مسار المصالحة بين أنقرة ودمشق والشروط.. من المستفيد ومن الخاسر؟
أطلقت موسكو، يوم الأربعاء الماضي، مسار ما أُطلِقَ عليه “المصالحة” بين دمشق وأنقرة، بعد قطيعة دامت أكثر من عشر سنوات.
وعقد وزراء الدفاع الروسي سيرغي شويغو والسوري علي محمود عباس والتركي خلوصي أكّار، لقاءً في العاصمة الروسية، وصفته الأطراف الثلاث بـ”البنّاء والإيجابي”.
ويُعَدُّ هذا اللقاء العلني الأول، بعدما عقد الطرفان السوري والتركي سابقاً لقاءات على المستوى الاستخباراتي.
وبحسب وزارة الدفاع الروسية؛ فإن الأطراف الثلاث ناقشت ملفات تسوية الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين، “والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة في سوريا”.
ما هي شروط الحكومة السورية وتركيا؟
وبحسب المحلل السياسي المقيم في دمشق، الدكتور علاء الأصفري؛ فإن الشروط السورية، تركَّزت على ثلاث نقاط أساسية وهي: “إيقاف دعم الإرهابيين في شمال غرب سوريا، واعتراف تركيا بسيادة الحكومة على كل شبر في سوريا، والتعاون التركي فيما يخص اللاجئين، وعدم استخدامهم كورقة ضغط ضد الدولة”.
وأشار “الأصفري” في تصريح خاص لمنصة مجهر، إلى أن الخطوات ستكون متلاحقة ،وأن “سوريا طرحت شروطها بشكل جيد”، مؤكداً أن اللقاءات، “ستؤثر إيجاباً على الملف السوري، لأن تركيا منخرطة في الملف منذ 11 عاماً”.
وأضاف الأصفري: “هذه اللقاءات قد تساهم في بداية حل الأزمة السورية، وأن تحقيق الشروط السورية سيكون له وقع إيجابي كبير، إذا كان أردوغان جادّاً”.
بينما قال الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، رياض درارلمنصة مجهر، أن اللقاء الذي جرى، “هو تتويج أول على أعلى مستوى وزاري، وسيتبعه لقاءات أخرى تصل إلى لقاء الرئيسين بشار الأسد واردوغان”.
وشدد درار على أن هذا الأمر “مفروغ منه منذ توافقات طهران واللقاءات الأخرى المتتالية بين أردوغان وبوتين”.
من جهته يرى العميد السوري المنشق “أحمد رحّال”، أن تركيا لم تخفِ أمر اللقاءات من خلال تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية “إبراهيم كالن”، وقال في تصريح لمنصة “مجهر”: “اللقاءات لن تقتصر على مستوى وزراء الدفاع، بل ستحدث لقاءات على مستوى وزارء الخارجية في وقت قريب، ومن ثم لقاءات على مستوى الرئاسة”.
وقال إن الحكومة السورية لن تتمكن من تنفيذ الشروط التركية المتمثلة “بتبديد المخاوف التركية، وانطلاق المسار السياسي وتحقيق نتائج إيجابية”.
ما هي دوافع أنقرة ودمشق من هذا اللقاء؟
وشدد العميد السوري المنشق على أن الدوافع التركية من اللقاء هو ملف “شرق الفرات” للتخلص ممّا وصفها بـ”وجع الرأس” بالنسبة لتركيا.
وأشار رحّال أنه قد يكون لتركيا غايات أخرى بعد وضعها شروطاً” تعجيزية”، لسحب ورقة من المعارضة التركية، التي تحدثت عن ورقة اللاجئين وتوافقات مع الحكومة السورية، والتي تستخدمها ورقة ضغط على الرئيس التركي وحزبه مع قرب الانتخابات التركية.
وأضاف:”قد يكون كل ما يحصل، وحتى في اللقاءات التي ستحصل مستقبلاً،”استهلاكاً للوقت”، حتى حلول موعد الانتخابات التركية، وتوقف بعدها تركيا كل تلك الإجراءات”.
من جانبه، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن “أن مصالح سياسية تطغى على مصالح الإنسان بين هذين القائدين، وأن العدو المشترك هم الكرد وقوات سوريا الديمقراطية”.
