في سيناريو عدوان تركي جديد على سوريا
محمد عيسى
كل المؤشرات تشير إلى أن أردوغان وتحالفه الحاكم الفائز بالانتخابات الأخيرة، متجه لا محالة إلى مرحلة من التصعيد في ملفات عديدة، يأتي على رأسها الملف السوري.فهو وكجميع رموز النزعات الشوفينية عبر التاريخ تلتبس عليهم بعض النجاحات المؤقتة وتدفعهم نشوة الانتصار إلى جر بلدانهم للولوج في حروب وصراعات غير عادلة، بضغطٍ من أوهامهم أكبر من أحجامهم،أو قد تتطور إلى تداعيات لم تكن في حسابهم. فتاريخ الدولة العثمانية في طور انهيارها، والوقائع الحاكمة لمسيرة الحركات الفاشية في أوروبا والعالم يفيد بأن الحركات القومية في النهاية تعكس عقلية ماضوية ومنفصلة عن الواقع.
وتركيا اليوم لابد أنها ستسير على سكة المناطحة نفسها التي قد يكون بوتين أيضاً قد وضع روسيا عليها، وهي التي جاءت نتائج انتخاباتها لتعطي فوزاً مكروراً ولكنه ناقص للتيارات القومية والإسلامية الفاشية،ما سيدفعها وسيتيح لأردوغان أن يورط الدولة التركية في مواجهات قد تبدأ ولاتنتهي.وما من شك أن البداية ستكون حتماً مع قوات سوريا الديمقراطية، لجملة من الأسباب يقع في طليعتها:
1– أنها كانت محور اهتمامه في السنوات الأخيرة والهدف الذي يعول عليه في حملته الانتخابية، وقد عمل إعلامه كثيراً لشيطنتها وتلفيق تهم إرهابية وإلصاقها بها، ولأنها الحجة التي يراها مناسبة لتحقيق الهدف الإستراتيجي في قضم المزيد من الأراضي السورية.
2–ملاقاة رغبات شارعه الإسلاموي الغرائزي التركي الذي شكله هو نفسه على مزاجه العقائدي والقومي المذهبي الضيق، فهو يريد أن يطيعه هذا الشارع الذي أطلق بعض صناعه تهديدات مباشرة لمرشح المعارضة خلال الحملة الانتخابية واتهموه بأنه “مرشح الكرد”، وبهزيمته هم قد هزموا حزب الشعوب الديمقراطية، معتقداًأن مواجهة من هذا النوع سترتب له مكاناً في تاريخ تركيا.
3–سيواجه قوات سوريا الديمقراطية؛ لأنه قد اعتبر أن المواجهة معها هي مواجهة مع الولايات المتحدة والانتصار فيها يدغدغ أحلام بعض الأتراك، وقد يكون ممكناً بحسب الوقائع التي حدثت حتى الآن، وسيتوج ويتوج تركيا قوة عظمى أساسية في نادي العصر، بالمناورة بين التكتلات التي يزداد الحديث حولها.
4–والأهم من كل ذلك؛ ثمة سبب وجيه بنظر أردوغان، ويتعلق بتنظيم “داعش” وبعزم الإدارة الذاتية الشروع بإجراء محاكمات للمقاتلين المسجونين على طائلة جرائم التنظيم بحق الاستقرار وتهديد السلم العالمي.
أما كيف تؤثر محاكمة “الدواعش” في سير الصراع وفي الدفع التركي إلى المواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية، فلأن مسألة الأبوة لـ”داعش” بقيت، وعلى مدى عدة سنوات، مسألة جدل كبير، فالكل يتهم الكل بالمسؤولية عن نشوء هذا التنظيم الإرهابي، والكل يتبرأ من أبوته.وفي جو الضباب السائد حول هذه النقطة؛ سيكون من شأن المحاكمات العلنية والمفتوحة على الإعلام أن تزيح الستار عن الطرف الراعي، والطرف المؤسس لهذا المولود، وبالتالي التعرض للمساءلة القانونية لدى محاكم جرائم الحرب الدولية، ناهيك عن التَبِعات الأخلاقية والسياسية المتصلة بهكذا دور.
وعلى ضوء الوقائع الذي سجلها تاريخ الحرب مع “داعش”، وخاصة ما كشفت عنه تفاصيل عملية الهجوم على سجن “غويران”، وما تبعها من عمليات قامت بها قوات التحالف الدولي ضدقادة وأمراء “داعش” في المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي، بدءاً بمقتل البغدادي وانتهاءً بآخر متزعم للتنظيم، تجعل المراقب يتيقَّن أن صلة الدولة التركية بهذا التنظيم أوضح للعيان ولا يمكن إخفاؤها، وسيكون من مصلحة حكومة أردوغان أن تُشَّنَ عملية جديدة واسعة النطاق بقصد تحرير التنظيم من معتقداته،أو تحقيق خلط جديد في الأوراق، من شأنه أن يعرقل أعمال المحاكمة.
