في فرص نجاح المبادرة السعودية لحل الأزمة السورية
محمد عيسى
في وضع محلي وعربي تميز خلال العقدين الماضيين، بغلبة للدور التركي والإيراني في التأثير على قضايا المنطقة، وفي اللعب على خيارات شعوبها ومكوناتها، والذي تلازم بدوره مع تراجع كبير في الدور السعودي والعربي عامة، هذا الدور الذي كان حاضراً بدرجة معتبرة خلال حكم عبد الناصر ومرحلة النهوض العربي، ولم يكن هو نفسه سائداً طيلة حقبة النصف الثاني من القرن الماضي.
تعود السعودية اليوم إلى الواجهة ويعود معها الأمل بدور عربي فاعل ومنافس، تعود السياسة السعودية بقيادة ولي العهد الأمير الواعد والقوي “محمد بن سلمان” إلى أخذ المبادرة، ولتُظهر الأيام الأخيرة أن في جعبته رزمة من المبادرات والتسويات الرامية إلى حلحلة أزمات المنطقة وفك الاستعصاءات المتحكمة بها.
ولأن كانت باكورة هذا النشاط قد ظهرت للعيان؛ مع تتويج الصين لجهود الوساطة ما بين إيران والسعودية والنجاح بتوقيع اتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، ثم تالياً الحديث عن مبادرة سعودية حول حل الأزمة السورية.
إن من نافل القول إن الدولة السعودية، وقبل التنطّح للنهوض بالأدوار الريادية المنتظرة منها، كانت قد أطلقت العنان في الآونة الأخيرة، وفي ظل صعود قيادتها الجديدة، لأكثر من ورشة عمل، اشتغلت على إجراء مراجعة عميقة في السياسة الداخلية، وعلى القطع مع الكثير من المفاهيم الفكرية الوهّابية المتكلسة والمتحكمة بالمناهج والقوانين، ثم تحديثها في جوانب عديدة، كما يؤهلها، وبالانطلاق من إمكاناتها الاقتصادية ومكانتها في العالم الإسلامي،إلى تصدر موقع قيادي في السياسة العربية والإقليمية ومكانة وازنة في السياسة الدولية.وهي، وفي إطار الموضوعية في التقييم، يمكن القول إنها، وبرغم التحديات التي واجهتها في حربها مع الحوثيين في اليمن ورغم محاولة الإيرانيين للنيل من استقرارها عبر العبث بنسيجها الاجتماعي، فقد نجحت بتقديم نموذج معقول لإسلام أكثر اعتدالاً وبعيدٍ عن أجندات الإسلام السياسي، وبما يعاكس ما عمد الأتراك إلى إثارته أو تحفيزه.
وفي سياق متصل بالنهج المتوازن والمعتدل الذي اعتمدته السياسة السعودية في السنوات القليلة الماضية من القضايا العربية ومن القضايا التي استجدت مع انطلاق ظاهرة الربيع العربي، يمكن تسجيل نقطتين قد دخلتا كرصيد إضافي في حساب المملكة، النقطة الأولى: زيادة تعاطف الشعوب العربية وتقديرها لسياسة الإصلاح والتطوير في المملكة، وخاصة لدى أوساط المثقفين والتيارات المدنية والعلمانية، كنتيجة لخطوات التحديث والانفتاح في نهج المملكة، وتأتي اليوم دعوة التكريم للشاعر السوري العلماني أدونيس من قبل المملكة، كتأكيد على ذلك.
والنقطة الثانية: قبول متزايد واحترام لافت لمواقف المملكة لم يكن قائماً على نفس الدرجة من قبل أطراف سياسية وحكومية عربية، كان من أهمها موقف الحكومة السورية الذي عبر عنه مؤخراً الرئيس بشار الأسد في لقائه الصحفي مع تلفزيون “روسيا اليوم” أثناء زيارته الأخيرة لروسيا، والذي أطرى فيه على مواقف المملكة وسياستها المتوازنة حيال الأزمة السورية وباقي مشكلات الوضع العربي، في الوقت الذي أشار فيه ومكرراً الانتقاد وفقدان الثقة بالموقف التركي وبسياسة أردوغان، الذي وصفه بأنه لا يمكن الثقة فيه،وأن من طبعه أن يغير موقفه كل ثلاثة أيام.
