سكان دمشق يستقبلون الشتاء بارتفاع جنوني في أسعار المدافئ
حسنا بيطار
يقصد محمد “اسم مستعار” وهو عامل بناء، سوق المناخلية بحثاً عن مدفأة تقي عائلته من برد الشتاء القارس في ظل غياب الكهرباء.
يقول: “لا يمكنني الاعتماد على الكهرباء للتدفئة فنحن لا نراها سوى دقائق معدودة، ولا أستطيع سوى البحث عن بديل في كل أزمة، وتأمين المازوت بات أمراً شبه مستحيل، لكن لا سبيل لي إلا بشراء المدفأة رغم ثمنها الباهظ”
يشير محمد أنّ الأسعار التي رآها غير منطقية بالنسبة إلى عامل مثله، فالمدفأة صغيرة الحجم بات ثمنها بالملايين، ويؤكد أنه يحتاج سنة على الأقل لتأمين ثمنها، وهذا بشرط ألا يأكل أو يشرب أو يلبي احتياجات عائلته ومدارس أولاده.
“غلاء فاحش”
لا حديث في سورية اليوم سوى عن الغلاء الفاحش الذي طال كل شيء، ومن غير الطبيعي ألا يطال كذلك وسائل التدفئة مع اقتراب فصل الشتاء وبرده القارس.
وتخطت أسعار بعض أنواع المدافئ حاجز الـ8 ملايين وأكثر، ليكون فرق الارتفاع بين العام الماضي وهذا العام بحدود 3 أضعاف، رغم صعوبة تأمين “المازوت” وكذلك طال الارتفاع أسعار مدافئ الحطب.
في سوق المناخلية بالعاصمة دمشق الذي يعتبر سوق المدافئ الرئيسي بأسعار الجملة، تراوح سعر مدفأة المازوت (العادية) بين مليون و500 ألف إلى 3 ملايين ليرة، تبعاً لحجمها ونوعيتها وكمية الحديد الداخلة بتصنيعها، فيما وصل سعر مدافئ (التيربو) التي تعمل على المازوت والكهرباء إلى 8 ملايين ليرة، حسب جودة الصاج والتوربين.
فيما تراوح سعر مدفأة الحطب بين 800 ألف ومليون ليرة، حسب حجم الصاج ونوعيته وبعضها يصل سعرها إلى 5 ملايين ليرة.
في حين تراوحت أسعار مدافئ الكهرباء والغاز بين مليون ومليونين ليرة، تبعاً لعدد الشمعات والتوربين.
مدير الصناعة يبرر سبب ارتفاع أسعار المدافئ
وقال “مدير صناعة” ريف دمشق محمد فياض، بحسب صحيفة “الوطن”، أن صناعة المدافئ تتم عبر معامل تابعة للقطاع الخاص.
نافياً وجود معامل تابعة للقطاع العام، مضيفاً أن “المديرية” لا علاقة لها بتحديد الأسعار، “فالتسعير يتبع لمديرية الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عبر لجنة خاصة تقوم بتحديد الأسعار وفقاً للتكاليف الحقيقية مع تحديد نسبة ربح للصناعي بمقدار 5 % مع احتساب أرباح تاجر الجملة وتاجر المفرق” وفق ما قال.
وبرر ارتفاع الأسعار في “أن مواد التصنيع الداخلة فيها مستوردة وتخضع لارتفاع سعر الصرف أو انخفاضه إضافة لعمليات التصنيع وهو ما يعلل أسباب ارتفاع أسعار المدافئ رغم قلة الطلب عليها”.
وأرجع قلة الطلب على هذه المدافئ إلى قلة المحروقات.
تأخر في توزيع مستحقات المازوت “وتكلفة التدفئة تفوق القدرة”
تقول هيام “اسم مستعار” أم وربة منزل من جديدة عرطوز في ريف دمشق: “لا يتم توزيع المازوت إلينا في أول الشتاء فنحن ننتظر أشهراً حتى يأتي دورنا، ولا أستطيع شراءه حر أو تأمين ما يكفي للتدفئة، هذا ما يضطرني كل شتاء إلى شراء عدد أكثر من المعاطف الشتوية أو الأغطية ليتسنى لنا التدفئة بها، وهذا العام تبدو الأسعار غير مناسبة أبداً بالنسبة لنا ولذلك قد ألجأ إلى الاستدانة”.
