أسواق السلمية.. العائلة الصغيرة بحاجة لمليون ليرة شهريا لتتناول “الفلافل” فقط!
لم تكن جولة “عادل الأحمد” التي قام بها مؤخراً في السوق تشبه الجولات التي سبقتها بأيام، فما كان يكفيه لشراء بعض المنظّفات المنزلية أو بعض المأكولات، أصبح بحاجة لضعفه تقريباً.
يقول الشاب “عادل” الذي تزوَّج منذ حوالي شهرين، أن “أسعار المواد الغذائية والمنظفات ارتفعت بشكل كبير، بعد أن تجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي /7000/ ليرة سورية”، مبيّناً أن “راتبه وراتب زوجته لم يعدا يكفيهما لشراء بعض الخضار لا أكثر”.
وفصّلُ الزوجان تكاليف احتياجاتهما من الطعام والشراب والمنظفات شهرياً، لمنصة “مجهر” الإعلامية، دون حساب مصروف الدواء واللباس وأجور النقل والتدفئة، ووضّحا أن “مصروفهما الشَّهري يتجاوز /450/ ألف ليرة سورية، بالحدود الدنيا”.
هذا الرقم بالنسبة لأي موظف حكومي، لا يكفي لشراء القليل من الخضار وبعض اللحوم والمعلبات، وأرخص أنواع الفاكهة والمنظفات كالصابون والشامبو وسائل الجلي ومسحوق الغسيل.
اعتاد “عادل” على شراء كافة احتياجات منزله أسبوعياً، ومن هذا المنطلق استطاع ملاحظة الفروقات السعرية التي تطرأ بشكل شبه يومي، فعلبة “سائل الجلي” ولوح الصابون اللذان اشتراهما الأسبوع الماضي بـ/8/ آلاف ليرة سورية وصل سعرهما إلى /12/ ألف ليرة، أي أن السعر ارتفع بمقدار الثلث.
رافَقَنا الشاب المتزوِّج حديثاً إلى سوق مدينة السلمية، التي تعتبر أسعارها أفضل من غيرها من المناطق ومراكز المحافظات، حسب قوله، واستطاعت منصة “مجهر” الإعلامية الحصول على لائحة بأسعار مختلف المواد الغذائية والأساسية التي تحتاجها الأسرة السورية.
أسعارٌ وسطية
خلال الجولة القصيرة التي رافقنا فيها “عادل” إلى السوق بتاريخ 27 كانون الأول 2022، كانت الأسعار وسطياً حسب الآتي: بلغ سعر كيلو لحم الغنم حوالي /30/ ألف ليرة سورية، أما كيلو لحم الفروج فوصل إلى حوالي /17/ ألف ليرة، بينما بلغ سعر كيلو سفن الفروج /24/ ألف ليرة سورية.
ووصل سعر ليتر الزيت النباتي إلى /17/ ألف ليرة سورية، بينما تراوح سعر كيلو زيت الزيتون بين /18/ و/22/ ألف ليرة سورية، أما علبة السمن الحيواني سعة /2/ كيلو وصلت لحوالي /40/ ألف ليرة سورية.
واختلف سعر الرز والبرغل والسكر بين محل وآخر، حسب نوعه ومصدره، إذ تراوح سعر كيلو الرز بين /5/ و/12/ ألف ليرة سورية للكيلو الواحد، بينما كان سعر كيلو البرغل حوالي /6500/ ليرة سورية ومثله للسكر، كذلك كان سعر أوقية البن المطحون بين /8/ إلى /11/ ألف ليرة سورية، وعلبة المته الصغيرة بوزن /200/ غرام /9/ آلاف ليرة سورية لأغلب الأنواع، وسعر علبة الشاي وزن /50/ غرام وصلت لـ/7000/ ليرة سورية.
أما أسعار الخضار؛ فبلغت /3000/ ليرة سورية لكيلو البطاطا، ومثله لكيلو الباذنجان، بينما وصل سعر كيلو البندورة إلى /3200/ ليرة، في حين وصل سعر كيلو الخيار إلى /4000/ آلاف ليرة سورية، أما الخسّ والملفوف البلدي فكان بسعر /1000/ ليرة سورية للكيلو الواحد.
بينما كانت أسعار الفواكه الموسمية شبيهة بالخضار إلى حدٍّ ما، إذ احتسب سعر كيلو البرتقال “أبو صُرّة” /2700/ ليرة سورية، وكيلو التفاح بحوالي /3200/ ليرة سورية، أما سعر كيلو الموز فوصل إلى /8000/ آلاف ليرة سورية.
وشملت جولة مراسل “مجهر” مع الشاب “عادل” زيارة لمحال بيع مواد التنظيف، لمعرفة الأسعار التي ارتفعت بمقدار الضعف تقريباً منذ شهر مضى حتى تاريخ كتابة هذا التقرير، وفق تأكيدات أصحاب هذه المحال.
إذ وصل سعر علبة الشامبو الصغيرة إلى /10/ آلاف ليرة سورية، وتراوح سعر لوح الصابون بين /2/ إلى /6/ آلاف ليرة سورية، أما مسحوق الغسيل فوصل سعر الكيلو الواحد إلى /30/ ألف ليرة سورية، وعلبة سائل الجلي الصغيرة /5/ آلاف ليرة سورية، ومُلمّع الزجاج إلى /3500/ ليرة سورية.