ووصف “عبدالرحمن” الرئيس التركي بـ”أكبر تاجر بارع في القضايا الإنسانية”.
وقال: “هناك مصالح مشتركة بين أردوغان وبشار الأسد في هذا اللقاء، الأسد في مأزق نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وعجزه عن تأمين أبسط مقومات الحياة في مناطق سيطرته، وأردوغان يريد شحنة دعم داخلي للفوز بالانتخابات”.
ما موقف “المعارضة”؟
وشهدت مناطق شمال غرب سوريا غضبا شعبياً، عقب الإعلان عن اللقاء الثلاثي لوزراء الدفاع لكل من تركيا وروسيا والحكومة السورية.
ودعا ناشطون في مناطق بشمال غرب سوريا، على مواقع التواصل الاجتماعي، للخروج في مظاهرات حاشدة، بعد تطبيق أولى خطوات التقارب التركي–السوري.
ونشر نشطاء في إدلب على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات مناهضة لتركيا والفصائل الموالية لها.
وقال العميد السوري المنشق أحمد رحّال “لم أرى أي موقف أو تصريح للمعارضة أو الإئتلاف، وإذا كنتم مع هذا الأمر، فالله يكسِّرْأيديكم وأرجلكم”، وفق تعبيره.
وأضاف “إذا قَبِلَ الإئتلاف بالمصالحة، فهو بحكم من خانَ الشعب السوري”.
وفي الجانب الآخر، تساءل مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان: “معارضي بشار الأسد الذين يأتمرون بأوامر تركية؛ هم مرتزقة أردوغان، سواء السياسيين أو العسكريين أوالإعلاميين، لماذا لم يتحدثوا عن هذا اللقاء الذي حصل بين النظام والأتراك؟”.
ومن جهته قال وزير الخارجية التركي “مولود تشاويش أوغلو”إن ممثلي المعارضة السورية لم تظهر منهم أية ردود فعل على خطوات أنقرة الأخيرة فيما يخص تحركاتها بالشأن السوري.
بينما قال الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، رياض درار في تصريح خاص لمنصة مجهر أن ترويج وتسويق هذا الأمر (المصالحة) يحتاج إلى وقت حتى يتم احتواء المعارضين له وخاصة من الفئات الشعبية التي انتفضت بعد سماعهم بمشروع المصالحة.
وأضاف درار في حديثه: “انتفاضة الشعب ضد المصالحة تدل على أن الضرر القادم هو على الشعب السوري في مناطق سيطرة تركيا، بقية المناطق أيضاً ستضرر ولكن نحن ننتظر الانتفاضة على هذه المصالحة أو أي شكل من أشكال الردود”.
وأبدى درار اعتقاده أن ما حصل من تحرك للنصرة ضد بعض القوى العسكرية في أثناء هذه اللقاءات هو للضغط على “كل من يريد أن يرفع رأسه في هذا المسار”.
“المستفيد الأكبر”
ويعتقد الرئيس المشترك لمسد أن المستفيد الأكبر هو الرئيس السوري بشار الأسد ، وقال: “هو في حصار شديد، لكن الآن ومع الاتفاق على مرور الشاحنات التركية إلى الخليج يعني فتح طريق لحالة اقتصادية يمكن أن تتطور لرفع العقوبات أيضاً عن النظام”.
أما بالنسبة للرئيس التركي، قال درار أنه مستفيد أيضاً “سوف يلقي عن عاتقه حمل المهاجرين والصراع مع المعارضة الداخلية في مسألة اللاجئين وسيقدم شيئاً من الأوراق التي تعطيه فرصة للنجاح في الانتخابات وهو ما يريده”.
وشدد درار على أن التركي أعطى إشارة أنه بالامكان إعطاء المنطقة للحكومة السورية، وهو مؤشر كبير على هذه النقلة التي قال عنها “لا نعلم كيف يتم مواجهتها من قبل سكان المنطقة، لأن أي انتفاضة ستكون قوية وقاسية وليست من السهولة توقع آثارها”.
“الخاسر الأكبر”!
