ما دلالات فتح ملف “الكيماوي” السوري مجددا؟
محمد عيسى
لا يحمل البيان الصادر عن اجتماع وزراء خارجية دول التحالف الغربي الأخير أي جديد من حيث الشكل، خاصة فيما يتصل باتهام السلطات السورية باستخدام الأسلحة الكيماوية في معاركها للسيطرة على مدينة “دوما” بريف دمشق في 2018. ولأن عكف اللقاء بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظرائه البريطاني والألماني ثم الفرنسي على تشديد اللهجة، وتكرار استعراض المواجهات والمواقع التي كانت منظمة حظر استعمال الأسلحة الكيماوية قد اعتادت على تحميل المسؤولية فيها إلى سلطات دمشق؛ فلا يسع المراقب إلا أن يضعه في سياق ما بات مكرّراً ومعتاداً، ولا يضيف شيئاً كبيراً لجهة التهديدات وتواتر قرارات العقوبات، التي كان آخرها “قانون الكبتاغون” الخاص بإنتاج وتوريد المخدرات، الذي وقعه الرئيس الأمريكي بايدن قبل أسابيع قليلة، وكان قد سبقه “قانون قيصر” الذي أصدره البيت الأبيض مطلع العام 2020.
لكن الجديد الذي حمله بيان الدول الأربعة هو توقيته والرسائل التي يوجهها، وخلفية صدوره في بيئة عالمية تحتدم فيها الصراعات وتتشابك وتتعدد الساحات التي يتواجه فيها نفس الأفرقاء الدوليين، بدءاً بساحة الحرب الأوكرانية، مروراً بالمحطة السورية والتطورات المحتملة فيها، مع الدخان الذي بدأت تطلقه الحملة الانتخابية التركية، والتي قد تؤثر نتائجها على مستقبل تركيا ومستقبل الإسلام السياسي بعامته، وصولاً إلى الإنذارات لاندلاع مواجهة كبرى إسرائيلية أمريكية مع إيران.
وفي تفاصيل المعاني والدلالات، وبالعودة إلى مضمون البيان؛ فإن العلامة الفارقة الجديدة التي ميّزت التوجهات الغربية، هي الإشارة الصريحة إلى الدور الروسي في مسألة الكيماوي السوري، واتهام القوات الروسية بالضلوع أو بلعب دورٍ في الاستخدام المزعوم للسلاح الكيماوي في الحرب السورية مع المعارضة.
وعند هذه النقطة ومع الأخذ بعين الاعتبار الاستخدامات الروسية المتتالية لحق “الفيتو” في مجلس الأمن لإجهاض مشاريع قرارات كانت ستصدر لصالح المعارضة، ينجح البيان وينجح حلف الدول الغربية في وضع السياسة الروسية في خانة العداء لمصالح الشعب السوري، ويورّط سمعة الدولة الروسية في تهمة استخدام الأسلحة الكيماوية وتهمة ممارسة الإرهاب، أو يكون مقدّمة ويُفتح لها الباب لمواجهة مفتوحة مع منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيماوية، وخاصة بعد تشكّل دوائر اتهام بممارسة أعمال إرهابية وجرائم حرب في مجريات الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي كانت روسيا شبه محصّنة ضُدَّهُ، أو من المستبعد بنظر الرأي العام العالمي ووفق معادلات القوة وضعها ضمن قطاع الرؤية هذا.
وليس هذا وحسب؛ بل ومع تبلور حلف الدول السائرة على سكة أستانه وانخراطها مباشرة، وعلى طريقة دول شبه متحالفة في مواجهات الحرب بأوكرانيا، وخاصة بعد الضجّة التي أثيرت حول المُسيّرات الإيرانية وتأثيرها في معادلات الحرب، يمكن القول إن من الرسائل التي عمد البيان توجيهها هي إظهار عين حمراء باليمين لإيران وأخرى باليسار لتركيا؛ وذلك مع تصاعد نذر المواجهة العسكرية مع إيران، والتي صارت على الحافة بعد نشاط حرب المُسيّرات الأخير، والضربات التي وُجّهت لمواقع إستراتيجية في أصفهان ومدن إيرانية أخرى.