ماذا عن العائلات التي يبلغ عدد أفرادها /5/ أفراد وأكثر؟
بعد سحبه لنفس عميق و”تنهُّدِهِ” لمرّات عدة، بدأ “أبو زين” حديثه مع منصة “مجهر” الإعلامية، قائلاً “لا أريد الدخول بالتفاصيل، لكن حِسبَةٌ صغيرة تُبيّن مقدار المصروف الشهري لعائلتي المكوّنة من /5/ أفراد”.
حِسبَةُ “أبو زين” كانت عن طريق الفلافل، إذ بيّن الرجل البالغ من العمر /42/ عاماً أنه “سيضطر لدفع مبلغ /900/ ألف ليرة سورية، في حال تناوله سندويش الفلافل فقط هو وعائلته يومياً مقسَّمة على ثلاث وجبات، إذ يبلغ سعر السندويشة الصغيرة /2000/ ليرة سورية”.
ويتابع “تخيَّل أن /900/ ألف ليرة سورية هو ثمن لما يوصف بطعام الفقراء، هذا ولم أتطرق لمصاريف الدراسة التي يحتاجها الأولاد، ولا لمصاريف التدفئة وأجور النقل”.
يمتلك “أبو زين” بقالية صغيرة، أما زوجته فهي موظفة بمديرية التربية، ويبلغ مجموع دخلهما شهرياً حوالي /700/ ألف ليرة سورية، وهو ما يجعله “مكسوراً” في كل شهر، وفق وصفه، وزاد مقدار “الكسر” الشهري عليه بعد قدوم فصل الشتاء، بسبب دفع مبالغ “طائلة” مقابل التدفئة.
ويشرح الرجل الأربعيني أن أطفاله الثلاثة ما زالوا صغاراً وغير قادرين على مقاومة البرد كما يفعل هو وزوجته، ويبلغ ثمن احتياجاتهم للتدفئة خلال ساعات المساء فقط، كونها الأشد برودة، مبلغ /9/ آلاف ليرة سورية يومياً (سعر ليتر مازوت واحد من السوق السوداء)، أي أنه يضطر لدفع /270/ ألف ليرة سورية شهرياً لتدفئتهم فقط.
ضِيقُ الحال وغلاء الأسعار بشكل شبه يومي، دفع بـ”أبو زين” وزوجته للتخلّي عن الكثير من احتياجاتهم، فبعد إقلاع “أبو زين” عن التدخين مع وصول سعر علبة “التبغ الوطني” الواحدة التي يدخنها إلى /3/ آلاف ليرة سورية، أقلعت “أم زين” عن شراء بعض مستحضرات التجميل، بعد ارتفاع أسعارها مع ارتفاع سعر صرف الدولار.
حالات أخرى
وَقعُ الانهيار الاقتصادي والتضخُّم الكبير وسوء الأحوال المادية على معظم العائلات التي تسكن في مناطق سيطرة الحكومة السورية كان كبيراً، لكن هناك حالات خاصة معقدة وأسوأ بشكل أعمق، كالعائلات التي يدرس عدد من أولادها بجامعات بعيدة عن مناطق إقامتهم، أو العائلات التي تحظى بمولود جديد هذه الأيام.
ينتظر “أكرم” مجيء طفله الثاني مع نهاية العام، وهو ما يمكن أن يكون سعر صرف الدولار فيه قد وصل لأكثر من /7/ آلاف ليرة سورية، في حين كان سعر الصرف حوالي /4/ آلاف ليرة سورية حين علم أن زوجته حامل.
حسابات “أكرم” لم تُضبَط من قبله حتى الآن، فالمبلغ الذي احتفظ به لتغطية تكاليف الولادة فَقَدَ نصف قيمته، و”ما زاد من الطين بِلَّةً” هو انقطاع حليب الأطفال، خاصة أن زوجته تعاني من وضع صحي سيحرم طفلها من “الرضاعة الطبيعية”.
ويبيّن “أكرم” أن “سعر علبة الحليب الواحدة تبلغ /35/ ألف ليرة سورية، وهي تكفي الطفل لثلاثة أيام فقط، أما ثمن الفوط (الحفّاضات) التي سيحتاجها يبلغ /25/ ألف ليرة للكيلو الواحد، وهو ما يكفي طفله لأسبوعين فقط وسطياً”.
يُطلق خبراء الاقتصاد على الاقتصاد السوري لقب “المشوَّه”، وهو ما يُعرف بالاقتصاد الذي لا يمكن ضبطه ومعرفة مقدار عجزه أو تصنيف بياناته، وبالتالي دراستها للخروج من الأزمات المالية أو تقليص مقدار العجز والتضخُّم، لكن الظروف الاقتصادية الحالية جعلت من أصغر سوري “خبيراً ومحلّلاً” لا يُشَقُّ له غبار، كونه يُدرك ويَدرُس كيفية حصوله على رغيف الخبز حتى الآن.
إعداد التقرير: نبيل المير