دمشق.. أدوية مفقودة يرافقها ارتفاع الأسعار وانتعاش السوق السوداء
تعاني “يارا”،(اسم مستعار)، وهي موظفة في محل ألبسة ضمن دمشق، من متلازمة “تَكيُّسات المبايض التي تؤدّي إلى اضطراب الدورة الشهرية”، مما تضطر لشراء دواء Diane 35، وهو دواء أجنبي.
وتقول: “بحثت في العديد من الصيدليات عن هذا الدواء، لكن لم أعثر عليه، فهو أجنبي ومقطوع، وقد أخبرني الصيدلاني بأنني أستطيع طلبه من لبنان، لكن سيكلفني أكثر من مئة ألف عدا تكلفة الشحن، لكن مرَّتبي الشهري ووضعي لم يسمح لي بشرائه بهذا السعر الباهظ الثمن، فمنذ شهرين كنت أشتريه بـ/60/ ألف قبل غلاء الأسعار وانقطاعه فجأة”.
فقدان للأدوية يرافقه ارتفاع في أسعارها
وكان رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة “حسن ديروان”قد كشف في وقت سابق، عن إعداد قوائم بالأدوية المفقودة ورفعها إلى وزارة الصحة عبر النقابة المركزية لدراسة إمكانية تعديل أسعارها، حتى لا يكون هناك رفع عام لأسعار الأدوية، وأن يتم فقط رفع أسعار الأدوية المفقودة.
وأكد “ديروان” آنذاك لصحيفة “الوطن” الموالية للحكومة، فقدان العديد من الأصناف الدوائية في الأسواق، وأن هناك ازدياداً في فقدان هذه الأصناف، مثل بعض الأدوية التي تدخل في علاج القلب، وأيضاً أصنافاً من أدوية مضادات الالتهاب النوعية، منها مضادات الأخماج الفموية.
وأضاف “ديروان” في تصريحه: “نخشى أيضاً أنه عندما تقل بعض أصناف الأدوية في الصيدليات، فإنه يخلق معه سوقاً سوداء، وبالتالي فإننا دائماً نطلب أن يكون تأمين الدواء سلساً من المستودع إلى الصيدليات”، مشيراً إلى ضرورة إعادة دراسة أسعار الأدوية التي تكون تكلفتها التصنيعية أعلى من تسعيرتها، حتى تباع بسعرها الحقيقي وتتوفر في الصيدليات، وبالتالي تُباع للمريض من دون أعباء إضافية عليه.
ما هي الأدوية المفقودة
وعن الأدوية المفقودة، تقول الصيدلانية “رشا” لمنصة “مجهر”: “الأدوية التي تنقطع بكثرة منذ زمن، هي (أدوية الغُدَّة مثل التروكسين الوطني وأثيروكس الاستيراد، كذلك أدوية الصرع متل الكارباتيك وليفراماك، إضافة لبعض الأصناف الدوائية الخافضة للضغط مثل دواء الكونكور)،وهذه هي أصناف الأدويةالتي تنقطع بشكل عام طبعاً، هناك أدوية أخرىتنقطع لفترات فقط، لكن هذه الأنواع التي ذكرتها مفقودة بشكل شبه تام”.
وحول كيفية تأمين الأدوية قالت “رشا”: “بالنسبة لي هناك مستودعات توزع الأدوية في حصص، حيث يتسنى لي الحصول على علبة أو علبتينفقطفي الأسبوع، وبالسعر النظامي، لكن هذا طبعاً لا يسد حاجة المرضى وكثرة الطلب على الأنواع المطلوبة بشدة”.
دور وزارة الصحة
وتشهد أسعار الأصناف الدوائية في مناطق سيطرة الحكومة السورية ارتفاعاً كبيراً، وبوتيرة متسارعة، تزامناً مع تدنّي سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية وانقطاع مئات الأصناف الدوائية من الصيدليات.
ورغم الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة، إلا أنّ الصيدليات لا تزال تعاني من شح مستمر في مختلف الأدوية منذ أعوام، وهو ما أدى إلى انتعاش السوق السوداء لبيع الأدوية المهرَّبة أو المخزَّنة في دمشق وريفها؛ حيثتُباع الأدوية بأسعار مضاعفة، مما ينعكس بشكل سلبي على المرضى من الشرائح الأكثر فقراً أو الذين يعانون من أمراض مزمنة.
