سوريا وتجارة الكبتاغون.. “صادرات فاقت قيمتها صادرات البلاد القانونية”
سلَّط تقرير لوكالة “فرانس برس” الضوء على إنتاج وتجارة الكبتاغون في سوريا، وأوضحت في تقريرها تحوّل البلاد لـ “دولة مخدّرات”.
ويقول التقرير، إن سوريا الغارقة في نزاع منذ عام 2011؛ تحوَّلت لدولة مخدّرات، لدرجة باتت حبوب الكبتاغون، تُعَدُّ اليوم أبرز الصادرات السورية، وتفوق قيمتها قيمة صادرات البلاد القانونية، وفقَ تقديرات مبنيّة على إحصاءات جمعتها “فرانس برس”.
ويضيف التقرير: “باتت سوريا مركزاً أساسياً لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا، وصولاً إلى دول الخليج، مروراً بدول إفريقية وأوروبية، وتُعتبر السعودية السوق الأول للكبتاغون”.
“رأسمالها خفيف وأرباحها كبيرة”
في منطقة نائية في البقاع اللبناني، يقول شخص لديه علاقات مع عدد من التجار، مكَّنته تلك العلاقات من الاطّلاع والتوسُّط في صفقات كبيرة، عن تجارة الكبتاغون، “رأسمالها خفيف وأرباحها كبيرة”، وفقاً لتقرير “فرانس برس”.
ويتقاسم أربعة أو خمسة تجار كبار، وفق هذا الوسيط، شحنة واحدة ميزانيتها عشرة ملايين دولار تغطّي المواد الأولية وطرق التهريب التي تُعرف بـ”السكّة”، و”الرشاوى”، وتعود بربح قدره /180/ مليون دولار.
ويوضّح “إذا خسروا أول عشرة ملايين، وثاني عشرة ملايين، وحتى ثالث عشرة، بمجرّد أن تنجح شحنة واحدة في المرور، يكون التاجر رابحاً”.
ويقول الوسيط “إنها شبكة واحدة، سورية سعودية لبنانية عراقية أردنية”، مشيراً إلى وجود رابط عشائري غالباً يجمع بين المناطق والبلدان.
ويؤكد الوسيط ومصادر أمنية في المنطقة؛ أن العشيرة الأكثر نفوذاً هي “بنو خالد” التي تُعدُّ الأكبر وتمتد بين سوريا ولبنان والأردن والعراق والسعودية، وتتحدّر منها قبائل متنوعة.
“ما يتمُّ ضبطه ليس سوى رقم بسيط مقارنة بما لم يُضبَط”
في العام 2021، ووفق بيانات رسمية، صادرت القوى الأمنية في دول عدة أكثر من /400/ مليون حبة كبتاغون.
وبحسب ما أظهرت مضبوطات من العام 2022، يبدو أن “صادرات” الكبتاغون ستفوق تلك التي تمّت في العام السابق، وفقاً للتقرير.
ويشير التقرير إلى أن ما يتم ضبطه ليس سوى رقم بسيط جداً مقارنة مع ما لم يُضبَط.
ويقول مسؤولون أمنيون إنَّه، مقابل كل شحنة يتمّ ضَبْطَها، تصل تسع شحنات أخرى إلى وجهتها.
أرباح تفوق حجم الميزانية بثلاث أضعاف
ويتراوح سعر حبة الكبتاغون بين دولارٍ واحدٍ و/25/ دولاراً.
وإذا احتُسب سعر الحبة بخمس دولارات، ووصلت أربع من أصل خمس شحنات إلى وجهتها؛ تتخطّى قيمة تجارة الكبتاغون السنوية عشرة مليارات دولار، ويّعد ذلك أقل تقدير لتلك التجارة الضخمة.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن ثمانين في المئة من تلك التجارة مركزها سوريا.
ووفق مسؤولين أمنيين، يكون الكبتاغون أبرز صادرات تلك الدولة، ويعود عليها بأرباح تفوق حجم ميزانيتها بثلاثة أضعاف.
أجهزة أمنية سورية تتورّط في تجارة الكبتاغون
وتؤكد “فرانس برس” أن “نظام الرئيس السوري” ودائرون في فلكه وشبكة تجّار الحرب المنتشرون في البلاد بشكل هائل؛ هم المستفيدون من تجارة الكبتاغون.
ويقول مستشار سابق للحكومة السورية لوكالة “فرانس برس” من خارج سوريا “لا توجد محرّمات في الحروب، والبلاد كانت ولا تزال في حاجة ماسة للنقد الأجنبي من أجل رفد اقتصاد الدولة”.
ويضيف “استطاعت صناعة الكبتاغون أن ترفد الخزينة، ولو بجزء، من العملة الأجنبية من خلال اقتصاد ظل متكامل، يبدأ من استيراد المواد الأولية، وصولاً للتصنيع وأخيراً التصدير”.
وتتورّط أجهزة أمنية وعسكرية سورية عدة في تلك التجارة، قد تكون أبرزها الفرقة الرابعة التي تتبع ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، وفق ما أفادت “فرانس برس” نقلاً عن مصادر عدة، بينها أمنيون سابقون في سوريا ومهرّبون وخبراء.
