جبهات عسكرية وإعلامية وخطاب قائم على الكراهية.. من تواجهه (قسد) في ديرالزور؟
محمد محمود بشار
في الأيام الأخيرة من شهر أغسطس/ آب الفائت؛ أطلقت قوات سوريا الديمقراطية عملية أمنية وعسكرية في ريفي ديرالزور والحسكة تحت اسم “تعزيز الأمن”، وكان الحدث الأبرز في بداية هذه العملية هو اعتقال رئيس المجلس العسكري في ديرالزور “أحمد الخبيل” المعروف بلقب “أبو خولة”، ومن هنا انطلقت شرارة مواجهات عنيفة بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة، ومجموعات مسلحة تتبع لجهات وأطراف متعددة.
في خضم هذه الأحداث تعالت أصوات كثيرة، منها لأشخاص يعملون بصفة إعلاميين، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة “جبهة النصرة” والفصائل الجهادية والتكفيرية التي تحتمي بالوجود العسكري التركي، وتم نشر مقاطع مصورة تحت اسم التضامن مع عشائر ديرالزور، إلا أن فحوى تلك الرسائل والدعوات تمثلت في تأجيج صراع عرقي وقومي بين المكونات القومية في المنطقة وخاصة بين الكرد والعرب.
فمن غرب الفرات ومن منطقة تقع تحت نفوذ النظام السوري، تم نشر رسالة صوتية لأحد شيوخ قبيلة البكَارة وهو “نواف راغب البشير” يدعو من خلالها إلى قتل الكرد، ويستخدم في رسالته دعوة موجهة إلى العشائر العربية في المنطقة لحمل السلاح وإبادة الكرد، ويصف كل عربي لايلبي هذه الدعوة بنعوت وأوصاف غير أخلاقية.
تم نشر هذه الدعوة من خلال قنوات تلفزيونية ومواقع إلكترونية تابعة للمعارضة السورية المدعومة من قبل تركيا، ومن ثم تتالت النداءات لبعض الإعلاميين المعروفين، من قبل مجموعة من صفحات التواصل الاجتماعي لنشر رسائل مشابهة لرسالة “البشير”، وذلك تحت مسمى التضامن مع ديرالزور.
ومن خلال متابعة مئات المنشورات المتتالية على تلك الصفحات والمواقع، يتضح بشكل صريح أنها تعمل وفق خطاب إعلامي مشترك وإستراتيجية موحدة، وقد تكون مرتبطة بغرفة عمليات مشتركة بين مناطق الدير غرب الفرات ومناطق في شمال غرب سوريا، أي تنسيق إعلامي مشترك بين النظام والمعارضة المدعومة من قبل تركيا.
من غرب الفرات في الدير إلى منطقة خفض التصعيد في إدلب.. رسائل الكراهية تلتهم نيران القذائف
توالت الرسائل المشابهة لبعضها البعض في المحتوى والمضمون مع فارق واضحٍ في شخصية المخاطِب، ففي غرب الفرات ومن منطقة نفوذ النظام كانت دعوة “البشير” إلى إبادة كل كردي واضحة وصريحة، وبعدها ظهرت رسائل أخرى في شمال غرب سوريا وتحديداً في المناطق التي تخضع لنفوذ الفصائل الجهادية والتكفيرية والتي تعمل تحت اسم المعارضة السورية. كانت أولى الرسائل من الإعلامي “هادي العبدالله” وكذلك الإعلامي “جميل الحسن”، وهما إعلاميان مقرَّبان من “جبهة النصرة” وغيرها من الفصائل التي تتبنى نفس العقلية، حيث كانت دعوتهما قائمة على إثارة العشائر العربية لحمل السلاح ومحاربة الكرد وضرب (قسد).
كما تم نشر العشرات من المقاطع المصورة في ريف ديرالزور وهي تُظهر مجموعات مسلحة أغلب أفرادها ملثمين وهم يتوعدون الكرد بالذبح وينعتونهم بالملاحدة والانفصاليين.
حتى إن قنوات تلفزيونية معروفة شاركت في الترويج لهذا الخطاب الذي يستند على الكراهية، فعلى سبيل المثال قناة “الجزيرة” القطرية وكذلك قناة “أورينت” و”تلفزيون سوريا” باتت تستخدم أثناء تحريرها للأخبار المتعلقة بأحداث ديرالزور جمل على الشكل التالي:
“معارك بين قوات العشائر وما تُسمى بقوات سوريا الديمقراطية”.
“مجلس دير الزور العسكري يواجه ميليشيا قسد الانفصالية”.
وهنا يبدو التحريض على العنف وتغذية الكراهية من خلال هذا الخطاب الإعلامي واضحاً، فكيف يمكن أن يكون (مجلس ديرالزور العسكري) بحسب هذه القنوات قوة نظامية مُعترف بها، وبينما قوات سوريا الديمقراطية هي “ميليشيا”، وذلك في الوقت الذي تضم قوات سوريا الديمقراطية العديد من المكونات ومنها مجلس ديرالزور العسكري؟
فهل يُعقل أن يكون الجزء نظامياً ومعترفاً به والإطار الأوسع والأشمل والمرجعية هي الميليشيا وغير المنضبطة؟
وكيف لقنوات تمتلك العديد من الخبراء في الإعلام ولها خبرة عملية تمتد إلى عقود من الزمن أن تستخدم مصطلحاً غير موجود على أرض الواقع كمصطلح “قوات العشائر”؟ وهي تعلم علم اليقين بأنها عبارة عن مجموعات مسلحة غير منضبطة، تشكلت فقط لضرب الاستقرار في شرق الفرات، ويمكن تسمية هذه المجموعات بأنها اتحاد بين ميليشيات تابعة للمخابرات السورية جاءت من غرب الفرات، وميليشيات المعارضة المنبثقة من الفصائل التكفيرية، ويقوم هذا الاتحاد بتنفيذ مخططاته تحت عباءة واسم “العشائر العربية”، وهي في الواقع– أي تلك الجهتين سواءً النظام أو التكفيريين– يرفضان بشكل قاطع تمثيل العشائر لنفسها في أي عملية إدارية أو أي شكل من أشكال حكم وإدارة المنطقة.
