القمة العربية.. بين صياغتها حلا للأزمة السورية وتكرار نفسها
محمد عيسى
أخيراً تعود سوريا إلى مقعدها الدائم في جامعة الدول العربية، بعد غياب بدأ مع اندلاع الأزمة السورية في 2011، وبعد قرار مجلس الجامعة الأخير الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في عمّان، وعليه يسافر الموفد السعودي إلى دمشق ليسلم الرئيس بشار الأسد الدعوة لحضور أعمال القمة المزمع عقدها الجمعة في التاسع عشر من مايو/ أيار الجاري في جدة بالمملكة العربية السعودية.
هذه القمة التي يمكن أن يطلق عليها منذ البداية، ومن حيث الشكل، تسميات ثلاث، قمة سوريا، العودة، قمةالانبعاث للدور السعودي الجديد.حيث تشير كل المعطيات إلى أن المملكة بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان تتحضَّر لأدوار ريادية لاحقة في على صعيد العالم العربي والمجتمع الإسلامي والدولي أيضاً.ثم قمة اللحظة الخاصة أو المميزة، والتي تحصل في ظروف تترنح فيها كل المساعي الأخرى لحل الأزمة السورية، وبعيد أيام قليلة من انعقاد لقاء رباعي جرى في موسكو، وضم وزراء خارجية تركيا وسوريا بالإضافة إلى نظرائهم في روسيا وإيران.لقاء لم يسفر عن شيء، غير كلام عن تحريك ملف عودة اللاجئين، ومثله عن مواجهة الإرهاب ومتابعة جهود التطبيع بين دمشق وأنقرة.
هذا وبما أن الموضوع السوري قد مَلَّ نفسه من كثرة اللقاءات التي تدَّعي الانشغال به في السنوات القليلة الماضية بين الأطراف نفسها، والمنضوية تحت مُسمّى طريق أو محور أستانا، وبما أن هذه الأطراف تكرّر معزوفة فارغة ولم تعد تقنع نملة في هذا العالم، مفادها أنها تسعى من خلال جهودها إلى تطبيق حقيقي للقرارالدولي 2254، بينما الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيينهم من يعطلون جهودهم لتحقيق ذلك. وليس هذا فقط؛ بل على الضفة المتصلة بحياة الجماهير العربية، وضرورة وضع حَدٍّأو مخرج لمعاناتها من الجوع والقهر والحرمان، فثمة كلام كثير من طرف الإيرانيين يحضُّ على الممانعة، وآخر من ناحية الروس ومن يكرّر هواجسهم، عن أن الأولوية اليوم، وقد لاحت بشائر الانتصار، هي لإسقاط القطب الواحد،أما الأتراك الأردغانيون؛ فوصفتهم تصلح لجميع الأمراض وتتفرّد بعناصر جمال قادم من عمق التاريخ، وديمقراطيتهم تعمل باتجاه واحد.
فلهذه الدواعي وغيرها من العوامل، يصبح للعزف العربي حصّته من الوقت، ويصبح الإصغاء إليه واجب الجميع بالقدر الذي هو حق وفرصة لبعض الأطراف.من هنا لن نرى من يجادل على أن القمة ستكون قمة سوريا، التي قد يترتّب على حضورها فيها الكثير، وقمة العرب بزعامة المملكة، لأن في جعبتها ملفات عربية معقدة عديدة، وكل الدلائل تشير أنها ستكون محط اهتمام في المرحلة المقبلة.وعلى واقع أن القمة قد دخلت طور الانعقاد لكنها لم تنعقد بعد، فلا شك بأنها ستكون قمة اللحظة الفارقة أو الخاصة جداً، ليس لأن ما بعدها لن يكون كما قبلها؛ بل لأنها تنعقد في ظروف تنافس دولي وإقليمي حاد على مستقبل سوريا والمنطقة، وفي مناخات تلوح في أجوائها نذر عواصف ونقليات شديدة.
وقد لا تجيب الصدفة وحدها أن موعد انعقادها في التاسع عشر من شهر مايو الحالي، قد جاء بعد الدورة الأولى، وقبيل دورة الإعادة في الانتخابات التركية المزمع إجراءها في الثامن والعشرين من الشهر نفسه،وهذا ليس بمعنى أن للعرب انشغالاً في الوضع الداخلي التركي، بالقدر الذي قد يكون متابعة أو درءاً لتطور خطر تركي إيراني قائم ومستمرّ،وتقوم روسيا بوتين بتسويقه والدعاية له بجميع السبل.
وبالانتقال من المناخ الذي تعقد فيه القمة وإلى القمة نفسها، فلاشك بأنها ستكون مدعوة كمنظمة دولية هي وشعوبها إلى العمل لخدمة أحد خيارين؛ خيار تجهيل شعوب المنطقة وكياناتها، عبر الإيغال في أسلمتها وتكريس نظم الاستبداد وقيمه الشاملة، وما يترتب عليه من فساد وفقر وفوضى، أو خيار الحداثة والديمقراطية وتحرير العقل نحو مجتمع الكرامة والعدل والقانون.