ويرى المحلل السياسي الدكتور “علاء الأصفري” أن المتضرر الأكبر من هذه اللقاءات هي الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال إن تركيا تبتعد عن الولايات المتحدة “وتنضم رويداً رويداً إلى الحلف الروسي، وهو المشهد المقبل في الإقليم بشكل كامل”.
أما مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، فقال إن اللقاء الذي جرى هورسالة موجهة لـ”الإدارة الذاتية وأمريكا ومناطق شمال وشرق سوريا لضربها”.
بينما يرى الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية رياض درار، أن هناك تحويلة كبيرة في الملف السوري سيكون نتاجها الضغط على المعارضة الموجودة في تركيا، أما للقاء مع الحكومة السورية والقبول بما يملى عليها أو الخروج من تركيا إلى المهاجر الأخرى”.
وشدد درار على أن مناطق شمال وشرق سوريا أيضاً ستضرر بدرجة أقل، وقال: “كل التصريحات التركية التي تقول بأن هناك شروط على النظام، هي تصريحات لا قيمة لها ولا معنى، لأن التركي يريد أن ينسحب ليتفرغ لمنطقة واحدة بالتعاون مع النظام كما يبدوا وهي مناطق شمال شرق سوريا”
وأضاف: “هذا تاثير كبير سيكون حصار كبير وضغط جديد ومحاولة لاستجرار أطراف من مناطق الإدارة الذاتية للوقوف وراء هذا التقارب لأن آثاره بدأت مع حركة نشيطة لداعش مع حركة مفتعلة لتحريك عناصر شغب ضد قسد وضد الإدارة ،أعتقد ان هذه الحالة ستستمر في تصعيد”
هل سيكون هناك تنسيق مشترك للهجوم على شمال شرق سوريا؟
واستبعد من جهته رامي عبدالرحمن- مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إمكانية تنفيذ الحكومة السورية لهجمات مشتركة مع تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية، وقال “إن إمكانية هذا الأمر ضعيفة”.
أمام المحلل السياسي، “علاء الأصفري”، فيرى أن “سوريا تعمل المستحيل لتجنيب المنطقة أي صراع بسبب العنجهية التركية”.
وأن قوات سوريا الديمقراطية لن تكون طرفاً خاسراً فيما يخص المحادثات الأخيرة التي تُجرى بين دمشق وأنقرة.
بينما قال رياض درار “بوجود الأمريكي لا أعتقد أنها ستصل لمواجهة عسكرية مباشرة لكنها ورقة ضغط، كيف يتعامل الأمريكي مع هذه النقلة ، هو ما يعطي للمسار احتمالات النجاح والفشل”.
وأضاف: “الأمريكي لن يقبل بعودة بشار الأسد بهذه الطريقة والاعتراف به بهذه الشاكلة”.
إيران ترفض
وفي ظل غياب الدور الإيراني من هذه المحادثات طغت على الطاولة تساؤلات عن الموقف الإيراني.
ويرى العميد السوري المنشق “أحمد رحّال” أن ما يحصل اليوم هو استمرار لمسار آستانا، وأن غياب إيران “يعني عدم موافقتها على هذا التوافق، لأن أهم النقاط التي تركز عليها تركيا هي ملف شرق الفرات، وهو ما ترفضه إيران”.
وأضاف “إيران ترفض هذا التلاقي، وهو ما ظهر في التصريحات السابقة للمسؤولين، فيما اعتبرت “بثينة شعبان” التصريحات التركية إغاظة للأمريكيين، وأن تصريحات تركيا انتخابية، بينما قال وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إنه يجب على تركيا الانسحاب في البداية من الشمال، وطالب بوقف تركيا دعم المجموعات المسلحة”.
وتابع رحال حديثه بالقول: “بينما بشار الأسد سرَّبَ عبر الإعلام مقولة أنهم لن يقدّموا هدية انتخابية لأردوغان”.
وقال إن هذه التصريحات كانت لإرضاء إيران التي “لا تقبل تصريحات، بل وقائع على الأرض”، وفق ما قال”رحّال”.
وأردف بالقول: “إيران تريد أن تَتسيّد وتَتًمدّد على الجغرافية السورية كلها، دون ضابط أو رادع”.