“تمردت على العادات البالية”.. طالبة جامعية أجبرتها الظروف للعمل ضمن مقهى
بيدين مرتجفتين ووجهٍ محمر، قدمت “نهى” أول كأس عصير لها ضمن مقهى الـ”السيتي” في مدينة السلمية، بريف حماه بعد أن بدأت عملها هناك بخدمة الزبائن نهاية العام الماضي، نتيجةً لتراجع ظروفها المادية بعد وفاة والدها بحادث سيرٍ على طريق سلمية- حماة.
تقول الفتاة البالغة من العمر 24 عاماً، لمنصة مجهر الإعلامية ، “ضاقت أحوالي المادية أنا وعائلتي بشكل كبير، بعد وفاة أبي الذي كان يحمل كامل مسؤولية مصروفنا أنا وأمي في المنزل، وتكاليف دراستي الجامعية في حمص”.
بعد فترة -ليست بطويلة- اكتشفت “نهى” أن “حياتها تغيرت جذرياً وأصبحت بحاجة للاعتماد على نفسها لتأمين احتياجاتها واحتياجات والدتها، مما دفعها للتفكير بعمل قريب من منزلها يدر عليها مبلغاً شهرياً جيداً، أسوةً بالرواتب التي يمنحها أًصحاب باقي المهن للعمال في مدينة السلمية”، وفق وصفها.
قلة قليلة من الفتيات يعملن بمهنة “نهى” في مدينة السلمية، كون العادات والتقاليد والتصنيفات الاجتماعية تحتم على أمثالها مهناً معينة فقط، كغزل النسيج أو العمل بـ”المونة” والعمل بصالونات الحلاقة النسائية، لكن “نهى” لم تتعلم أياً من المهن السابقة بسبب اهتمامها بدراستها فقط منذ صغرها، وقضاء أغلب وقتها بكلية هندسة المعادن في الجامعة.
طريق “نهى” لهذه المهنة لم يكن صعباً، فأي مقهى ضمن المدينة سيجدها مكسباً وفرصةً جيدة، للتسويق لنفسه، خاصةً أنها فتاة حسناء ومهذبة ولبقة، كما يعرفها أغلب أهالي الحي الذي تسكن فيه، وبشهادة معظم زبائن المقهى الذي تعمل ضمنه اليوم، وفق ما قاله أحد زملاءها.
وتتحدث الفتاة العشرينية، لمنصة “مجهر” الإعلامية، قائلةً “أحد زملائي في الكلية اقترح عليّ العمل ضمن أحد المقاهي، وعرض تجربته بشكل كامل أمامي وأقنعني، بعدها اقترح على صاحب المقهى فكرة تشغيلي ضمن الطاقم، وهو ما رحب به بشكل فورذي”.
“اليوم الأول كان صعباً، والأسبوع الأول كذلك، لكن مع نهاية الشهر وحصولي على مرتبٍ جيد بدأت الأمور تصبح روتينية، ويوماً بعد يوم زال ارتجاف يديّ وأصبح صوتي أكثر وضوحاً، وكأنني أمتلك المقهى ولست أعمل ضمنه فقط”، تقول “نهى”.
وتؤكد الفتاة الجامعية على أنها “كسرت الكثير من العادات الاجتماعية البالية وتمردت عليها، وحققت انتصاراً ذاتياً دون أن تدرك ذلك ببداية الأمر”.
لم ترحب والدة “نهى” بفكرة عملها في البداية، وحاولت دفع ابنتها للعدول عن الفكرة، خوفاً من “حكي الناس” ووصمة “العار” التي سيلصقونها بابنتها، لكن الكثير من النقاشات “المحتدمة”، حسب ما أوضحت “نهى” ودعم الأصدقاء لها ساعدا أمها على تقبل الفكرة بشكل كامل، حتى أنها باتت “تفتخر بما تقوم به ابنتها، من عمل ودراسة وواجبات منزلية”.
تذكر الفتاة العشرينية بعض المواقف المحرجة والمؤذية التي تعرضت لها خلال عملها، قائلةً “دخلت مجموعة من أصدقائي في أيام المدرسة إلى المقهى خلال ساعات عملي، واضطررت لتقديم الخدمة لهم، حينها شعرت بالحرج، خاصة أنهم حاولوا مساعدتي بتقديم الطلبات لهم، ولم يدعوني أتصرف بشكل تلقائي وطبيعي”.
وتتابع “مما دفعني للتفكير بأن مهنتي قليلة الشأن ولا تليق بي، لكني تربيت على أن لا عار بالعمل، وأيقنت أن أصدقائي تصرفوا هكذا لأنهم لم يفهموا ببداية الأمر أنني أتقبل هذه الفكرة، وأعلم أن هذه المرحلة آنية والقادم أفضل”.
قد تكون “نهى” بدأت معركتها في الحياة بشكل قوي ومحتدم، ولم توفر لها الدنيا سبل الراحة أو الطرقات السهلة، لكنها تؤكد أنها “ستنتصر بجميع معاركها في نهاية المطاف وتصنع طريقها الخاص والمُعبّد”.
إعداد التقرير: نبيل المير