ما هي الأهداف التركية وراء تسليم ملف عفرين لهيئة تحرير الشام؟ (2)
حسن حسن
رغم تصريحات قادة هيئة تحرير الشام والمسؤولين الأتراك بانسحاب قوات الهيئة من مدينة عفرين وريفها، إلا أنها تتحرك تحت ستار فصائل “الحمزات، العمشات، أحرار الشام، وفيلق الشام” الموالين لها، وأن الدعاية الإعلامية التي تطلقها بعض المصادر الموالية للهيئة تأتي في إطار تجنب الهيئة أي هجوم عسكري خارجي كونها؛ مدرجة على لوائح الإرهاب الدولي.
ووفقاً لمصادر عسكرية تابعة للمعارضة السورية في المنطقة؛ فإن تركيا بصدد حل مسميات فصائل ما يسمى “الجيش الوطني” وتشكيل جيش موحد يديره مجلس عسكري بقيادة فهيم عيسى “التركماني” متزعم ميليشيات فرقة السلطان مراد. وتأتي هذه الخطوة في إطار اندماج ضمن هذا الهيكل العسكري المزمع تشكيله قريباً، وذلك للتقارب مع دمشق ومحاربة (قسد) وطرد اللاجئين السوريين من تركيا وبيع ملف المعارضة السنية، وأيضاً لتنأى سلطات الاحتلال التركي بنفسها عن مسؤولياتها القانونية مستقبلاً أمام المحاكم الدولية، جراء جرائم الحرب التي ارتكبها جيشها واستخباراتها، إضافة لجرائم فصائل ما يسمى بـ”الجيش الوطني” التابع لها.
مواقف دولية خجولة من ألاعيب تركيا القذرة
يتساءل البعض لماذا لم يستهدف الطيران الروسي أو التحالف الدولي أرتال الهيئة المتقدمة في عفرين؟
ببساطة، لأن التقدم تم بضوء أخضر تركي ضمن إطار مشروع متفق عليه بين بوتين وأردوغان، لجر مسلَّحي المعارضة السورية للتصالح مع دمشق، في سبيل محاربة كل شيء كردي، ولتأمين منطقة نفوذ واسعة للعصابات التركمانية الإرهابية والمتطرفين الجهاديين.
بوتين منح الضوء الأخضر الروسي لهذا المشروع التركي؛ بسبب غرق بوتين في مستنقع أوكرانيا، مقابل صمت تركيا عن ضم مقاطعات لوغانسك وخيرسون وزاباروجيا والدونيتسك في شرقي أوكرانيا إلى روسيا. ليس هذا وحسب؛ بل روسيا هي من عوَّمت العملة التركية مؤخراً، وتخطط لجعل تركيا منطقة بيع وتوزيع النفط والغاز والحبوب الروسية، في مسعى حثيث لتعويم حظوظ أردوغان قبل الانتخابات التركية في يونيو/ حزيران المقبل. مقابل ذلك وافق أردوغان على التخلي عن ملف المعارضة وطرد اللاجئين وتطبيع العلاقات مع حكومة دمشق، مقابل التعاون في محاربة (قسد).
ولذلك، وبعد صد ميليشيات الفيلق الثالث السنية لأرتال جبهة النصرة وهيئة ثائرون عند كفرجنة؛ تدخل الطيران الروسي لصالح النصرة وحلفائه التركمان بطلب تركي، لأن تركيا نفسها لا تستطيع فعل ذلك وستصبح على عداء مكشوف مع أنصار الفيلق الثالث الرافضين للتغازل التركي مع الحكومة السورية، والتنسيق الرفيع بين الطرفين لضرب المسلحين السنة بـ(قسد) قبل التخلي التام عن المعارضة السنية التي رمت كل أوراقها في السلة التركية.
هذه امور منسقة بين الطرفين وعلى أعلى المستويات، وهم يسعون لأن تتقاتل الميليشيات السنية مع (قسد)، بينما تقف الميليشيات التركمانية بعيداً عن الجبهات تعربد ضد المدنيين، الكُرد خصوصاً، وتستولي على ممتلكاتهم.
الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها، وفي تغريدة للسفارة الأمريكية بسوريا، قالت بأنها “تستنكر دخول تنظيم القاعدة إلى مدينة عفرين شمالي حلب، وتُخطر القيادة التركية بطرد تنظيم القاعدة خارج مدينة عفرين بشكل مباشر وفوري”، كما سربت بعض المصادر غير الرسمية بتهديد أمريكي ضمني بدفع (قسد) بغطاء جوي أمريكي للدخول إلى عفرين لطرد تحرير الشام، ليتعهد الأتراك بحل الأمور خلال مدة زمنية لا تتجاوز الخطوط والاتفاقيات المرسومة.