وبالاعتماد على ما تقدم؛ يمكن أخذ الانطباع بأن موقف الرئيس الأسد من المبادرات المطروحة هي أكثر ميلاً لترجيح الفرصة أمام المبادرة العربية، التي بدأ الحديث عنها منذ فترة، وتحدث عنها وزير خارجية الأردن قبل فترة، وعن المبادرة السعودية بشكل خاص، تلك المبادرة التي أطلقها وزير خارجية المملكة الأمير “خالد بن فرحان” في مؤتمر صحفي قبل أسابيع قليلة، والمعروفة بالمبادرة ذات “البنود العشرة”.المبادرة التي جديدها ونقاطها الأساسية يدور حول:
1 –تقديم تعهد موثق بتنفيذ القرار الدولي /2254/، الذي من شأنه إطلاق عملية سياسية تؤدي إلى تغيير دستوري فانتخابات برلمانية ورئاسية، بمعنى تغيير سياسي يكون رأس النظام صاحب المبادرة فيه.
2 –دعوة قوات عربية للانتشار على الأراضي والحدود الدولية السورية، تكون القيادة فيها للسعودية، وكما تضمن المبادرة العودة الآمنة للاجئين.
3 –تحجيم أو وضع حد الاستفراد الإيراني في الملف السوري، ووقف انتشار الإيرانيين في المنطقة الجنوبية وبالتحديد على حدود الأردن.
4 –المساهمة برفع العقوبات وبتمويل إعادة الإعمار.
وإذا كانت هذه هي المنطلقات الأساسية للمبادرة، وهذا هو المناخ الإيجابي الذي انطلقت في ظلاله، وهذه هي أجواء التبريد التي بدأت تسيطر على طقس المنطقة وعلى حركة الرياح بين دمشق وعواصم دول الخليج، والتي عكستها زيارات الأسد إلى عمان والإمارات في الأيام القليلة الماضية، ومن ثم الزيارات والمواقف التضامنية العربية إلى دمشق، والتي أسفرت بالنتائج الأولية عن الاتفاق على فتح القنصليات في عاصمتي البلدين دمشق والرياض، وعن الحديث المكثف عن زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق مع نهاية عيد الفطر، فيمكن القول، دون تردد،إن المرحلة القادمة ستحمل أملاً حقيقياً بتحقيق انفراج في الأزمة السورية، وستتواتر الخطوات التي ستذلل المعوقات في طريق الحل العادل والمشرف للقضية السورية، وبأن مقعد سوريا في الجامعة العربية سيعاد شغله كحاصل موضوعي عن التفاهمات والمعادلات التي ستكون مستحقة.
بقي عامل واحد لاشك بأن له تأثير حاسم على خارطة الطريق الآنفة الذكر وعلى عملية نزع الفتيل من الصراعات الإقليمية المحتدمة في سوريا وفي عموم منطقة الشرق الأوسط، وصولاً إلى من بيده أو من دواعي مصلحته إجراء خلط للأوراق وإعادة الصراع إلى المربّعات الأولى.
والمقصود بالعامل الحاسم هنا هو العامل المتعلق بالتفاهم الدولي وبتوازن ومصالح الدول الكبرى المعنية، بما فيها إسرائيل، وليست أمريكا وحدها من قد تقطع على طريق الحل، بل ثمة مخاطر عديدة مازالت تتربص بالمبادرة، وليس مستبعداًأن تقوم تركيا بإطلاق جهد للتشويش، إذا كان هذا الجهد يصبّ لمصلحة أردوغان عشية الانتخابات المرتقبة،أو إذا كان غير متوافق مع الأجندات الأردوغانية.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..