وتقول كارولين روز من معهد نيولاينز، “لعبت الفرقة دوراً أساسياً في حماية وتسهيل وتهريب الكبتاغون في حمص واللاذقية، وفي نقل الشحنات إلى مرفأي طرطوس واللاذقية”.
وتُعَدُّ الفرقة الرابعة أبرز الفرق العسكرية المنتشرة في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، وتتمتع بنفوذ كبير في مرفأ اللاذقية في غرب البلاد.
ويشير باحثون في الموضوع الى أن لحزب الله اللبناني دوراً مهماً في حماية صناعة الكبتاغون، وخصوصاً في المنطقة الحدودية، ويتهمه سكان في جنوب سوريا بالوقوف خلف انتشارها في مناطقهم.
“تجارة الكبتاغون تتوسَّع.. وطرق تهريب جديدة”
لم تعد تقتصر تجارة الحبوب المخدرة على الحدود اللبنانية، وفقاً للتقرير، ويعد جنوب سوريا، وتحديداً محافظتا السويداء ودرعا، مَعقِلَاً وطرق تهريب أساسية لحبوب الكبتاغون نحو الأردن، وفق ناشطين وأمنيين سابقين من المنطقة.
في السويداء، دفع التردّي الاقتصادي بشبان كثر للانضمام إلى عصابات محلية تعمل في تخزين وتهريب البضائع، وعلى رأسها الكبتاغون.
ويقول المتحدث باسم “حركة رجال الكرامة”، أبو تيمور “هناك استغلال للوضع المعيشي للسكان”، فضلاً عن فوضى انتشار السلاح في المحافظة.
ويضيف “السويداء منطقة تهريب وتخزين للحبوب”، مشيراً إلى أن أفراد عشائر في البادية المجاورة ينقلون البضائع إلى السويداء، حيث يجري تخزينها ثم تهريبها، غالباً عبر الحدود الأردنية، بالتعاون مع “أكثر من مئة عصابة مسلحة”.
تجارة الكبتاغون تمتدُّ إلى مناطق سيطرة الفصائل التابعة لتركيا
لم تقتصر صناعة وتجارة الكبتاغون على مناطق سيطرة دمشق، إنما دخلت مناطق سيطرة الفصائل التابعة لتركيا أيضاً.
ويقول مهرّب في تلك المناطق لـ”فرانس برس”: “أعمل مع أشخاص في حمص ودمشق، يأتون بالحبوب من مستودعات الفرقة الرابعة”.
وأضاف “نوزّع الحبوب هنا، أو نرسلها إلى تركيا بالتنسيق مع الفصائل، السوق التركي يعتمد علينا كثيراً، نحن بوّابة لهم”.
ويبيع المهرّب، وفق قوله، أيضاً الحبوب لمسؤولين في هيئة تحرير الشام.
ويقول المهرّب: “الفصائل تحتكر تصنيع الكبتاغون في مناطق سيطرتها، ولا يتجرّأ أحد آخر على الأمر، كما أن للفصائل أيضاً حصّة من التهريب”.
ويتابع “تعجّ المنطقة بالفصائل، هي أشبه بغابة والكلّ فيها جائع”.
وبحسب المهرّب، الاسم الأول في تجارة الكبتاغون في المنطقة هو قيادي في فصيل السلطان مراد ويدعى أبو وليد العزة، “لأن لديه علاقات قوية مع الفرقة الرابعة منذ أن كان يتواجد في حمص”.
وتعدّ تركيا مصدراً لمواد أساسية في تصنيع المخدّرات، وفق ما يقول مصدرٌ قضائيٌّ لبنانيٌّ.
ويشير المصدر إلى أن “ديثيل الأثير، أحد أنواع الكلوروفورم، مكوّن أساسي في صناعة الكبتاغون، ومعظمه يدخل من تركيا”.
“نائب سوري” شخصية رئيسية في مجال التهريب
وأشارت مصادر عدة إلى أن “النائب” في مجلس الشعب السوري عامر خيتي، والذي تفرض عليه واشنطن عقوبات اقتصادية، شخصية رئيسية في مجال تهريب الكبتاغون.
ويقول موظف يعمل لديه، لـ”فرانس برس” من خارج سوريا، إنه شاهِدٌ على شُحنات كبتاغون نُقلت إلى أحد مستودعات “خيتي” قرب دمشق.
ويضيف “عائلة خيتي من العوائل المشرفة على الموضوع منذ ما قبل الحرب”، متابعاً “كانت تتم الاستفادة من تجارة المواشي لتهريب المخدّرات، من خلال وضعها بأكياس بلاستيكية داخل أحشاء الماشية”.
ويقول مسؤول أبحاث سوريا في مركز التحليلات العملياتية والأبحاث (كور) إيان لارسون “تحوّلت سوريا إلى المركز العالمي لصناعة الكبتاغون عن إدراك”، مشيراً إلى أنه لم يعد أمام دمشق سوى خيارات تجارية محدودة جراء اقتصاد الحرب والعقوبات القاسية.