحد، تعود الكَرَّة في اليوم التالي، دوّامة يوميةلا حل لها حتى الآن، الانتظار أصبح عادة طبيعية لدى السوريين، فطوابير الانتظار تبدأ عند الأفران، وتمرّ بالمؤسسات الحكومية ووسائل النقل العامة، لتصل إلى محطات الوقود.

توريد أكثر من مليون طن قمح

وخلال جلسته الأسبوعية، وافق مجلس الشعب السوري على توصية اللجنة الاقتصادية المتعلقة بالتعاقد بالتراضي لتوريد مليون و/400/ ألف طن من القمح الخبزي الطري وفق المواصفات المعتمدة من المؤسسة السورية للحبوب، بهدف تعزيز المخزون الإستراتيجي من مادة القمح لفترات مناسبة والحفاظ على الأمن الغذائي.

بالمقابل، تفاقمت أزمة الخبز في سوريا عموماً، وزادت الأزمة وبلغت أشُدَّها في مناطق سيطرة الحكومة السورية، ويعزو البعض أسبابها إلى النقص الهائل في كميات القمح، جرّاء الحصار المفروض على البلاد وشُحِّ القمح عالمياً.

ووفقاً لبيانات الشحن من “رفينيتيف” في روسيا، ارتفعت كميات القمح المُرسَلة إلى سوريا من ميناء “سيفاستوبول” المطل على البحر الأسود في القرم في عام 2022 مسجلة ما يزيد قليلاً عن /500/ ألف طن، ليشكل ذلك ما يقارب ثلث واردات البلاد الإجمالية من القمح.

وسابقاً، قال “عبداللطيف الأمين”، المدير العام لمؤسسة الحبوب: “في 2021 قُدِّرَ إنتاج القمح بنحو /361/ ألف طن، لكن في عام 2022 تضاعف المحصول، والمؤشرات هذا العام تشير إلى أن الرقم سيكون أعلى، أي قد يتجاوز المليون طن”.

ويقول المواطنون في ظل الأزمة التي يمرون بها “الأزمات الحقيقية تراها فقط حين تقف على طوابير الفرن وتناضل للحصول على رغيف الخبز، وتكتفي بمراقبة الناس والاستماع إلى كلامهم، حينها ستشعر بمدى الاستياء والغضب من هذا الوضع المؤلم”.

زر الذهاب إلى الأعلى