وإلى ذلك؛ يمكن الجزم أن عملاً من أعمال الحرب يجري الإعداد له، ومنذ فترة، وأن الظرف بحسب الرؤية التركية مواتٍ، وأن أمريكا يمكن أن تتدخل للحد من عمق العملية أو من تحجيم نطاقها وليس لإيقافها أو منع قيامها.وما نشهده اليوم من أعمال عدوانية يشنها الطيران التركي المُسيَّر ضد كوادر من قوات سوريا الديمقراطية، ما هو إلاعملاً من أعمال التطعيم لمعركة قادمة لا بد أن تقع علىالمدن والبلدات ذات الغالبية الكردية كتل رفعت وكوباني.ورغم كثرة الحديث عن ظهور اعتراضات إيرانيةحول نطاق العملية العدوانية الجديدةبسبب التعقيد المتعلق بموقع تل رفعت المتداخل مع بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين؛ فإن تسوية ما قد تحدث وتجنب بموجبها هاتين المدينتين الدخول ضمن دائرة الاستهداف في هذه المرحلة، على الأقل، بل يدخل في ذلك الحساب أيضاً ويؤكده الدور الروسي والإيراني المتواطئ مع نوايا العدوان التركي، عبر البيان الصادر عن أعمال لقاء أستانا لنواب وزراء خارجية دول محور أستانا، بحضور نائب وزير الخارجية السورية، هذاالبيان الذي يميل بالكامل إلى تبني وجهة النظر التركية في النظر إلى المسألة السورية، ويلفق تهم الإرهاب ويلصقها بقوات سوريا الديمقراطية، متجاهلا وبشكل مكشوف دور “داعش” و”النصرة” وباقي قوى الإرهاب المنظم، كما يلحق بها عاملالتهديد للسيادة الوطنية وجرم السطو على الموارد. ومن جانب آخر يتنصل البيان من الإجابة على الاشتراطات السورية، في تقديم جدول للانسحاب من الأراضي السورية كشرط لإتمام التطبيع. كل ذلك، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن تغطية سياسية سافرة ينشغل الروس والإيرانيون في الإعداد لها ستساهم مع أردوغان في تمرير خطة العدوان المرتقبة، والتي باتت بحكم المؤكدة.
بقي السؤال الأهم الذي يفرض نفسه؛ ماذا بوسع (قسد)أن تفعل، وما هي خياراتها والأوراق التي بحوزتها لمواجهة النوايا العدوانية التي تحيط بها؟
وعلى نفس تسلسل الافتراضات، فلن يكون الجواب بعيداً عن بيئة السؤال نفسه، ولنتعدم (قسد) الوسائلوالممكنات لصد وإفشال العدوان المحتمل، بل وإلى تغيير اتجاه المعركة، بما قد يؤدي إلى هزيمة القوى المعتدية، ولنا في درس الحرب مع “داعش” العبرة والمثال.وبالملموس؛ كيف يمكن أن يحصل ذلك، وما هي أوراق (قسد) المتوفرة لإحباط ما يُبيَّت لها؟
وعلى نفس قاعدة التفكير التي يستخدمها أطراف التآمر والعدوان، والتي تعتمد على تجييش قوى الشر والظلام في الإقليم وعلى مستوى العالم ضد قوى التحرر والعدل والتحضر، سيكون من حق (قسد)أن تستنفر الحالمين بمجتمع الحق والكرامة والديمقراطية، وعبر كل الحدود وفي كل المجتمعات المحيطة، وتحويلها إلى ساحة المواجهة.فالطريق التي انهمرت عبرها “داعش” و”النصرة” وقوى الظلام، الطريق العابر للحدود، يمكن أن يسير عليه نقيض “داعش”. ولأن قضية شعوب المنطقة والتحديات التي تواجهها واحدة؛ فمن المنطقي ومن ضروب العدالة وفي حكمة التاريخ،أن من زرع “داعش” ليعمم الظلام من خلالها،فإنه كان هناك من انبرى لمواجهته وهو من يمتلك الأداة لاقتلاعه من تربة المجتمع والبيئة،ويتقن فن تنوير وتثوير المجتمع لإحباطه وكنس تأثيراته.وعلى نفس المنوال؛ لا ريب في أن (قسد) ستجد تفهماً ودعماً من قوى العصر والحداثة على مدى جغرافية العالم، فكما للشر والتخلف جبهته، فلقوى الخير والتقدم جبهة عابرة للحدود أيضاً وسيكون لها مسانديها.
فالصراع والعدوان هذه المرة سيكون خاضعاً لمعادلة جديدة ولن يبقى محدوداً في مدينة أو بلدة أو جغرافية محددة، ومن دواعي التفكر والاعتبار التوقف عند كلام القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مؤخراً لدى سؤاله عن تدابير المواجهة في حال وقع الهجوم، قوله لن نبقيها معركة محدودة، وسنقاوم في كل نقاط الحدود، ولن تكون معاركهم نزهة.