دول “الربيع العربي” والقضية الفلسطينية
محمد محمود بشار
من أكثر الأفكار المطروحة لإنهاء الصراع الاسرائيلي – العربي وحل القضية الفلسطينية هو (حل الدولتين) الذي تتبناه الكثير من الدول والمنظمات الدولية والعربية، إلا أن هذا الحل لم يجد بعد طريقه إلى التطبيق على أرض الواقع، وذلك لأسباب عديدة.
على الرغم من كل المعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني، إلا أن الفصائل والأطراف الفلسطينية مازالت تجلد بعضها البعض وتجلد نفسها كلما سنحت لها الفرصة. وبدلاً من أن تكون هذه الفصائل هي التي تقوم بدور المخلّص والمحرّر، فهي تحولت بفعل مرور فترات طويلة من الزمن إلى عبء إضافي تم فرضه على الفلسطيني أينما عاش أو ارتحل.
تمر الدول العربية بشكل دوري في مخاض عسير، فتنجب أزمة تلو الأخرى وتكون الأبواب مفتوحة على مصراعيها أمام الحروب والصراعات، فكل الحلول التي يتم طرحها، تبقى أسيرة الكلمات والأقوال ولا ترتقي أبداً إلى مصاف الأفعال.
ومما لاشك فيه بأن الربيع العربي كان من أكثر الأحداث الدموية وأكثر المشاهد قتامة بالنسبة للمواطن العربي، فتوسعت الحروب وأنجبت كل حربٍ أزمات وصراعات جديدة، فباتت الحروب في ليبيا واليمن وسوريا أكثر عنفاً بكثير من الحرب في فلسطين.
دول تعيسة الحظ حتى في ربيعه
ما يميز الفلسطيني عن أبناء جلدته العرب في باق الدول التي عصفت بها الحروب، هو أن كل الدول العربية تبنت القضية الفلسطينية وباتت القضية المركزية لكل تلك الدول، فلم يتوقف الدعم العربي لفلسطين سواء اعلاميا أو ميدانيا أو دبلوماسيا.
صحيح إن هذا الدعم لم يرتق إلى المستوى المطلوب في الكثير من الأحيان، إلا أنه كان ومازال موجوداً.
أما دول الربيع العربي وخاصة ثلاثي الحروب والأزمات اللامنتهية: سوريا واليمن وليبيا، فلم تحظى سوى بعدة اجتماعات دولية وعربية والتي تم عقدها تحت اسم (الحل) إلا إن تلك الاجتماعات عادة كانت تفرز أزمات جديدة و تزيد الأمر تعقيداً.
على العكس تماما من المسألة الفلسطينية، فقد باتت هذه الدول منبوذة حتى من وسطها العربي والإسلامي، فعلى سبيل المثال لم تتبنى أي دولة القضية السورية بل باتت تلك الدول تتعامل مع السوريين كأرقام في نشرات الأخبار التي تذيعها قنواتها التلفزيونية، وتم إغلاق الحدود بوجه السوريين الذين ابتكروا طرقاً غريبة لكيفية اجتياز أي حدود عن طريق التهريب مهما كان حجم تحصينها.
حتى إن دول عربية كثيرة باتت تقدم الدعم لفصيل محدد في سوريا، وذلك لإطالة أمد الحرب ويبدو الأمر ايضاً على أنه تصفية حسابات قديمة مع دمشق التي كانت تمطر أغلب الدول العربية بوابل من الشعارات القومية الرنانة واتهامات بالتخوين والعمالة للخارج.
الحرب في غزة هذه المرة، جلبت معها ويلات ومآسي جديدة تمت إضافتها إلى سجل المآسي الفلسطينية، غير أنها جلبت أيضاً المزيد من الدعم والتعاطف مع قضية الفلسطينيين.
ومن سخرية الأقدار بأن شعوب هذه الدول التعيسة، دول الربيع العربي، والتي بالأساس هي شعوب مكلومة في بلاد منكوبة، أعربت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، وأبدت استعدادها لتقديم ما يمكن تقديمه.
هذه الشعوب التي مازالت تعاني الأمرّين نتيجة استمرار الحرب في بلدانها، مازالت أيضاً أسيرة لتلك الشعارات والبروباغندا التي كانت الأنظمة الحاكمة تنشرها لحجب الرؤية عما يجري داخل بلدانها وتوجيه الرأي العام المحلي إلى خارج الحدود.
من دون شك هذه المرة أيضاً ستنتهي الحرب في غزة، وربما تنتهي حماس كسلطة على أرض الواقع، إلا أن الدعم الذي سيتم تقديمه لهذه المنطقة بعد الحرب سيجعل من دخل الفرد فيها أفضل بكثير من دخل الفرد في دمشق.
ولكن الحرب في سوريا واليمن وليبيا وحتى في العراق ولبنان لن تنتهي، ففي هذه الدول دائماً هناك مبررات قوية وحجج مقنعة لكل الأطراف كي يشنوا حرباً جديدة ضد بعضهم البعض.