وحسب مصدر سعودي رفيع، جرى اتصال عسكري سعودي مع الجانب التركي، حذّرت فيه السعودية من قتال تنظيم القاعدة لفصيل جيش الإسلام والجبهة الشامية، مضيفاً أن الجانب السعودي رفع برقية استنكار شديدة اللهجة للجانب التركي، ليتعهد الأتراك بوقف القتال والدخول بشكل مباشر لفض النزاع وطرد تنظيم القاعدة من المنطقة بشكل مسرحي فقط.
ظهور المسالخ البشرية والمقابر الجماعية لضحايا المخابرات التركية ومرتزقتها؛ ليس إلا رأس جبل الجليد الذي يكشف جرائم مروّعة ضد الإنسانية يرتكبها الأتراك ووكلاؤهم بحق الكُرد.
عثر على مقبرة جماعية في سجن مدرسة الزراعة التابع لمرتزقة “الحمزات” في مدينة الباب، شمال شرق محافظة حلب، عقب طرده من المقار التي كان يسيطر عليها من قبل مرتزقة “الفيلق الثالث”. وأدت الاشتباكات بين الطرفين إلى طرد الفيلق الثالث لعناصر “الحمزات” من جميع المقار، منها الكلية الحربية وسجن الزراعة، المسلخ البشري، المكان الذي تم العثور فيه على مقبرة لضحايا التعذيب.
جدير بالذكر أن المئات من أهالي عفرين، بينهم أطفال ونساء ممن اختطفتهم الاستخبارات التركية ومسلحو فرقة “الحمزات”، كانوا في ذلك السجن وتعرضوا للإذلال والاغتصاب والتعذيب الهمجي، حيث توفي بعضهم نتيجة لذلك وجرى دفنهم في المقبرة الجماعية والبعض الآخر لايزال مجهول المصير.
وإثر استيلاء ميليشيا تنظيم القاعدة من هيئة تحرير الشام على مقرات الفيلق الثالث في كفرجنة بريف شران، عثر على مقبرة جماعية في القرية التي تتبع منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي.
وتداولت مصادر محلية صوراً للمقبرة الجماعية التي تم العثور عليها أثناء مداهمة سجن كفرجنة، المعروف باسم “المسلخ البشري”، والذي كان يضم مئات المختطفين، معظمهم من أهالي مدينة عفرين.
جدير بالذكر أن معظم الجثامين التي تم العثور عليها في المقبرة هم أشخاص فارقوا الحياة نتيجة التعذيب الشديد، إثر تعرضهم لها في هذا السجن، أو بسبب المرض نتيجة سوء التغذية والظروف الصحية المزرية داخل المعتقلات.
هناك عشرات السجون والمعتقلات التابعة للاستخبارات التركية ومرتزقتها، ويعتبر سجن كفر جنة من أخطر السجون في منطقة عفرين، وكان يمارس فيه جميع أساليب التعذيب والإهانة والاغتصاب، وتحت إشراف المخابرات التركية، حسب شهادات الناجين.
تجديد اتفاقية أضنة بنسخة موسَّعة
مصير الشمال السوري – على المدى البعيد – هو ما نصت عليه اتفاقيات وتفاهمات أستانا، التي جمعت كلاً من إيران وروسيا وتركيا، والذي يقضي بعودة هذه المناطق إلى سلطة «الدولة»، عندما يتم الاتفاق على صيغة وشكل هذه الدولة، معتبرين أن وجود هذه التشكيلات في الشمال السوري المسمى بالمحرر «هو وجود مؤقت وليس دائماً»، لذلك لا يمكن البناء على شكل هذا الوجود لا من حيث الإجراءات القانونية، ولا الدفاعية، كما أن هذا الوجود لا يزال غير شرعي بنظر المجتمع الدولي بما أن هذه التشكيلات هي ذاتها اعترفت بنفسها، بأنها تشكيلات مسلحة خارج سيطرة الدولة، المقصود بها الحكومة السورية في دمشق.
لذلك، الحكومة التركية تريد من دمشق تجديد اتفاقية أضنة. تريد إضافة بعض البنود إلى اتفاقية أضنة، لك كيف؟
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..