الكتابة في زمن الحرب.. اجتياح الكلمات لحدود الزمان والمكان
محمد محمود بشار
في البلدان التي تحولت إلى مستنقعات من الدم و الأشلاء، قد تغدو الكتابة فيها ضرباً من الرفاهية في نظر البعض.
فالأم التي تحمل طفلها و تحاول أن تهرب به بعيداً عن شظايا القذائف و نيران أسلحة الجنود الذين تلقوا أمر (نار)، لن يكون لها متسع من الوقت للاطلاع على آخر نتاجات الكتاب وهي تعد أنفاس طفلها وسقف أمنياتها ألا تنقطع هذه الأنفاس.
خلف خطوط أي جبهة مشتعلة في عالمنا المتحضر، هناك صراع مع لقمة الخبز التي يصعب الحصول عليها بكرامة في أغلب الأحيان.
• من سيقرأ في زمن الحرب؟
هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة شافية و وافية، فالكل يتكلم عن أهوال ما أصابهم. تفاصيل المعارك باتت حديث الساعة، ما يسرده المحللون العسكريون على شاشات التلفزة من كلام و توضيحات لا يثير الدهشة أو الفضول عند من يعيش في مستنقعات الدم، فأهل الحرب أدرى بآلامها و أهوالها.
هناك دائما من يكتب تحت أزيز الرصاص، ولكن من يقرأ في هذه اللحظات؟
القلة القليلة هي التي تقرأ و خاصة في بلدان الشرق، فقراءة الكتب ليست مغرية حتى في أوقات السلم، و لكن يبقى للكتابة أثرها البليغ في توثيق تفاصيل كل معركة بطرق متعددة يتم تعبيدها بالإبداع.
وقد تكون الكتابة هي الملجأ الوحيد للناجين من ضربات المدفعية والقصف الجوي، حيث يستطيع الكتاب أن يمنح قارئه لحظات من الراحة و السلام و الطمأنينة.
• جنود هجروا البنادق و احتضنوا الأقلام
ليس كل الجنود مثل بعضهم البعض فليس كلهم قتلة، ففي نفس الجبهة تجد القاتل و كذلك تجد المقاتل في نفس الوقت.
الكاتب الأمريكي الشهير (ارنست همنغواي) مؤلف العديد من الروايات التي تم اعتبارها من أكثر الكتب مبيعا و على رأسها رواية (الشيخ والبحر) و التي حصل بعد نشرها على جائزة نوبل للآداب، كان جندياً و شارك في الحربين العالميتين الأولى و الثانية و أُصيب في الجبهة.
همنغواي كتب في أحلك الظروف أهم الروايات التي عرفها الأدب العالمي، كتب في زمن الحرب فتم منحه في زمن السلم أرقى و أهم جائزة أدبية في العالم.
وكذلك كان الكاتب الألماني (اريش ماريا ريمارك) متطوعاً في الجيش الألماني حيث شارك في الحرب العالمية الأولى في الجيش الإمبراطوري الالماني, و جرح مرتين و عندما انتهت الحرب، بدأ بمراسلة بعض الجرائد و المجلات، إلى أن غاص في الكتابة.
فقام بتأليف رائعته (لا جديد في الجبهة الغربية) هذه الرواية التي تم طباعتها في عام 1929 وبعد 18 شهرا فقط من الطباعة تم بيع أكثر من ثلاثة ملايين و خمسمائة ألف نسخة منها و تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات.
وعندما استولى هتلر على السلطة في ألمانيا تم منع الرواية و تم حرق نسخها المطبوعة و اضطر ريمارك إلى الهرب من وطنه و بذلك أصبح أول منفي من ألمانيا بسبب حكم النازيين للبلاد.
تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي في أمريكا في عام 1930 و نال الفيلم جائزة الأوسكار.
وهناك العديد من التجارب الكتابية و الفنية الابداعية التي نهضت من بين ركام الحرب و شقت طريقها إلى النجاح و الجوائز العالمية.
• الكرد في عالم الفن والكتابة و الحروب
التجربة الكردية غنية بالكتاب و الأدباء الذين أبدعوا كتابيا أثناء خوضهم لحروب مدمرة وغير متكافئة في القوة. إلا أن هذه النتاجات الأدبية لم تجد طريقها إلى العالمية لعدة أسباب، منها انعدام أو قلة الترجمة من الكردية إلى اللغات العالمية، و كذلك الأنظمة التي كانت و مازالت تحارب الوجود الكردي، وقفت بوجه الكلمة الكردية بعنف أشد من العنف الذي مارسته في مواجهة بندقية الثائر الكردي.
في الحروب تتعدد الأسلحة و تتنافس الدول على من سوف يمتلك أكبر و أقوى ترسانة عسكرية، ولكن مهما تطور السلاح سيبقى للطلقة و الصاروخ مدى محدود يصلان إليه و ستتساقط كل الطلقات و الصواريخ عند بلوغها المدى المحدد لها، إلا أن الكلمة تتخطى كل المسافات و تسافر عبر كل الأمكنة و الأزمنة فلا مدى محدد للكلمات.