وتتحدث الصيدلانية “رانيا”،(اسم مستعار)، حول دور وزارة الصحة في معاناة الصيدلانيين وتقول: “وزارة الصحة لا تساعدنا كثيراً، فهي ترفع تسعيرة الأدوية في التوقيت الخطأ، ما يؤدي إلى خسارتنا، وإلى شح الصيدلية من الأدوية المطلوبة والمهمة، فالحلول لدى وزارة الصحة وحدها وليس لدى الصيادلة، فلماذا لا نتجنب المشكلة من أساسها ونتلافاها حتى لا نبقى في متاهة الحلول المؤقتة التي لا تفيد، وبذلك نوفر الوقت والجهد، ونتلافى مشكلة انقطاع الأدوية وازدهار السوق السوداء للأدوية التي بات لديها زبائن ومسوّقين وموّزعين”.
وتتابع “رانيا”: “ليس لدينا مشكلة بارتفاع الأسعار، بحيث يكون هناك ارتفاع ضمن المعقول بشكل يرضي المعامل وشركات الأدوية وتصبح متوفرة بأي وقت وبالكمية المطلوبة دون تقنين، إضافة لتقدير واقع المواطن السوري،وأقل ما يمكن أن ترتفع بالوقت المناسب، أسوة بباقي السلع خاصة بعد ارتفاع سعر الصرف بالبنك المركزي–وليس بعد سنة مثلاً–الذي يتم على أساسه تسعير الأدوية من قبل وزارة الصحة، وبهذا لن تنقطع الأدوية، ولن يسوء وضع المريض الصحي ولن يخسر الصيدلاني أيضاً، لكن ليس أن تنتظر الوزارة حتى تفرغ الرفوف في الصيدلية وينقطع المريض من الدواء ونخسر رأس المال وندخل مجدداً ذات الدوامة، وبذلك تطالنا الاتهامات من قبل المواطنين والمرضى باحتكار الأدوية وبأننا السبب، أو هناك حل آخر وهو تحرير أسعار الأدوية ورفع الدعم عنها مثل باقي السلع”.
ازدهار سوق الأدوية السوداء
إلى جانب غلاء وانقطاع الأصناف الدوائية بشكل مستمر، تنتعش ظاهرة بيع الدواء في السوق السوداء وبأسعار مضاعفة في دمشق وريفها وسائر مناطق سيطرة الحكومة، وهو ما يفاقم من معاناة المرضى الذين يضطرون أحياناً للانتظار أسابيع حتى يتمكنوا من الحصول على دوائهم وبسعر مضاعف.
فلا حل لدى المريض سوى الرضوخ للواقع وشراء الدواء مهما كانت تكلفته، حيث تواجه آلاف العائلات في دمشق وباقي المحافظات السورية من موجات ارتفاع سعر الدواء، وسط حاجتها الماسة إليه وعجزها عن الحصول عليه بذات الوقت؛ بسبب شح الدواء وانقطاعه لفترات طويلة.
ويقول “مروان”،(اسم مستعار)، موظف في البلدية: “تنقلت بين/10/ صيدليات ولم أستطع إيجاد دواء “الأزيثرومايسين”، وهو مضاد حيوي يُستخدم في حالات ارتفاع الحرارة والتهاب البلعوم وغيرها، فرحلة البحث استمرت عدة ساعات بين صيدليات “المزّة” و”الشيخ سعد” و”ساحة المحافظة” و”الحمرا”، لكن دون نتيجة، فعندما فقدت الأمل طلبت من صديقي أن يحضرها لي من السوق السوداء رغم ثمنها الباهظ”.
وتعاني الصيدليات في “ريف دمشق” من آلية عمل مستودعات الأدوية، فالمستودعات التي تقوم بالتوزيع أحياناً تلزم الصيدليات بشراء أدوية أخرى غير المطلوبة، وتكون صلاحيتها قريبة من الانتهاء، ما يجعل السعر مضاعفاً على الصيدلاني.
فيما لم يجد الصيادلة حلّاً مع استياء المرضى من الحالة القائمة، إلا عبر تقنين بيع الأدوية بتسليم ظرف أو ظرفين لكل شخص، أو عبر رفع السعر، ما يسبّب خسارتها للمرضى ووقوعها في مواجهة معهم ومع المستودعات.