وبالقطع مع كل المقدّمات، وبمعزل عن الحصيلة؛ فسورياعائدةإلى القمة، وأياً تكن العودة مشروطة؛ فسيكون من حق السياسة السورية أن تنعُمَ بإنجاز تحقق لها ولم تتعب كثيراً في الحصول عليه، وهو لا بُدَّ سيعني في القراءة الأولية انتصارا لا لُبسَ فيه، وفرصة يمكن للقيادة السورية أن تنتهزها أو تعتمد عليها للمساعدة في تحقيق انعطاف حاسم وكبير نحو حل الأزمة السورية.
ومما يساعد في تغليب هذا الفهم؛ هوحجم الدبلوماسية ودرجة الخطاب المعتدل الذي ميَّزت فيه السعودية نفسها ودول عربية أخرى كالأردن والإمارات، أثناء تناولها لسياسة الحكومة السورية في دمشق في السنوات الأخيرة، ومن خلال أجواء الوُدِّ المتبادل والتي سادت بعد حملة المساعدات الإنسانية، على خلفية الزلزال المدمر الأخير. لكن أجواء الطراوةوالدبلوماسية يجب ألا تحجب عمق الجدية وحجم التحدي الذي تنطوي عليه المبادرة العربية، ومن ثم عن أهداف ووظيفة القمة، التي تكاد تدور على غرض أساسي واحد، هو عودة سورية ناجزة من بوابة الحل التاريخي للأزمة السورية، ومن خلال تطبيق لا لُبسَ ولا مجاملة أو تهاون في لزومه أو الزاميته للقرار الدولي 2254 الصادر بإجماع أعضاء مجلس الأمن، وما يمده الأخوة العرب لا يخرج عن كونه دعوة لتطبيق قرار المنظمة الدولية بأيادي السوريين أنفسهم، وبدور واضح لسلطات دمشق في العملية السياسية، أي عملية التغيير البنيوية التي يُعنى القرار بتنفيذها.
وليس هذا فحسب؛ بل أصبح المعروض من الطرف العربي على دمشق واضحاً، والمطلوب منها حيالهم بات معروفاً هو الآخر أيضاً. وكان قد جرى الحديث فيه مع الحكومة السورية خلال اللقاءات التمهيدية والاجتماعات التي جرت تحضيراً لأعمال القمة، وقد حضرها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وكانت قد تناولت بالإضافة إلى حتمية تطبيق القرار الأممي آنف الذكر، قضايا إنتاج وتهريب الكبتاغون، والترتيبات المتعلقة بالقضاء على صناعته ومنع عبوره إلى دول الجوار.وما يؤكد أن العاصمة السورية قد أظهرت تفهّماً واستعداداً لقبول هذا المسعى، هو تجاهلها لحملة الطيران الحربي الأردني على واحد من أهم معاقل إنتاجه في درعا، قضى بنتيجتها شخص وزوجته مع أطفاله الستة، ما يُعدُّ دليلاً على حجم التفاهمات التي يجري الإعداد لها، وعلى طبيعة القضايا موضوع البحث.
وعلى نحو متصل؛ يكثر اليوم الحديث في وسائل الإعلام عن مسافة يبالغ فيها البعض بين الموقف الأمريكي المعادي لتطبيع الدول العربية علاقاتها مع دمشق، وبين موقف تلك الدول،والذي يقرأه البعض على أنه تطبيع مجاني لا يتطلب شيئا ويرمي إلى إعادة إنتاج النظام بِبَجَرهِ وعَجرِهِ.
وبالانتقال إلى زاوية النظر الأمريكية، ومع توارد وتعدّد مشاريع القوانين التي تمسُّ الوضع السوري، بدءا بقانون قيصر في العام 2020، مروراً بقانون الكبتاغون نهاية 2022، وما يجري الإعداد له هذه الأيام من قبل لجان الكونغرس ضمن خطة إصدار قانون جديد يعدّل مفعول قانون قيصر ويمد مفعوله حتى العام 2032، وكلها لا تعني أقل من حقيقة واحدة؛ألا وهي أن التغيير في فلسفة الدولة السورية وأسس بنائها، باتت قضية ملحة على أكثر من صعيد وأبعد من مستوى، وأنه لا جدوى من إضاعة الوقت، ولامناص من اجتراح الحلول، فلتكن القمة هي المكان والموعد، وليشغل القادة العرب دور القابلة التي على يديها سيخرج المولود الجديد، حاملاً الملامح الوحدوية لدولة ديمقراطية علمانية عادلة لامركزية، تأخذ شعوبها نحو العصر والعدالة وحق الحياة.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..