حلب.. “طموحات الطلبة الجامعيين تُختَزَل بجواز سفر”
حلب – مجهر
تخطى حسين دهان وهو طالب في كلية الاقتصاد بجامعة حلب، عامه الدراسي الثالث، ساعياً لتسريع إجراءات حصوله على “جواز سفر” واللحاق بشقيقه في مصر.
لم تعد المحاضرات الجامعية والتحضير للامتحانات تشغلان بال الطالب حسين دهان (22 عاماً )، بل بات السفر هو الشغل الشاغل للشاب العشريني، فإيجاد فرصة عمل مناسبة وتحقيق عائد مادي مقبول بات أفضل من انتظار شهادة جامعية لا تغني ولا تسمن من جوع، على حد تعبيره.
يقول حسين دهان لمنصة مجهر “لم أعد أُطيق الانتظار مدة أطول في هذا البلد ولم تعد الشهادة الجامعية بغيتي، قرار الرحيل والهجرة اتخذته ولا تراجع عنه”.
ويتابع “دهان” حديثه بالقول: “عندما بدأت دراستي الجامعية كنت أرسم أحلاماً وأبني طموحات، فكانت الشهادة بالنسبة لي مفتاح السعادة وتحقيق الأماني، لكن صَدَمَنا الواقع المرير، فالكثير من زملائنا حصلوا على شهادتهم الجامعية وعلقوها على الجدران وهم إما بقوا بلا عمل أو التحقوا بالخدمة الإلزامية التي لا نهاية لها”.
خلال الأعوام الأخيرة، استبدلت أحاديث الطلبة الجامعيين من التنافس والتحصيل العلمي إلى الطرق الأكثر سهولة وسرعة والأقل تكلفة للهجرة. إذ تقول شهد عمرايا (23 عاماً) طالبة في كلية الحقوق أن طموحات وأحلام الطلبة باتت تختزل بالحصول على جواز سفر يجيز مغادرتهم البلاد.
وتنتظر “شهد” إتمام إجراءات “لم الشمل” الذي يقوم بها خطيبها في ألمانيا منذ أشهر، وباتت بنظر زملائها وزميلاتها صاحبة “الحظ السعيد” وأن فرصتها ذهبية، حسبما وصفت لـ مجهر. “أنتظر تلك اللحظة التي سأسمع فيها هدير الطائرة وهي تغادر بيّ من هنا، بفارغ الصبر”.
تقول شهد لمنصة مجهر: “لازلتُ ببدايات مشواري الجامعي لكني سأضطر لإنهاء هذا المشوار، ففرصة المغادرة التي جاءتني لن تتكرر مرة أخرى”.
وحوّل الواقع التعليمي المتردي بفعل الحرب وبعض المعطيات الاجتماعية والاقتصاديّة، الدراسة الجامعية في نظر كثيرين إلى مجرّد وسيلة لضمان “التأجيل” لموعد تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية.
زياد الصغير (24 عاماً) طالب في كلية الهندسة المدنية يضع اللمسات الأخيرة على مشروع تخرجه الجامعي، ينتظر حصوله على شهادته الجامعية، والبحث عن إحدى الطرق المتاحة للهجرة.
يدرك “زياد” مصاعب هجرته المزمعة ويعي مخاطرها، قائلاً: “سياسة الأبواب المغلقة بوجه المهاجرين التي تمارسها أوروبا لن تقف حائلاً أمام نيتي في الرحيل، أنا مستعد لركوب الأمواج وقطع الغابات والجبال وبمختلف الظروف من أجل الوصول لهدفي، أنا أدرك حجم المعاناة والمعاملة اللاإنسانية التي يعاني منها المهاجرون في دول كتركيا واليونان وغيرهما، لكن هذه المعاملة ستظل أفضل من تحطيم الآمال وإنهاء الأحلام التي سأحصل عليها بحال بقيت هنا، فالخدمة الإلزامية اللامحدودة ستكون أفضل شيء أحصل عليه في بلدي”.
تغيب الإحصاءات الرسمية بأعداد الطلبة الجامعيين الذين هاجروا من البلاد، لكن مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” وهو مركز بحثي مقرّه العاصمة السورية، أصدرت في عام 2018 دراسة بعنوان “هجرة الكفاءات والعقول السورية نزيف تنموي مستمر”، أكدت فيه أن أكثر من 900 ألف سوري استقروا في ألمانيا حتى العام 2017، 40% منهم من أصحاب المؤهلات العلمية العالية، إضافة إلى أعداد أقل اتجهت إلى بقية البلدان الأوربية، والولايات المتحدة، وكندا.
ويصف الدكتور في كلية الاقتصاد، عبد الله صباغ، هجرة طلبة الجامعات وأصحاب الشهادات والكفاءات العلمية بـ “الكارثة” قائلاً: “آفة سرطانية قد تدمر النسيج الإقتصادي والمجتمعي في سوريا مالم تتضافر الجهود للحد منها وايجاد حلول لها. نعوّل على هذه الطاقات مستقبلاً للتعافي من آثار الحرب الحاصلة”.
ويتابع الدكتور الجامعي حديثه :”معدلات الهجرة خطيرة وإذا لم يتم تداركها فنحن أمام أزمة حقيقية ستظهر نتائجها السلبية عاجلاً ام آجلاً ، الحل يبدأ بتحسين المستوى المعيشي وإيجاد فرص عمل للخريجين برواتب جيدة تتناسب مع الأوضاع المعيشية مع تقديم حوافز حقيقية كقروض، ودعم المشاريع الصغيرة وتخفيف أعباء الخدمة الإلزامية وتحديد فترتها الزمنية”.
ويتوقع خبراء وباحثون استمرار “نزف العقول والكفاءات” السورية وسط تجاهل حكومي للحالة وخلو الآفاق من أي أمل قريب قد يحد من هذا النزيف.
إعداد: سامر العقّاد