إعلاميون جُناةٌ ومحاكمات دولية.. ماذا تقول المواثيق الدولية والعربية؟
من بين الجلسات التي تم عقدها ضمن سلسلة محاكمات نورنبيرغ الدولية في ألمانيا التي بدأت في نوفمبر/ تشرين الثاني 1945 واستمرت لمدة عام، كانت هناك جلسة لمحاكمة الصحفي الألماني “يوليوس شترايخر” المشرف على صحيفة “دير شتورمر”، حيث كان متهماً بالتحريض على العنف والقتل وارتكاب جرائم حرب، وتم الحكم عليه بالإعدام شنقاً.
وبحسب الأمم المتحدة؛ فقد قتل خلال مئة يوم أكثر من مليون شخص في الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا سنة 1994، ومن بعد تلك الإبادة أصدر مجلس الأمن الدولي بياناً أدان من خلاله هذه الإبادة، وأشار البيان إلى أن الأشخاص الذين يحرضون على أعمال العنف والقتل ويشاركون فيها، يتحملون شخصياً مسؤولية تلك الجرائم.ومن ثم تم تشكيل محكمة دولية خاصة للنظر في الجرائم التي تم ارتكابها في هذا البلد الإفريقي.
من بين الأشخاص الذين تمت محاكمتهم في هذه المحكمة الدولية، كان هناك ثلاثة إعلاميين معروفين، حيث تمت إدانتهم لدورهم في التحريض على القتل والعنف وتوسيع دائرة الإبادة التي حصدت أرواح أكثر من مليون شخص خلال ثلاثة أشهر فقط.
في هذه المحاكمات الدولية كانت تتم محاكمة المحرضين على القتل كما تتم محاكمة القاتلين تماماً، وفي بعض الأحيان تكون الكلمة أكثر تأثيراً من طلقة البندقية ومن قذيفة المدفع.
ومن جهته يؤكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته التي تحمل الرقم عشرين، وتتألف من فقرتين على ما يلي:
- –تحظر بالقانون أية دعاية للحرب.
2 –تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
كما أقر وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الاستثنائي الذي تم عقده في فبراير/ شباط 2008 في القاهرة ميثاق البث الفضائي الذي تضمن 12 بنداً لتنظيم بث القنوات الفضائية في المنطقة العربية.حيث تضمن البند السادس من الميثاق، 12 فقرة ملزمة لهيئات البث ولمقدمي خدمات البث الفضائي، ونذكر منها هاتين الفقرتين:
–الامتناع عن بث كل شكل من أشكال التحريض على العنف والإرهاب، مع التفريق بينه وبين الحق في مقاومة الاحتلال.
–الامتناع عن وصف الجرائم بجميع أشكالها وصورها، بطريقة تغري بارتكابها أو تنطوي على إضفاء البطولة على الجريمة ومرتكبيها أو تبرير دوافعها.
وكل هذا الذي تم ذكره هو غيض من فيض من سلسلة القوانين والمواثيق والمعايير التي تم سنّها للحد من العنف وسد الطريق أمام مروجي خطاب الكراهية، وبالتالي إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن الكراهية إذا انتشرت سيكون من الصعب التحكم بها وإيقافها إلا بعد أن تفتك بالمجتمعات وتنهك جميع المكونات والفئات المجتمعية.
ماذا يقول الواقع في شمال وشرق سوريا؟
تقوم قوات سوريا الديمقراطية التي تم تأسيسها في عام 2015 بحماية مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وتتألف هذه القوات من أبناء كافة القوميات والأديان الموجودة في هذه المنطقة. وعلى الرغم من أن أكثرية هذه القوات هي من أبناء المكون العربي، إلا أنهلايزال هناك بعض الإعلاميين يطلقون عليها لقب “القوات الكردية”، وتأتي هذه التسمية لخدمة أطراف سياسية وكيانات تعادي مشروع الإدارة الذاتية.هذه الإدارة التي تدير الآن أكثر من ربع الجغرافية السورية والتي تضم كتلة بشرية هائلة يصل عدد سكانها لخمسة مليون مواطن سوري.
تُعرّف قوات سوريا الديمقراطية عن نفسها من خلال موقعها الرسمي كما يلي:
قوات سوريا الديمقراطية هي قوة عسكرية سورية وطنية، منبثقة من جميع المكونات من “العرب، الكرد، السريان، الآشور، التركمان، الشيشان، الشركس والأرمن”.
ومنذ إعلان الحرب على “داعش”، وهذه القوات هي القوة السورية الوحيدة التي اعترف بها التحالف الدولي كشريك للمجتمع الدولي في محاربة تنظيم “داعش”، حيث مُنِيَ التنظيم بهزيمته الأولى على يد هذه القوات في كوباني، وكانت نهاية سيطرته العسكرية والجغرافية أيضاً على يد قوات سوريا الديمقراطية، والتي مازالت تلاحق فلول التنظيم لحد الآن، وبدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن جهتها تصف اللجنة الدولية للحريات الدينية، منطقة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بأنها أكثر منطقة في سوريا بشكل عام تتمتع فيها كل المكونات الدينية والقومية بحقوقها وحرياتها.ومن بين التوصيات التي قدمتها هذه اللجنة الدولية للكونغرس الأمريكي؛ هي حماية وتطوير وتوسيع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.