ألغاز نهاية حزيران ومهام بايدن غير المكتملة
محمد محمود بشار
مرّ يونيو/ حزيران هذا العام وبقيت ألغاز أيامه الأخيرة عصيّة على الفهم والتفكيك.
حدثان كبيران وقعا في نهاية يونيو الماضي، الأول هو تحرك مقاتلي”فاغنر” وانسحابهم من جبهات القتال ضد الجيش الأوكراني وتوجههم نحو العاصمة الروسية موسكو.
هذه القوة الضاربة التي اعتمد عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكثر الجبهات سخونة، خرجت فجأة عن الإطار العسكري وتبنت خطاباً سياسيا تطالب فيه برئيس جديد لروسيا.
“فاغنر” التي تقدمت /200/ كم نحو موسكو لم تقتل جندياً روسياً واحداً، وقبلها عبرت الحدود الأوكرانية – الروسية من دون أي مواجهة مع حرس الحدود الروسي، ومن ثم تم الاتفاق على نقل “فاغنر” إلى داخل الحدود البيلاروسية كحل إسعافي للحدث الذي بات كأنه أكبر تهديد لكبير الكرملين.
بيلاروسيا هي من بين الدول التي لا تمتلك خصوصية وسيادة دولة في تعاملها مع موسكو، وإنما هي كيان خاضع لقرارات الكرملين، والاستفهامات الكبيرة التي تطرح نفسها في قضية “فاغنر”، جوهرها يتمثل في كيفية احتضان دولة خاضعة تماماً لقرارات بوتين لمجموعة (متمردة) على سيد الكرملين.
بحسب المعطيات على أرض الواقع؛ فإن بيلاروسيا لن تستطيع أن تقف على الحياد في أي حرب تكون موسكو طرفاً فيها.فدائماً يكون القرار البيلاروسي مرتهناً للقرار الروسي، وبناءً على ما تقدّم؛ فإن لغز “فاغنر” سيبقى طيَّ الغموض إلى أن يخطوَ مقاتلو هذه المجموعة خطوتهم الأولى بعد تمركزهم في أراضي بيلاروسيا.
عجوز السياسة ومسيرة المهام غير المكتملة
عشية انعقاد قمة دول حلف شمال الأطلسي يومي 11 و12 يوليو/ تموزالجاري في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، وفي لقاء تلفزيوني، أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن نيته للترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، معللاً السبب بأن هناك مهام غير مكتملة يجب إتمامها ويحتاج الأمر إلى حكمة عززتها سنوات وعقود من خوض العمل السياسي، وآخرها تربعه على قمة الهرم في البيت الأبيض.
والمهام التي لم يتم إكمالها بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية متعددة ومشتعّبة، منها الحرب الروسية – الأوكرانية التي دخلت شهرها السابع عشر ولاتزال النيران مشتعلة في الجبهات، وبايدن يتحدث بوضوح عن سبب رفضه انضمام أوكرانيا للناتو، لأنه من شأن هذا الانضمام إذا تم أن يجعل الناتو في حرب مباشرة مع روسيا، وهذا الأمر لا تقبله واشنطن حالياً، ولكن ستستمر دول الحلف بتقديم الدعم لكييف كي تستطيع صد الهجمات الروسية وتعزيز هجومها المضاد.
إذاً هي حرب استنزاف ليس فقط لأوكرانيا وروسيا، بل إن هذه الحرب تستنزف كامل القارة الأوروبية، بينما أمريكا تدير خيوط اللعبة من وراء البحار والمحيطات.
في كتابه الذي يحمل عنوان (الدبلوماسية من الحرب الباردة حتى يومنا هذا) يقول هنري كيسنجر الذي كان يتبوأ منصب وزير الخارجية الأمريكية في عهدي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وذلك من عام 1973 إلى عام 1977: “إن مبغى أي حرب عامة، كما ترسمها عقيدة أمريكا الإستراتيجية، هو الظفر الكامل والاستسلام غير المشروط من قبل العدو، كما حصل في الحرب العالمية الثانية”.
لعبة الكبار ومهارة التحكم في مسك العصا من المنتصف
من الألغاز التي احتضنتها الأيام الأخيرة من شهر يونيو/ حزيران المنصرم هو حادثة حرق نسخة من القرآن الكريم من قبل لاجئ عراقي في مملكة السويد، وذلك بعد حصوله على موافقة رسمية من الجهات المختصة السويدية.
بعد كل ما مرت به أوروبا،بات القاصي يعلم قبل الداني بأن المساس بمقدسات الشعوب ومحاولة الإساءة إلى الأديان هي بداية لإطلاق موجة من الكراهية قد تكون مدمرة وطويلة المدى. على الرغم من كل هذا فقد تم الأمر بموافقة القضاء السويدي.
في اللقاء التلفزيوني الذي بثته شبكة (سي إن إن)، كشف بايدن عن رفضه لطلب المملكة العربية السعودية لامتلاكها برنامجاً نووياً للأغراض السلمية، ووصف الأمر ببعيد المنال بالنسبة للسعودية.
واشنطن التي تبني جزء كبير من خطابها السياسي في الشرق الأوسط على أساس معاداة إيران، تتقبل فكرة أن يكون لدى إيران برنامجاً نووياً للأغراض السلمية. وتكمن مشكلة الغرب مع إيران في ألا تقوم طهران بتخصيب اليورانيوم إلى درجة تسمح لها بامتلاك سلاح نووي، بينما لا تسمح الولايات المتحدة الأمريكية لحليفتها السعودية بامتلاك برنامج نووي سلمي.
إنها لعبة الكبار التي يتقنها الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي لم تنل منه سنوات الكهولة، بل زادته إصراراً وعزيمة لإتمام ما يسميها المهام غير المكتملة، ومن يعلم قد تكون تلك المهام هي التي ستجعل من بايدن محتفظاً بكرسي الرئاسة لأربعة سنوات أخرى.