ذوات الإعاقة في إدلب.. تهميش وتحوّل للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع
مريم الغريب
تعرّضت نساء في إدلب لإعاقات مختلفة، كالشلل وبتر الأطراف والإصابات الناجمة عن الحرب وانتشار السلاح، ويعانين من غلاء تكاليف العلاج والرعاية الصحية، إضافة إلى التهميش والإهمال ونظرة المجتمع السلبية لهن.
“رغداء الجابر/ 20 عاماً”، نازحة من ريف “حماة” إلى مخيم “الكرامة” في “سرمدا” شمالي سوريا، توقفت عن التعليم بعد تعرضها لإصابة حربية بداية عام 2020، وعن ذلك تقول: ” تعرَّضتُ لشظيّة صاروخ أدت لبتر قدمي اليمنى، وبعدها توقفت عن الذهاب إلى المدرسة بسبب غياب وسائل النقل، وكذلك بسبب بُعدِ المدرسة عن مكان إقامتي، إلى جانب الخوف من نظرات الناس التي أثرت على نفسيتي، والتنمُّر الذي أتعرَّض له عند المشي باستخدام العكازين اللذين أصبحا وسيلتي الوحيدة للمشي والتنقل من مكان إلى آخر”.
وتبيّن “الجابر” أن حُلُمها بمتابعة تحصيلها العلمي تلاشى بعد الإعاقة ولم يعد لحياتها أي معنى، وتضيف: “نظرات الانتقاص أكثر إساءة وقسوة من الإعاقة نفسها، فقد حُكِمَ عليَّ أن تتوقف حياتي بمجرد تعرضي لهذه الإصابة في مجتمع لا يرحم”.
كما تزداد معاناة النساء ذوات الإعاقة في إدلب جراء قلة عدد مراكز الرعاية الصحية والتأهيل الخاصة، والعمل بإمكانيات متواضعة، إلى جانب تدني الوعي المجتمعي في التعامل معهن.
“جميلة السلوم/ 23 عاماً”، من بلدة “سرمين” جنوبي إدلب، تعرضت لبتر اليد وفقدان البصر في إحدى عينيها بعد سقوط صاروخ من طائرة حربية تابعة للحكومة السورية فوق منزلها، ولم تتمكن من تلقّي العلاج والشفاء من آلامها حتى اليوم، وعن معاناتها تقول لمنصة “مجهر”: “فَقدتُ البصر بشكل نهائي بعيني اليمنى، نتيجة التأخر في العلاج وعدم قدرتي على توفير تكاليف الأدوية والعمليات الجراحية اللازمة لاستعادة بصري”.
وتشير “السلوم” أنها بحاجة أيضاً لطرف صناعي لتتمكن من العودة لحياتها الطبيعية، ولكن غلاء تكاليف تركيبه التي تتراوح بين 5–10 آلاف دولار أمريكي تحول دون ذلك.
وتشير أن زوجها وأهله لم يتقبلوا إعاقتها، حيث بدأت تتعرض من قبل زوجها لمعاملة قاسية وتعنيف لفظي ونفسي، حتى وصل بهما الأمر إلى الطلاق.
قبل أن تستوعب “السلوم” محنة طلاقها، وجدت نفسها وحيدة ويائسة في منزل والدها مع طفلها الذي تنصل والده عن حقوقه، لتحمل معها ذكريات مريرة، وأحلاماً مقيّدة بمواصلة تعليمها والعودة للاندماج بالمجتمع بفعل الوضع المعيشي الصعب، وغياب الدعم لذوات الإعاقة.
ولا يختلف وضعت “سمر الحمود/ 35 عاماً”عن سابقاتها، فالإصابة التي تعرَّضت لها لم تكن هي المعاناة الوحيدة في حياتها، حيث اجتمعت عليها الإعاقة والنزوح، وتقول: “الحياة في المخيم صعبة على الجميع، فكيف سيكون الحال على امرأة معاقة مثلي”.
وتبين أن إصابتها حصلت بانفجار لغم من مخلفات الحرب على مقربة منها أثناء عملها في الزراعة في منطقة “جبل الزاوية”، أدى لبتر قدمها، وبعد عدة أشهر حصلت على طرف صناعي من جمعية خيرية.
وتلفت “الحمود” أنها أم لخمسة أطفال، ويتوجب عليها رعايتهم والاهتمام بنظافتهم وتأمين احتياجاتهم، ولكنها تجد صعوبة كبيرة في القيام بواجباتها، بسبب السكن في مخيم عشوائي منذ أكثر من سنة ونصف، وتقول: “أجد صعوبة كبيرة بالمشي في طرقات المخيم الوعرة، إلى جانب القيام بالواجبات المنزلية داخل خيمتي الصغيرة، ونقل المياه من الخزانات والغسيل اليدوي وغيره من الأعمال”.
المرشدة الاجتماعية “ريان الحميدي/ 36 عاماً”، من مدينة “إدلب” تتحدث عن معاناة النساء ذوات الإعاقة بالقول: “رغم أنّ جميع فئات المجتمع في إدلب عُرضة لمعاناة الإعاقة، إلا أن المجتمع المجحف والنظرة الدونية للمرأة وتغييب دورها وانتقاص حقوقها، تجعل حياة النساء اللواتي يتعرضن للإعاقة أكثر صعوبة وتعقيداً، حيث لا تجد النساء ذوات الإعاقة الاهتمام الذي يحتجن له، في ظل استمرار الحرب والأوضاع المعيشية الصعبة”.
وتلفت “الحميدي” أن المرأة بشكل عام تعاني من التمييز وإهمال حقها في الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الحقوق الأساسية، أما عندما تكون المرأة معاقة؛ فهذا يُعمّق من معاناتها بشكل أكبر وأقسى”، وفقاً لوصفها.
وتؤكد على حق المرأة من “ذوات الإعاقة” في الحصول على الرعاية الصحية، والأدوات الضرورية لتمارس حياتها بشكل أفضل، كالكراسي المتحرّكة والعكّازات والسمّاعات الطبية والأطراف الصناعية، بالإضافة إلى ضرورة توفر المواصلات التي تقلّهم إلى مراكز الرعاية الصحية.
وشكلت الإعاقة نقطة تحول صعبة في حياة الكثير من النساء، فوجدن أنفسهن فجأة من الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، أسيرات اليأس والأوجاع، والعيش على هامش الحياة دون بارقة أمل بواقع أفضل.