رغم ارتفاع أسعارها.. صيدليات دمشق تفتقد لأصناف مختلفة من الأدوية للأمراض المزمنة
“هناك نوع خاص لدواء الضغط يجب عليَّ أن أشتري منه علبة شهرياً، في بعض الأحيان أشعر بالسعادة حينما يكون الدواء غير متوفراً؛ لأنني لا أستطيع شراءه، وحينها أكون مجبرة على الاستدانة حتى أتمكن من شرائه”.
بهذه الكلمات عبَّرت “سعيدة محمود”، ربَّة منزل في دمشق، عن أزمة فقدان الأدوية في العاصمة السورية دمشق وغلاء أسعارها.
صيدليات فارغة من أصناف كثيرة من الأدوية التي لا يستطيع المريض الاستغناء عنها
بعد رفع الحكومة السورية سعر الأدوية بنسبة 50 % حسب النشرة الجديدة، زعم رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة “حسن ديروان” أن سبب رفع أسعار الأدوية يهدف لتوفيرها وتأمين المفقود منها وتجنباً لفقدان أنواع مختلفة أخرى من الأدوية، بعد فقدان أصناف عدة منها.
بالمقابل أصدرت مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة السورية، تزامناً مع رفع الأسعار، نشرة جديدة لأسعار الأدوية عدَّلت بموجبها أسعارها، وذلك بسبب تعديل سعر صرف الدولار الأمريكي وفق نشرة مصرف سورية المركزي.
غلاءٌ ترافق مع انقطاع في أصناف عديدة من الأدوية وارتفاع أسعارها، فالصيدليات فارغة من أنواع كثيرة من الأدوية التي لا يستطيع المريض الاستغناء عنها، وفق ما نقلته مراسلة مجهر “أورنينا سعيد” عن أسواق العاصمة السورية دمشق، بالمقابل المستودعات أوقفت البيع، فأصحاب المعامل يبرّرون غياب الدواء بأنّ الدولار يختلف سعره بين يوم وليلة ولا يستطيعون البيع بخسارة، أو بنصف القيمة الحالية.
تقول الصيدلانية “ريم محمد/ 29 عاماً”،(اسم مستعار): “الوضع سيء جداً، الأدوية مقطوعة والمستودعات لا تزوّدنا بالمطلوب، وهناك في المقابل صيدليات تحتكر الأدوية، حتى لا يخسروا مع اختلاف سعر صرف الدولار يومياً، ونحن الصيادلة بالواجهة، الناس تعتقد أننا نحن السبب”.
وعن سؤالنا لها حول دور نقابة الصيادلة ووجودها في ظل هذه الأزمة، قالت “ريم”: “لا حياة لمن تنادي، منذ متىكان للنقابات تأثير”.
وأضافت: “خلال كل يومين هناك ارتفاع في السعر، حليب الأطفال فوق الـ/70/ ألف ليرة سورية أي ما يقارب أكثر من نصف راتب الموظف، أيضاً هناك انقطاع في صنف “الغاباميد” وهو مسكن ألم مركزي لمرضى السكر، وأدوية الضغط”.
وأشارت أنها حاولت تأمين دواء “ليكسوتان” وهو مضاد قلق (بالواسطة).
شركات أدوية توقف إنتاجها دون معرفة الأسباب
ومن جهتها أشارت عميدة كلية الصيدلة في جامعة دمشق “لمى يوسف”في تصريح سابق لها، إلى أنّهم ينظرون إلى الدواء على أنه “سلعة”، وارتفاع أسعار صرف الدولار قد أثر في الشركات المنتجة للأدوية، موضحة أن سوريا تمر بلحظات حرجة جداً وستنعكس هذه الأوضاع على كل شيء بما فيها الأدوية. وكلمة “سلعة” في ظل هذه الأوضاع تكشف لناعن الكثير من المساوئ والمفاجآت غير السارة القادمة.
من جهتها قالت الصحفية “هبة محمد/ 27 عاماً”،(اسم مستعار) من سكان “الجديدة” بريف دمشق، لمنصة “مجهر”: “هناك شركة على طريق “عدرا” سرَّحت 45 % من الصيادلة، رغم أنها لا تعاني من أي أزمة مالية أو أزمة أسعار، ولكن من الواضح أنهم يريدون إغلاقها، كذلك هناك شركة “بحري” أكدت أنّها تسحب أغلب أدويتها ومنتجاتها من السوق أيضاً وأوقفت إنتاجها، ولم يتم حتى الآن معرفة الأسباب”.
مستودعات تمتنع عن بيع الأدوية
وقالت الصيدلانية “لجين المصري”، (اسم مستعار)، من جهتها، وخلال بحثها عن دواء لمرضى الهضمية مثل “الـ VERMOX” وغيرها من الأدوية التي توصف للمرضى”، أنها تفاجأت بفقدانها من الأسواق والصيدليات وحتى المستودعات أيضاً.
وقالت: “المستودعات امتنعت عن بيعنا الأدوية، والمخزون الذي لدينا نفد، كذلك أصحاب المعامل رفعوا مذكَّرة لوزارة الصحة لرفع الأسعار وجاءت بالرفض، ولكن هناك بعض الأدوية تم تغيير تسعيرتها”.
أصناف دوائية كثيرة لم يعد بمقدور مرضى القلب والضغط والسكري والكلية تأمينها، فهي غائبة بشكل شبه تام عن صيدليات مدينة دمشق، وأسعارها باتت تفوق القدرة الشرائية للمواطن السوري الذي يتقاضى أجراً لا يصل إلى /20/ دولاراً أمريكياً في الشهر، فالفقدان وهذا الارتفاع المتوقع والغريب أثار قلق وخوف المرضى، جرّاء عجز الصيادلة عن رفد الصيدليات بالأدوية المطلوبة من المستودعات، وعجزهم أيضاً عن شرائها، ما خلقَ أزمة خانقة.
بأسعار مضاعفة.. ظاهرة بيع الأدوية تنتعش في السوق السوداء
ومع فقدان الأدوية من صيدليات مختلفة؛تنتعش ظاهرة بيع الدواء بالسوق السوداء، وبأسعار مضاعفة، وهو ما يفاقم من معاناة المرضى الذين يضطرون أحياناً للانتظار أسابيع حتى يتمكنوا من الحصول على دوائهم، وآخرون لا يستطيعون الحصول عليه بسبب سعر الدواء الباهظ، والذي قد يكون أضعاف أجرهم، وربما أكثر، وخاصة الأدوية الأجنبية.
وفي وقت سابق، نفى عدد من صيادلة دمشق علاقتهم بغلاء أسعار الدواء واستمرار ارتفاعها، ووجَّهوا أصابع الاتهام إلى “صاحب المعمل الذي يقول لهم بأنّ الدواء يرتبط بشكل مباشر بالدولار، مثله مثل باقي المواد الأساسية (السكر، الزيت، البنزين) التي تتأثر بسعر صرف الليرة السورية”.