وبحسب صحيفة محلية، فأن لجان المحروقات في المحافظات لا تلتزم بنسب التوزيع المقررة لمادة المازوت رغم التأكيد المستمر على ضرورة الالتزام بها.
ويقول رامي “اسم مستعار” عامل في معمل للبلاستيك لمنصة مجهر: “لا يمكنني انتظار رسالة المازوت، فهي دائماً تتأخر، العام الماضي وصلتني الرسالة بعد 3 أشهر من بدء الشتاء، ولم يكف ما حصلت عليه فالخمسين ليتر التي يتم توزيعها تنتهي خلال أيام، في الوقت نفسه كنت قد اشتريت خلال هذه الأشهر قرابة 300 ليتر، وقد بلغ سعرهم أكثر من مليونين”.
وليس رامي استثناء، فمعظم السوريين في مناطق الحكومة لا يمكنهم تخصيص مبلغ مليونين أو 3 لأغراض التدفئة، وبالتالي لا يمكنهم الاعتماد على المحروقات أو الحطب، ولا على الكهرباء نتيجة للتقنين الجائر، فقد بلغت مخصصات العائلة الواحدة من مادة مازوت التدفئة لفصل الشتاء الماضي 200 ليتر، تُوزّع على دفعات كل منها 50 ليترًا، ولكن سنويًا مع كل إعلان عن كمية المخصصات، يشتكي المواطنون من عدم حصولهم إلا على الدفعة الأولى فقط، في حين لم يتسلم عديد منهم المازوت إلا بعد نهاية فصل الشتاء.
البحث عن بدائل
يقول عباس “اسم مستعار” وهو موظف في القطاع الخاص إنه لا يمتلك أي خيار آخر سوى شراء الحطب بالكيلو وادخاره لبرد الشتاء، فكمية 50 ليترًا من المازوت المدعومة من الحكومة لا تكفي أكثر من عشرة أيام بالحد الأعلى، مهما حاولت عائلته التقنين فيه.
مضيفًا أن المازوت في “السوق السوداء” متوفر لكن الليتر بـ 18 ألف ليرة وهو سعر مرتفع جدًا.
ويعد الحطب خيارًا بديلًا للتدفئة يستخدمه السوريون رغم تكلفته العالية وأضراره الصحية، إذ ارتفع سعر طن الحطب من مليون ليرة الشتاء الماضي إلى مليونين منتصف أيلول الماضي، ليصل اليوم إلى نحو 3.5 مليون ليرة للأنواع اليابسة بشكل كامل، نتيجة ازدياد الطلب عليه مع قرب الشتاء وجراء قلة مخصصات مازوت التدفئة.
كذلك، يتسبب الاعتماد على الحطب كمادة للتدفئة بأضرار ووفيات نتيجة استنشاق الروائح المنبعثة أو اندلاع حرائق، ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية عن عدد ضحايا مدافئ الحطب، فإنه لا يكاد يمر عام إلا وتنتشر أخبار الوفيات على منصات التواصل الاجتماعي نتيجة الاختناق بمدفأة الحطب، أو حريق أدت إليه المدفأة.
من جهة أخرى، يبقى البديل الأكثر طلباً هو، المدافئ المستعملة، وحتى هذه لم تكن أسعارها رحيمة للسوريين، اذ تراوح سعر مدفأة المازوت المستعملة بين 400 ألف ومليون ليرة بحسب نوعها وقياسها ونظافتها، أما سعر مدفأة الحطب المستعملة فيتراوح بين 400 و600 ألف.
ويبلغ الحد الأدنى لرواتب العاملين في القطاع العام حوالي 186 ألف ليرة سورية (نحو 13.4 دولار أمريكي).