إدلب وأرامل الحرب.. تحكم المجتمع بمصيرهنَّ وصعوبة البحث عن مورد رزق لأطفالهنّ
خلَّفت الحرب السورية الكثير من النسوة اللواتي بقين دون معيل، في إدلب، شمال غربي سوريا، وتبدأ معاناتهن من نظرة المجتمع الذي يراقبهن ويتحكم بمصيرهن، وتكتمل المأساة بضرورة البحث عن مورد رزق يؤمن نفقات المنزل والأولاد.
سلمى الحجار (32 عاماً)، نازحة من مدينة معرة النعمان، إلى مخيم في قرية “بسنيا”، شمالي إدلب، فقدت زوجها بداية عام 2020، واضطرت للبحث عن عمل تُعيل به أبناءها الأربعة.
وتقول “الحجار” لمنصة “مجهر”: “واجبي كأم فرض عليَّ السعيَ لتأمين لقمة العيش لأبنائي، فانتقلت لتعلّم مهنة الخياطة، وهي المهنة التي أتقن بعض مهاراتها”.
كما تبيّن “الحجار” بأنها أتقنت المهنة خلال وقت قياسي من خلال الاستعانة بجارتها، ثم باشرت العمل بحياكة الملابس لجاراتها وقريباتها، وتدريجياً بدأت تؤمّن نفقاتها من مردود عملها، وتنفق على تعليم أبنائها.
وإن كانت “سلمى” قد حالفها الحظ وحظيت بعمل تؤمّن به قوتَ أبنائها، إلا أن الكثير من النساء اللواتي فقدن أزواجهن عجزن عن إيجاد وظيفة مناسبة تكفيهن العوز، علماً أن المرأة قد تتعرض في بيئات العمل للاستغلال والغُبُنِ في الأجور، مقارنةً بالرجل العامل بنفس المجال في مناطق شمال غربي سوريا، حيث يستغل بعض أرباب العمل حاجة المرأة، وشُحَّ الفرص أمامها وقبولها بظروف العمل الصعبة، لأنها مرغمة لتأمين معيشة أطفالها.
صفية اليوسف (28 عاماً)، وهي نازحة من مدينة “سراقب”، استقرَّت في أحد المخيمات العشوائية في مدينة “قاح”، شمالي إدلب، اضطرت بعد وفاة زوجها للعمل كمستخدمة في إحدى النقاط الطبية، وتقول: “كنت مع أبنائي الستة نعتمد على المساعدات الإغاثية التي تقدم لنا بحكم إقامتنا في المخيم، ثم وجدت عملاً في نقطة طبية مقابل راتب شهري قدره /50/ دولاراً أمريكياً، وعلى الرغم من قلته وعدم تناسبه مع الغلاء، إلا أنه يؤمن حاجاتنا الأساسية، ويكفينا مذلة السؤال”.
كما تضطر نسوة أرامل في إدلب لدفع أطفالهن للعمل أو القبول بالزواج للتخلص من الهموم والأعباء، ومنهن سهى البرق (25 عاماً) من مدينة إدلب، التي اختار لها أهلها أن تتزوج ثانية بعد وفاة زوجها، حتى لا تكمل حياتها وحيدة وهي لا تزال في مقتبل العمر، على حد تعبيرها.
وحول ذلك قالت لـ “مجهر”: “بعد وفاة زوجي؛ طلب مني والدي أن أترك منزل زوجي مع طفليَّ للعيش معهم، لتبدأ معاناتي الجديدة جرّاء قسوة معاملة الأهل والتدخل في تربية الأولاد، ونظرة المجتمع الذي لا يرحم، لكني حاولت تجاوز الواقع من خلال البحث عن عمل يؤمّن نفقاتي ونفقات أطفالي، ولكن والدي منعني من الخروج من المنزل والاختلاط بالناس، بحجة أنني أرملة وعليَّ البقاء في المنزل، تجنّباً لثرثرة الناس، وخوفاً من أن أقع فريسة للاستغلال والتحرّش”.
وتبيّن “البرق” بأن والدها أجبرها على الزواج من أول خاطب لها، لتكون الزوجة الثانية له، بعد التخلّي عن طفليها اللذين بقيا في عُهدة بيت جدّهم لوالدهم، وعن ذلك تضيف: “أعيش بقلق دائم على مصير أبنائي المجهول، وألوم نفسي باستمرار لأنني تركتهم، ولم أتمكن من احتضانهم ورعايتهم والإنفاق عليهم”.
فيما فاطمة الخديجة (27 عاماً)، والمنحدرة من مدينة “سرمين” تزوجت من أخ زوجها لتحافظ على أطفالها الثلاثة، وتقول لمنصة “مجهر”: “توفي زوجي عام 2019، وبعد حوالي سنة عَرَضَ عليَّ أهل زوجي أن أتزوج من أحد أبنائهم، رغبة منهم بالمحافظة على أولادي وتأمين مستقبلهم بعد موت أبيهم، والمساهمة في تأمين حاجياتهم”.
وتشير “فاطمة” إلى أنها وافقت بعد الضغط عليها من قبل أهلها، “باعتبار الأرملة في نظر المجتمع يجب أن تتزوج وتُستَر في منزل زوجها”.
كما تعاني الكثير من الأرامل صعوبة في تربية الأبناء وضبط سلوكهم وتصرّفاتهم، خصوصاً من هم في سِنِّ المراهقة، فضلاً عن غياب المؤسسات التربوية والاجتماعية أو حتى النفسية التي من شأنها التواصل مع هذه الأسر لتقديم المساعدة والتخفيف من المعاناة.
سلمى الأصلان ( 39 عاماً)، وهي من مدينة “سرمدا”، بريف إدلب الشمالي، تعاني من السلوك غير المسؤول لولدها، وانتسابه لصفوف الفصائل العسكرية بعد وفاة أبيه. وعن ذلك تتحدث لمنصتنا بقولها: “يبلغ ولدي من العمر سبعة عشر عاماً، وبعد وفاة زوجي انتسب لإحدى الفصائل العسكرية، دون أن أتمكن من منعه، على الرغم من محاولاتي المتكررة لفعل ذلك”.
وتضيف: “ولدي عصبيُّ المزاج، يفرض آراءه علينا ويتحكم بأخوته الأصغر سناً، دون أن نتمكن من ضبطه أو منعه من تعنيف أخوته، فهو يعتبر نفسه المسؤول”.
من جهته محمد الأسعد، وهو مدير مخيم عشوائي على أطراف مدينة إدلب، يتحدث عن أوضاع النساء الأرامل لـ “مجهر” بقوله: “على الرغم من كثرة المنظمات المهتمة بشؤون النساء الأرامل في إدلب، إلا أن الأعداد المتزايدة تجعل الدعم المقدم لهن دون المستوى المطلوب”.
ويؤكد “الأسعد” على ضرورة تأهيل النساء الأرامل، وإعدادهن لسوق العمل عبر دورات تأهيلية، وإتاحة فرص العمل أمامهن، ودعم المشاريع الصغيرة لتخفيف بعض الأعباء والمتاعب عن كاهل أرامل الحرب، وتمكينهن من الاعتماد على ذواتهن اقتصادياً، والنهوض بأعباء أسرهن في ظل الفقر والغلاء وشح فرص العمل.
ووفقاً لنساء أرامل؛ فإن “العوز والمصير المجهول والنظرة السلبية من قبل المجتمع هو ثمن الحرب الذي دفعنه”.
إعداد: مريم الغريب