هل سيوقف حلفاء دمشق تهاوي الليرة السورية؟
محمد عيسى
يعيش السوريون اليوم في ظل أزمة اجتماعية ومعيشية لا تطاق، وفي ظروف حياة يومية يمكن وصفها بجحيم السوريين.جحيم ترسمه في العناوين الاقتصادية، انهيار ساعيٌّ في قيمة الليرة السورية، وما يترتب عليه من ارتفاع جنوني في أسعار السلع وحيث ينصب الاهتمام على أسعار الغذاء، وفي واقع اقتصادي لا يمكن وصفه بضعف القدرة الشرائية، بل يكاد يكون بانعدامها لدى أغلب شرائح المجتمع.
وبالمقابل يسود جو من التناقض الصارخ، حيث تعيش طبقة كبار التجار والمستثمرين وطائفة الموظفين الذين يجاهرون بفسادهم، في مناخ من البطر الاجتماعي والاستهلاك المفرط في كل شيء.
وإذا كان العنوان الأبرز في معادلة الانهيار هو القيمة المتردية جداً للعملة السورية قياساً بسعر الدولار الأمريكي أو بسعر الذهب؛ فإنه من الجدير ذكره أن الليرة قد خسرت مائتين بالمئة من قيمتها في أقل من عام، تلك القيمة التي كانت منخفضة للغاية أصلاً، وبعد أن كانت ضمن هامش أربعة آلاف للدولار الواحد قبل من نحو عام، وصلت اليوم إلى حدود الثلاث عشر ألف للدولار الواحد.
ويقول مختصون إنها قد انخفضت إلى ما يعادل ثلاثمائة وخمسين بالمئة من قيمتها بعد تولي الحكومة الحالية لمهامها، وهي في حركة متسارعة نحو حضيض غير مسبوق في تجارب الحكومات والدول، وقد تصل إلى قيمة واحد كيلو من وحدة العملة العالية وزناً مقابل كل دولار أمريكي، هذا بحسب آخر تقدير للحوت المالي المتذمر “رامي مخلوف” في أحدث إطلالة له.
ومن المفيد لفت الانتباه إلى أن إطلالة الرجل ومناطحة لتسويق رأي يعبر فيه عما يظنه مظلومية وقعت عليه، تأتي ضمن مناخ مخيّم في أوساط ناهبي البلد من كبار اللصوص، وفي أوساط السلطة القائمة، على حد سواء،وبأنه لا يوجد في سوريا شعب غيرهم يتمتع بحسن التقدير وبإمكانية التفكير بمستقبل البلد وبحقه.لذلك تجدهم يطلون دوماً، وبكل وقاحة.ولأنهم والطبيعة الاجتماعية للسلطات من جذر اجتماعي واحد؛ تراهم يستمرون في تقديم وصفاتهم لعلاج أوضاع البلاد وإلى ما اقترفت أياديهم.
يجري ذلك بالتوازي مع جريمة تقترفها الحكومة والسلطات الاقتصادية الحاكمة بشكل يومي وبعقل بارد، تتجلى بتراجع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والمتقاعدين إلى ما يقرب من ثلث دولار أمريكي في اليوم، فيما يعد سرقة لحق الحياة لدى فئة من المتقاعدين بشكل خاص، والذين لم تعد رواتبهم تغطي ثمن الأدوية التي يحتاجونها، ولم يعد بمقدورهم القيام بأعمال مأجورة لسد نفقاتهم.
وبالمثل فإن من هم على رأس عملهم والذين يمثلون والأسر التي يقومون بإعالتها أكثر من ستين بالمئة من السكان؛ فإن رواتبهم لا تغطي في كثير من الأحيان أجور النقل إلى مقر أعمالهم، ما يعني أن العاملين في الدولة الآن أصناف ثلاث:
الأول؛ يذهب إلى عمله بحماس ودرجه مفتوح،وشهيته مفتوحةليكسب من مزاولته لعمله الآلاف وأحياناً عشرات ومئات الآلاف، عبر تقاضي الرشوة وامتهان تدريجها وشرعنتها، وعبر تباطؤ الحكومة والأجهزة الرقابية.
والصنف الثاني؛ لا يداوم في عمله أو يداوم بشكل جزئي، وبتحريض وتحفيز من الصنف الأول، ليقوم بأعمال أخرى أو للقيام بأكثر من دوام في اليوم لدى القطاع الخاص، كي يسد شيئاً من نفقات حياته وحياة أسرته.
والصنف الثالث؛ هائم على نفسه متنقلٌ بين مكاتب السفر أو لدى قنصليات بعض الدول،أو متجوّل ضمن المواقع على النت، عساه يوفَّق بإيجاد أية فرصة عمل في أربيل او في البلدان المجاورة أو في أفريقيا والصومال، التي باتت وحدها تحتوي آلاف الأطباء السوريين.
