“إرث داعش الأسود” يلاحق نساء خرجنَّ من مخيم الهول إلى الرقة
الرقة – مجهر
تتجنب سعاد محمد (40 عاماً) من سكان مدينة الرقة شمال سوريا، الخوض في النقاشات مع جيرانها في حي “رميلة”، خشية أن يعاد وصفها بـ “الداعشية”.
كانت سعاد قد خرجت قبل نحو عامٍ ونصف من مخيم الهول بوساطة أحد شيوخ العشائر، لتجد في بادئ الأمر، صعوبة في التأقلم مع محيطها الاجتماعي لا سيما أنها واجهت بعض المضايقات من جيرانها بحكم أنها زوجة مقاتل سابق في تنظيم “داعش” الإرهابي.
وتروي “محمد” لـ “مجهر” أنه بعد تقدم قوات سوريا الديمقراطية صوب الرقة انتقلت وزوجها برفقة آخرين من عناصر داعش وعائلاتهم للعيش في مناطق سيطرة التنظيم في دير الزور قبل أن تسيطر قوات سوريا الديمقراطية عليها أيضاً في آذار عام 2019.
وبعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على آخر الجيوب الخاضعة لسيطرة التنظيم الإرهابي، انتقلت سعاد وعائلتها للعيش في مخيم الهول المخصص لعوائل عناصر تنظيم داعش بينما نقل زوجها إلى سجن مخصص لعناصر التنظيم لتسمع بعد شهور أنباء تتحدث عن وفاته بسبب حالته الصحية.
في حديثها لـ منصة “مجهر” تقول سعاد: “كان جيراني ينادوني صراحة بالداعشية ويحملوني ذنب كل ما آلت إليه أمور المدينة بسبب داعش خلال سيطرته على الرقة بين الأعوام 2014 و 2019”.
وتحافظ “سعاد” على “اللباس الشرعي” الذي فرضه تنظيم داعش إبان سيطرته على الرقة، وتقول إنها وجدت فيه “ستر وحشمة” واعتادت عليه رغم أنها على علم بأنه الحاجز الأبرز بينها وبين مجتمعها.
لم تستطع سعاد أن تجد فرصة عمل تعيلها على سد احتياجات أبنائها الخمسة – أكبرهم سناً 14 عاماً – وحاولت كثيراً وفقا ما روت لمنصة “مجهر”، لكن في كل مرة جاولت لم تجد سوى الفشل، حتى اقتنعت أنها لن تجد فرصة عمل مهما حاولت وفق وصفها.
وفي سؤال لمراسل منصة مجهر الإعلامية، حول كيفية سد احتياجاتهم اكتفت بقولها “من أهل الخير”.
وتشير “سعاد” أنها واجهت معاملة قاسية من محيطها الاجتماعي حتى من ذويها المقربين.
وأن الناس كانوا يقولون لها أن “داعش” لم يرحم سكان الرقة وهي وزوجها وكل من انتسب من المدينة للتنظيم كان له دور في ذلك.
تعتبر “سعاد” أنها ظُلِمَت من مجتمعها وأنه لا ذنب لها في كل ما حدث وأن الأشخاص المحيطين عاملوها بقسوة ونفور ونبذوها بشكل لا تستحقه، على حد قولها.
وأواخر العام 2020 كشف مجلس سوريا الديمقراطية عن نيته إخراج العوائل السورية من مخيم الهول باتجاه مدن ومناطق شمال وشرق سوريا بوساطة وكفالة من شيوخ ووجهاء العشائر العربية في المنطقة.
وخلال العاميين الماضيين خرجت عدة دفعات لنساء وأطفال من مخيم الهول تجاه مناطق في الرقة ودير الزور ومنبج والطبقة.
أما “شيماء العلي”، فحالها لا يختلف عن حال سعاد. إذ فقدت شيماء كل أوراقها الثبوتية خلال هروبها مع زوجها الذي كان يقاتل في صفوف داعش نحو ريف دير الزور الشرقي تاركين مدينة الرقة بعد أن ضاق الخناق على التنظيم ولاحت بوادر تحرير المدينة.
تقول شيماء إن معظم عوائل تنظيم داعش فقدت أوراقها الثبوتية أو تم سحبها من قبل الأمنيين التابعين للتنظيم لمنع أي شخص يريد مغادرة مناطق سيطرة التنظيم نحو مناطق أخرى.
ورفضت شيماء بداية الأمر التحدث لمراسل منصة مجهر وطردته من أمام منزلها ووجهت له ألفاظاً نابية متهمة الإعلام بتشويه الصورة وتجنب نقل معاناة النساء من عوائل تنظيم داعش وتجاهلهنَّ.
وبلغ عدد العوائل التي خرجت من مخيم الهول تجاه مدينة الرقة وريفها نحو 817 عائلة تتألف من 2763 شخصاً غالبيتهم من النساء والأطفال ممن هم دون الخامسة عشر عاماً، وفقاً لمصدر في مكتب العلاقات في مجلس الرقة المدني.
وترفض الناشطة الاجتماعية إلهام إبراهيم تحميل النساء اللواتي خرجن من مخيم الهول ذنب ما ارتكبه تنظيم داعش سواء في مدينة الرقة أو في مدن سورية أو عراقية أخرى خضعت لسيطرته.
وترى الناشطة أن مجتمع المنطقة هو المسؤول الأول عن أمر النساء ومساعدتهن على تجاوز مرحلة داعش والاندماج في المجتمع من جديد والحصول على فرصة عمل والعيش بكرامة.
وتقول: “المجتمع ذاته الذي يرفض تقبل المرأة التي خرجت من مخيم الهول حديثاً، كان ولا زال يحاسب المرأة على أي رفض لقرارات زوجها بما فيها الانضمام لداعش لذلك حري بهذا المجتمع أن لا يكيل بمكيالين وأن يساعد النساء في تجاوز تلك الفترة الزمنية”.
وتختتم “إبراهيم” حديثها: ” التعامل السلبي مع شريحة النساء اللواتي خرجن من مخيم الهول سيجلب معه أثاراً سلبية جمة سيضطر لدفع ثمنها المجتمع إذا لم يملك أفراده الوعي والمسؤولية اللازمة لإعادة دمج النساء واستقطابهن”.
إعداد: ياسين الأحمد