وبعد تزايد التوتر بين اليونان وتركيا، ومع تكاثف الغيوم في أجواء العالم ومنطقة الشرق الأوسط التي تشهد نشاطاً محموماً للدبلوماسية الأمريكية ولآلتها العسكرية المتواكبة، مع الزيارات المتعاقبة لوزير الخارجية بلينكن وقبلها لرئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ثم منسّق الأمن القومي الأمريكي في الشَّرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، في ظاهرة قلّما وحصلت إلا عشية الأحداث والتطورات الكبرى أو الحروب التي قد تشهدها المنطقة.
وبالعودة إلى المسألة السورية ووظيفة البيان الآنف الذكر وفيما يتعلق بتطوراتها، ومع تنامي المسعى الروسي لترويض الحل بين السلطات السورية الرسمية والحكومة التركية قبل الانتخابات التركية المفصلية، والتي قد ترسم خريطة أحداث وتوازنات جديدة في واقع تركيا والمنطقة على حد سواء، سيكون من البديهي أن تُدلي السياسة الغربية بدلوها في هذا التطور المحتمل، وأن تضع ثقلها للتأثير فيه؛ كيلا يحدث – أي المسعى الروسي للمصالحة بين حكومة دمشق وتركيا – مفاعيل تتعارض مع مصالح دول التحالف الغربي وأصدقائهم في الإقليم وفي العالم.
لذا يمكن القول إنه في توقيت البيان رسالة تحذير واضحة للدول المعنية بالملف السوري، وخاصة الإمارات وتركيا، ومن شأنها قطع الطريق على أية خطوات تطبيعية مع السلطات السورية لا تمر عبر التسوية السياسية للأزمة السورية ووفق التطبيق الصريح للقرار /2254/، وبما يحول أيضاً دون حصول استثمار مربح في ملف الانتخابات التركية، ودون خلق معادل مكافئ لصالح بوتين في موازين الحرب الأوكرانية.
وليس هذا فقط؛ فالعبرة في بيان من هذا النوع وفي هذا الظرف، يشي بأشياء كثيرة، وخاصة إذا أخذنا في الحسبان مؤشّرين اثنين؛ الأول في المنطقة، وحيث انتهت للتوِّ مناورات أمريكية – إسرائيلية مشتركة، وتُعَدُّ الأضخم من نوعها، وتُحاكي التعامل مع سيناريوهات عدة، منها توجيه ضربة إجهاضية لمشروع إيران النووي، والتي تفيد تقارير بأنه قد أصبح على مرمى حجر قصير من إنتاج أكثر من سلاح نووي، بالاعتماد على مستوى وكمية اليورانيوم المخصَّب والذي بات بحوزة إيران، والذي يعني أن الساحة السورية ستكون الإسفنجة التي ستمتصُّ انسياب ردّات الفعل المتعلقة بتداعيات مواجهات حاسمة ونوعية، وقد صارت على الأبواب.
والمؤشر الثاني؛ اندفاع طوابير الدبّابات الألمانية ومن دول حلف الأطلسي إلى الأراضي الأوكرانية، والتي سبقها جهود مكثفة لتزويد القوات الأوكرانية بدفاعات جوية متقدمة، وكانت قد نجحت أخيراً بإسقاط جميع المُسيّرات الإيرانية، وفي آخر موجة لها، كما يشير إلى أن معركة لكسر العظم قد بدأت، وهمّاً إضافياً أو ثقلاً سيضاف على تعقيدات الحرب في أوكرانيا وتصاعدها، مع احتمالات أن ينوء الوضع السوري بأوزار جديدة ومخاطر لم تكن في الحسبان.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..