ولا يجوز أن نتجاهل أن نسقاً مهماً من السوريين بات يائساً من حياته ومستعد ليتعلق بأية قشة تنقذه من الفاقة والجوع والمرض، ومستعد للموت في رحلات زوارق الموت في البحار،أو للانتحار، حيث تكثر هذه الظاهرة في حياة السوريين، الذين أصبح هَمُّ الكثيرين منهم التخلص من يومه وأحياناً كثيرة من حياته.وليس من باب الروايات اليوم أو أنه صنف من التخييل أو الفانتازيا أن تسمع عن مواطن قام بقتل أطفاله ثم أردف بقتل نفسه، بل قد يكون جرى مثل ذلك قبل أيام.
نخلص إلى حقيقة واحدة صارخة وأصبحت يقينية لدى معظم أفراد الشعب السوري،أن قلقاً جمعياً حول بقائهم على قيد الحياة ينتاب السوريين، مع انعدام الثقة بكل ما حولهم، ولم يعودوا يصدقون أي بيان أو شرح أو تبرير يصدر من أي جهة؛ لتفسير الوضع أو الظروف المحيطة بحياة الدولة والمجتمع، ولم تعد تستحق بنظرهم أي اهتمام، فمثلاً الكهرباء والمياه وغيرها في حالة شنيعة من التردي والانقطاع،وحين تتحسن خدماتها جزئياً، على سبيل المثال؛ يفهمون أو يعتبرون ذلك إشارة على أن صفقة توريد وبيع اللواقط الشمسية قد أنجزت،أو صفقة اللدّات أو سواهاقد تحققت؛ لأن التجربة المريرة والطويلة مع صناع السياسة الاقتصادية ومنفذيها، قد قطعت شعرة الثقة الأخيرة بين الفريقين.فالدولة في صف التجار وناهبي المال العام، والسياسة الاجتماعية منحازة ضد مصالح الكادحين والمنتجين الحقيقيين.
وضمن وجهة النظر هذه؛ يجري التعامل مع الدعوة الحالية لأعضاء مجلس الشعب إلى ما يسمى بدورة انعقاد استثنائية للنظر، كما يُزعم، بمناقشة الوضع المعيشي المحيط بحياة المواطنين واتخاذ الإجراءات المناسبة، والتي قد يكون من بينها الدعوة إلى إقالة حكومة “عرنوس” الحالية وتقديمها ككبش فداء لحل الأزمة.
ووفق الوقائع القائمة؛ يمكن القول إن صدعاً اجتماعياً وطبقياً عميقاً قد تشكل في البنية المجتمعية السورية، بين غالبية فقيرة تتضوّر جوعاً وتكابد قهراً وتهميشاً، تقدم هي وأبناؤها كل الاستحقاقات الوطنيةوواجب الدفاع عن سلامة الوطن واستقلاله، وبين أقلية تكوَّنَ وزنها الاقتصادي عبر إيغالها في نهب موارد الدولة والمجتمع، الأمر الذي مكَّنها من تحقيق وزن سياسي فاعل ومقر ومستأثر بالقرارين معاً، السياسي والاقتصادي، ما يعني أن الشروط الموضوعية لحدوث انفجار اجتماعي جديد تتحقق بما لا يدع أي مجال للشك في مشروعيته وأحقيته في حال تأخر التدخل من قبل المؤثرين بالقرار الوطني العام.يدخل في هذا الاحتساب الدور الذي تلعبه القوى الدولية والإقليمية المتدخلةفي الشأن السوري.
وانطلاقاً من بديهية أن هناك مسؤولية دولية وأخلاقية تقع على عاتق الدول الحليفة للدولة السورية، والتي تدعي ان تدخلها قد جاء لحماية الدولة من خطر الإرهاب، ومن أجل ضمان وحدة الأراضي السورية؛ فإن الأولى بها أن تُعيرَ بالاً لرفع حالة الجوع والقهر الاجتماعي الذي يصيب حياة الشعب السوري ولتخفيف الظلم الواقع عليه. فالدول المتدخلة في سوريا، أي كلاً من روسيا وإيران، وعلى الرغم من أنها تعد في رأس الدول المنتجة والمصدرة على مستوى العالم للمواد والسلع التي باتت حياة السوريين بأمس الحاجة لها، فهي بدل أن تقوم بمسؤولياتها في حماية حياة السكان بموجب القانون الدولي، وانطلاقاً من الدواعي الأخلاقية والإنسانية؛ فإنها تدير ظهرها لكل ذلك، وتتهافت على استغلال حالة الضعف في المعادلة السورية وفي أطراف العملية الوطنية، لتستأثر بالمرافئ والمرافق الإستراتيجية وبالسطو على المطارات وحقول الغاز ومناجم الفوسفات.
ووفقاً لأي متابعة لموقف الأطراف السورية بأغلب مكوناتها، يمكن الجزم بأن جواً من السخط والكُرهِ والغضب يتنامى لدى الرأي العام في سوريا ضد الدور الإيراني والروسي على السواء،حيث ينظر لهم على أنهم شركاءبالتسبب في تعميق الأزمة السورية وتعميق معاناة السوريين.