بسبب الموقع والقانون.. صيادلة السلمية يعتمدون على “الصدفة” لبيع ظرف دواء
بعد جلوسها لأكثر من ساعة كاملة، يدخل أحد المرضى إلى صيدلية “علا”، /اسم مستعار/، الواقعة في الأطراف الغربية لمدينة “السلمية”، بريف حماه، ويطلب منها علبة دواءٍ مسكن؛ تبيعه إياها ثم تعاود الانتظار مجدداً لساعة أخرى وربما أكثر، لدخول مريض جديد بـ”الصدفة” إلى صيدليتها التي افتتحتها العام الماضي.
حركة السكان القليلة ضمن أطراف المدينة أثّرت على الكثير من المهن بشكل كبير، وأجبرت أغلب المحال التجارية وحتى العيادات الطبية والصيدليات على استئجار أو شراء عقارات ضمن أماكن مركزية وشوارع محددة فقط، مما رفع قيمتها العقارية بشكل كبير، بعد وصولها لمرحلة “التشبّع” بمختلف المهن، إذ أصبح افتتاح محل تجاري أو صيدلية جديدة ضمن هذه المناطق مستحيلاً بالمطلق.
بدأت “علا” مزاولة مهنة الصيدلة عام 2018 خارج مكان إقامتها، بأحد أرياف مدينة “السلمية”، وهو ما يتوجب على أي صيدلاني القيام به بعد تخرجه من كلّيته، إذ يُطلب من الصيدلاني تأدية ما يُعرف قانونياً بـ”خدمة الريف”، أي أن يعمل ضمن صيدلية أو يفتتح صيدلية بأرياف المدن والمحافظات لمدة عامين متتالين لتخديم تلك المناطق.
تقول الصيدلانية “علا” لمنصة “مجهر” الإعلامية، “انتهيت من خدمة الريف بنهاية عام 2020، وبدأت رحلة البحث عن موقع مناسب لأبدأ فيه عملي الخاص، وافتتاح صيدلية صغيرة بمكان إقامتي في مدينة “السلمية”، لكن الرحلة لم تكن موفَّقة ولم تكن كما خططت لها”.
تعلم الفتاة التي تبلغ من العمر /27/ عاماً أن “هناك صعوبات عدة ستواجهها في بداية الطريق، لكنها لم تتوقع أبداً أن تكون لهذه الدرجة”، مبيّنةً أنها بحثت في البداية عن موقع جيد ضمن مركز المدينة لافتتاح صيدليتها، لكنها لم تجد بسبب وجود عدد كبير من الصيدليات في تلك المنطقة، إذ لا يسمح قانونياً بافتتاح صيدلية بوجود أخرى ضمن /50/ متر من مكان وجودها”.
هذا الشرط ألقى بالفتاة العشرينية على أطراف المدينة وبمنطقة تكاد تخلو من حركة السكان حتى في ساعات الذروة، حيث أن شوارع المدينة الرئيسية وطرقاتها وأسواقها ممتلئة بالصيدليات القديمة، ممن تخرَّج أصحابها في التسعينيات، مما جعل دخول الخريجين الجُدُد لسوق العمل بشكل قوي أمراً صعباً جداً.
وتؤكد “علا”، على أنها “أجرت مسحاً دقيقاً للمدينة ولم تجد سوى هذا الموقع الذي تقيم فيه صيدليتها حالياً”، مبينةً أنه “موقع غير مناسب بسبب قلة الحركة بمحيطه، إذ لا يدخل في اليوم الواحد أكثر من /10/ مرضى، وبعضهم يشتري ظرفاً واحداً من المسكنات أو الأدوية الرخيصة مما يجعل معادلة الربح خاسرة بالنسبة لها، في حين يراجع الصيدليات التي في مركز المدينة عشرات المرضى يومياً”.
وتشرح الخرّيجة الجديدة أن “معظم عيادات ومشافي المدينة موجودة ضمن مركز المدينة وشوارعها الرئيسية، مما يجعل المرضى يدخلون للصيدليات المجاورة لها والقريبة من العيادات لشراء احتياجاتهم الطبية، ولن يضطرّوا للذهاب إلى صيدليات بعيدة عن منازلهم أو أماكن تواجدهم، خاصة بظل أزمة المحروقات الحالية التي تعصف بالبلاد”.
لكن حصة الصيدليات المتطرفة من المرضى قد تكون مرتفعة بأيام محددة فقط، وهي أيام ما يعرف بـ”المناوبات”، حيث تُجبر نقابة الصيادلة جميع الصيدليات على إغلاق أبوابها في ساعات محددة من الأيام، وتبقي على صيدلية أو اثنتين مفتوحتين فقط في كامل المدينة أيام العطل الرسمية والأسبوعية، ليضطر المرضى للذهاب إلى هناك وتحقيق نوع من أنواع العدل، وفق ما وصفت الصيدلانية “علا”.
اليوم، تفكر “علا” جدياً بعمل بديل أو رديف لصيدليتها، وتبحث عن فرصة للعمل بأحد معامل الأدوية أو شركات بيع الدواء، أو تأجير شهادتها لشخص ما يريد أن يمارس هذه المهنة في أحد الأرياف، بالرغم من الخطورة القانونية لهذه الخطوة، إذ تمنع الحكومة السورية هذه النوع من عمليات الآجار.
قد يكون توصيف أهالي مدينة “السلمية” الواقعة بريف حماة الشرقي مدينتهم بأنها “قرية كبيرة” صحيحاً، فبالرغم من وجود مظاهر التمدّن الواضحة والصريحة من خلال أسلوب حياتهم، ومعالم الأبنية التي تدخل بتصميمها الحداثة العمرانية بشكل واضح، إلا أنها لا تزال قروية من ناحية الحركة السكانية بأغلب أحيائها، ما عدا بعض الشوارع الرئيسية ومركز المدينة الذي يشهد ازدحاماً ملحوظاً في ساعات الصباح والظهيرة بشكل فعلي.
إعداد التقرير: نبيل المير