قطاف الزيتون..فرص عمل لنساء معيلات في إدلب وسط الحرب والغلاء
(مريم الغريب–إدلب)
يجد الكثير من أهالي إدلب في موسم قطاف الزيتون فرص عمل موسمية يواجهون بها الفقر والغلاء وتدنّي مستوى المعيشة. وتضم غالبية ورشات القطاف النساء النازحات المُعيلات لأسرهُنَّ، ممن ضاقت بهن الحياة وانعدمت أمامهُنَّ السبل.
“علية الخليف/30 عاماً”، النازحة من ريف حلب إلى مخيم في بلدة “كفرعرّوق” شمالي إدلب، تجد في قطاف الزيتون فرصة عمل جيدة تستمر لشهرين أو أكثر، وعن ذلك تقول لمنصة “مجهر”: “بعد وفاة والدي؛ أصبحت مجبرة على العمل لتأمين مصروفي اليومي مع أمي المسنة وأختي من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
وتؤكد “الخليف” أنها تعيش على “الصدقات من أهل الخير”، لأنها لا تجد عملاً بسهولة، لذا تنتظر هذا الموسم بفارغ الصبر كل عام، وتضيف: “المساعدات الإغاثية باتت قليلة وشبه معدومة، لذا تجبرنا أوضاعنا الصعبة على البحث عن فرصة عمل لنتدبر بمردوده أمورنا المعيشية”.
وتبيّن “الخليف” أنها بحاجة لشراء مواد التدفئة مع اقتراب فصل الشتاء، إلى جانب ضرورة شراء الأدوية لأختها باستمرار، وشراء بعض المؤونة والمواد الغذائية التي باتت غالية الثمن وصعبة المنال.
وتلفت “الخليف” إلى أن النساء اللواتي يعملن بالزراعة، عادة ما يَكُنَّ عاملات موسميات بأرباح غير مستقرة، وهُنَّ عرضة للفقر والحاجة والعوز.
وتعاني النساء العاملات من الاستغلال أثناء العمل لساعات طويلة بأجور قليلة لا تتناسب مع غلاء جميع أصناف المواد الغذائية والاستهلاكية.
“دلال المرعي/ 39 عاماً” من بلدة “سرمين” شمالي إدلب، تواجه ظروفاً غاية في السوء بعد وفاة زوجها، لذا فهي لم تتردّد في التوجُّه لحقول الزيتون مع غيرها من النساء للاستفادة مما تجنيه من عملهالإيفاء ما عليها من ديون متراكمة، وعن ذلك تتحدث قائلة: “أصبحتُ بعد وفاة زوجي مسؤولة عن رعاية أبنائي الخمسة والإنفاق عليهم. وفي ظل ندرة فرص العمل؛ أجد في قطاف الزيتون فرصة لجني بعض المال”.
وتشير “المرعي” أنها تحصل مقابل عملها على مبلغ لا يتجاوز /3/ دولارات يومياً، وهو أجر قليل لا يتناسب مع ساعات العمل الطويلة، ولكنه “يبقى أفضل من الجلوس في البيت بدون عمل”، بحسب تعبيرها.
وعلى الرغم من التعب والوقوف طيلة النهار وترك أبنائها دون رعاية، تلفت “المرعي”إلى أن عملها لا يخلو من المخاطر، حيث تضطر في كثير من الأحيان للعمل في قرى وبلدات “جبل الزاوية” القريبة من مناطق الاشتباك وخطوط التماس مع قوات الحكومة السورية.
وتضيف “المرعي”: “الخوف والرعب يملأ قلوبنا حين نتوجه للعمل، ولا يمكن أن أنسى ما حصل خلال موسم القطاف السابق، حين سقطت قذيفة على مقربة من مكان عملنا، الأمر الذي أدى لمقتل امرأة عاملة وإصابة شخصين آخرين”.
كما يشارك الكثير من الأطفال في عملية قطاف الزيتون لمساعدة أسرهم المُعدَمة في تأمين بعض النفقات.
الطفل “علاء الصطّوف/ 11 عاماً” النازح من مدينة “كفرنبل” إلى مدينة “جسر الشغور”، يعمل مع أمه في ورشة لقطاف الزيتون ليؤمّن نفقات مدرسته، وعن ذلك يقول: “بعد اعتقال والدي من قبل النظام السوري؛ تعمل أمي في الورش الزراعية، بينما أنا؛ فأشاركها العمل خلال الفترات المسائية وأيام العطل، ويتضمن عملي تسلق الأشجار لجني ثمار الزيتون من أعلى الأشجار”.
ويضيف: “أنا معتاد على هذا العمل مذ كنت في مدينتي قبل نزوحنا، حيث كنا نملك أكثر من /50/ شجرة زيتون”.
ويؤكد الطفل أنه يخاف من طيران الاستطلاع الذي لا يفارق أجواء المنطقة.
وبحسب فريق “منسقي استجابة سوريا” وصلت نسبة العائلات الواقعة تحت حَدِّ الفقر في مناطق شمال غربي سوريا إلى 90.93 %، ونسبة العائلات التي وصلت حَدَّ الجوع إلى 40.67 %، مع تزايد معدّلات البطالة بين المدنيين بنسب مرتفعة للغاية، حيث وصلت نسبة البطالة العامة إلى 88.65 % .
من جانبه يعمل “كمال الصبّاغ/ 33 عاماً” في منظمة الدفاع المدني في إدلب، ويتحدث عن المخاطر التي تواجه عمال الزيتون في المناطق القريبة من خطوط التماس مع قوات الحكومة السورية، فيقول: “على الرغم من أهمية موسم الزيتون؛ يتخذ النظام السوري من موسم قطاف الزيتون، الذي يُعدُّ إستراتيجياً لسكّان المنطقة، فرصةً لإرهاب الأهالي، بسبب تعمُّده استهداف الأراضي خلال الموسم، في ظل مخاطرة العائلات بالعمل بحثاً عن لقمة العيش، مع انعدام الفرص والخيارات المُتاحة أمامهم”.
ويؤكد “الصبّاغ” أنه في كل موسم يكون هناك ضحايا بسبب القصف المباشر والاستهداف من قبل قوات الحكومة السورية للمزارعين أو بسبب مخلّفات الحرب.
ويشكل قطاف الزيتون مصدر دخل أساسي لكثير من العوائل في إدلب، وفرص عمل لنساء معيلات تساعدهُنَّ على تأمين قوتِ أبنائهُنَّ وتخفيف بعض الأعباء الملقاة على عاتقهُنَّ، على الرغم من تحوّل حقول الزيتون وأصحاب الأراضي وعمال القطاف إلى أهداف أمام مرمى النيران والقذائف.