“الدراما النفسية” تسيطر على أعمال المنصات
منذ مدة تسيطر الأعمال القصيرة على سوق المنصات الإلكترونية الجديدة العربية وعلى وجه الخصوص السورية، لكن ما يُلاحَظ في مجمل هذه الأعمال هو توجهٌ واحدٌوشبه موحَّد، فالمسلسلات بغالبها تطرح قضايا الجرائم والآكشن، ومؤخراً طرحت الدراما النفسية التي تتحدث عن أمراض نفسية يعاني منها بطل القصة، ويتم ربطها بجرائم معينة، فما الأسباب التي تدعو لتوجه سوق الدراما نحو هذه الأعمال؟
صنع الغموض والتشويق
ما يميز هذه الأعمال؛ أنها تقدم حكاية متشابكة تنفك عقدتها في الحلقة الأخيرة، ففي مسلسل “رقصة مطر”، مثلاً، للكاتب “بيتر صمّوعة” والمخرج “جو بو عيد”، شاهدنا الموسيقي “بسام” الذي يعاني من اضطرابات نفسية، تجعله مغترّاً بنفسه، وأيضاً نكتشف أنه القاتل في النهاية، وهذا ما منح العمل حالةً من التشويق المتواصل لاكتشاف ماذا سيجري في النهاية. وبدأت الأعمال تربط بين الجريمة والحالة النفسية لصنع حالة تشويق مضاعفة، وقد يكون هذا التشويق إما مكشوفاً من البداية أو نعرفه في النهاية.
ففي مسلسل “الحجرة” الذي يُعرَض حالياً وهو من تأليف “زهير الملّا” وإخراج “فادي وفائي”، وبطولة “محمد الأحمد”، نعرفبطل القصة أنه مضطرب نفسياً، ونتابع جرائمه منذ البداية، لكن لا نعرف كيف ستنتهي الحكاية، وربما العمل الأبرز الذي فتح الباب والمجال لهذه المسلسلات هو “قيد مجهول” الذي أخرجه “السدير مسعود”، والذي كان قائماً على معاناة نفسية يمر فيها البطل تنكشف عقدتها في النهاية، وقد أصبح العمل أيقونة بسبب نجاحه الكبير، ومن بعده باتت المسلسلات في المنصات تتوجه ذاتَ التوجه، لتقدم محتوى مشابه، في محاولة لإبقاء التشويق حاضراً في هذه الأعمال، رغم اختلاف الأساليب وتنوعها.
رغبة السوق
السوق الدرامية حالياً– ولأسباب غير واضحة–تبتعد بشكل كبير عن الأعمال الاجتماعية البسيطة التي تلامس المجتمع، ورغم عدم معرفة ما الذي أدرج هذه الموضة؛ إلا أن المنصات السورية أيضاً باتت تتبعها، فمنصة “تن تايم” التي أنتجت مؤخراً عملَين هما “إيكو” و”العرافة” الذي عُرِضَ أولهما، انساقت أيضاً وراء القصص النفسية والجرائم، فنشهد مشكلات نفسية يعاني منها “علي سكر” في مسلسل “إيكو”، وأيضاً “وسيم الرحبي” الذي يؤدي دور المحقق، وقد علمت منصة “مجهر” بشكل حصري أن مسلسل “عقد إلحاق” الذي يتم تصويره في دمشق حالياً لصالح شركة “pentalens” يتحدث عن فتاة تعاني من مرض نفسي وتقع في غرام صحافي، ويلعب دوريهما “مهيار خضور” و”دانا مارديني”، لتكون الحكاية أيضاً مبنية على مرض نفسي معين تبعاً لرغبة السوق التي تسهل البيع على الشركة المنتجة، في ابتعاد واضح عن الأعمال البسيطة.
تقليد المنصات الغربية
أغلب المنصات الغربية العالمية مثل “نتفلكس” وغيرها تعتمد في مشاهداتها بشكل كبير على الأعمال ذات المحتوى المليء بالغموض والآكشن والجريمة والعقد النفسية أيضاً، فهذه المسلسلات تستهوي المتابعين الأجانب وحتى العرب، فيطالبون بها دوماً، وتحقق نسبة متابعة عالية، ولهذا باتت المنصات العربية تحاول أيضاً تقليد المنصات الغربية بهذا النوع من الأعمال، لكن هذا التقليد يكون أعمى في كثير من المراحل بالنسبة للعرب ولا يكون مناسباً للبيئة أو حتى المشاهد العربي، وهذا ما يجعل بعض المسلسلات مقلَّدة بشكل هشٍّ على صعيد النص مثل مسلسل “الوسم” أو “بارانويا” الذي لعب بطولتهما “قصي خولي”، واللذين لم ينجحا بالشكل الكافي، على اعتبار أن القصة كانت تتحدث عن مافيات في منطقة عربية بشكل مبالغ فيه ومقلَّد من أعمال غربية بشكل واضح.
مشكلة المنصات تكمن أنها باتت تقدم وجبات متشابهة وتقلد بعضها البعض في نوعية الأعمال التي تقدمها، فالكل ينساق وراء التقليد الأعمى، دون محاولة الابتكار أو التجديد، سواء نجحت الفكرة أم لا. وبينما تنتهي موضة الدراما النفسية؛ ننتظر موضة أخرى يدرجها السوق بناء على رغبته هو وليس بناءً على رغبة المشاهدين.