تحت تهديد السلاح.. تركيا تجبر السوريين على توقيع استمارات “العودة الطوعية
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش ”إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت بشكل تعسفي مئات اللاجئين إلى سوريا بين فبراير ويوليو من العام الحالي”.
احتجاز واجبار اللاجئين على توقيع استمارات “العودة الطوعية”
ووفقاً لما قالته هيومن رايتس ووتش، فإن “سوريين مرحّلين قالوا إن المسؤولين الأتراك اعتقلوهم من منازلهم وأماكن عملهم وفي الشوارع، واحتجزوهم في ظروف سيئة، وضربوا معظمهم وأساؤوا إليهم، وأجبروهم للتوقيع على استمارات العودة الطوعية، واقتادوهم إلى نقاط العبور الحدودية مع شمال سوريا، وأجبروهم على العبور تحت تهديد السلاح”.
وقالت المنظمة في تقريرها إنها التقت مع /37/ شخصاً ممن رحَّلتهم السلطات التركية.
وأضافت “جميعهم قالوا إنهم رُحّلوا مع عشرات أو حتى مئات آخرين. الجميع قال إنهم أُجبِروا للتوقيع على استمارات إما في مراكز الترحيل أو على الحدود مع سوريا. وأضافوا أن المسؤولين لم يسمحوا لهم بقراءة الاستمارات، ولم يوضحوا ما ورد فيها، لكن جميعهم قالوا إنهم فهموا أن الاستمارات تؤكد موافقتهم على العودة الطوعية إلى سوريا”.
وبحسب المنظمة “البعض قال إن المسؤولين غطّوا بأيديهم جزء الاستمارة المكتوب بالعربية، ومعظمهم أكدوا أنهم رأوا السلطات في مراكز الترحيل هذه تتعامل مع سوريين آخرين بنفس الطريقة”.
نادية هاردمان، باحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش، قالت: “في انتهاك للقانون الدولي، اعتقلت السلطات التركية مئات اللاجئين السوريين، حتى الأطفال غير المصحوبين مع ذويهم، وأجبرتهم على العودة إلى شمال سوريا”.
وأضافت “يبدو الآن أن تركيا تحاول جعل شمال سوريا منطقة للتخلص من اللاجئين”.
وأشار التقرير إلى أن “كثيرين رأوا مسؤولين أتراك يضربون رجالاً آخرين رفضوا التوقيع في البداية، لذا شعروا أن ليس لديهم خيار آخر. وقال رجلان احتجزا في مركز ترحيل في أضنة إنهما خُيّرا بين التوقيع على استمارة والعودة إلى سوريا أو احتجازهما لمدة عام، اختار كلاهما المغادرة لأنهما لم يستطيعا تحمل فكرة قضاء عام في الاحتجاز وكانا بحاجة إلى إعالة عائلاتهما”.
خطابات تغذّي المشاعر المعادية للاجئين من قبل المسؤولين الأتراك
وعلى مدى العامين الماضيين، كان هناك ارتفاع في الهجمات العنصرية والمعادية للأجانب، وخاصة ضدّ السوريين، وفقاً لهيومن رايتس ووتش.
وأضاف تقرير المنظمة “في الفترة السابقة لانتخابات ربيع 2023، يُلقي سياسيون معارضون خطابات تغذّي المشاعر المعادية للاجئين وتقترح إعادة السوريين إلى سوريا التي مزَّقتها الحرب، فيما ردّت حكومة أردوغان بتعهدات بإعادة توطين السوريين في المناطق التي تحتلها تركيا في شمال سوريا”.
“سوريا تظل غير آمنة للعودة”
وبحسب التقرير؛ فإن سوريا تبقى غير آمنة، وأشارت لتعرّض اللاجئين الذين أعيدوا إلى سوريا بين 2017 و2021 من لبنان والأردن لـ”انتهاكات حقوقية جسيمة واضطهاداً على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها”.
ويشعر المرحَّلون قسراً أنهم عالقون، وغير قادرين على الذهاب إلى ديارهم أو العيش وسط عدم الاستقرار والاشتباكات في الشمال السوري.
فراس (31 عاماً)، وهو من ريف دمشق ورُحِّل من تركيا في يوليو/ تموز 2022 ويعيش الآن في عفرين، قال في مقابلة عبر الهاتف لمسؤولي المنظمة: “لا أستطيع العودة إلى دمشق لأن الوضع خطير جداً. هناك قتال واشتباكات في عفرين، فماذا عساي أن أفعل؟ وإلى أين أذهب؟”.
القانون الدولي وتمويل إدارة الهجرة في تركيا من قبل الاتحاد الأوروبي
وتقول هيومن رايتس ووتش إن تركيا طرفٌ في “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسية”، وكذلك في “الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”، وإن كلاهما يحظران الاعتقال والاحتجاز التعسفيين والمعاملة اللاإنسانية والمهينة. إذا احتجزت تركيا شخصاً لترحيله، حتى دون وجود احتمال واقعي لفعل ذلك، ويمكن أن يتعرّض لخطر في بلد المقصد، أو إذا كان الشخص غير قادر على الاعتراض على ترحيله، يكون الاحتجاز تعسفياً”.
وأضافت “التزامات تركيا بموجب الاتفاقية الأوروبية والعهد الدولي، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية اللاجئين لعام 1951 أيضاً؛ تفرض عليها احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطراً حقيقياً بالتعرض للاضطهاد أو التعذيب أو سوء المعاملة، أو قد تكون فيه حياته مهدّدة”.
وشددت على أنه لا يجوز لتركيا استخدام العنف أو التهديد بالعنف، أو الاحتجاز أو إكراه الناس على العودة إلى أماكن يواجهون فيها خطراً.
وكانت تركيا قد اتفقت مع الاتحاد الأوروبي في مارس/ آذار من عام 2016 لتوقيع اتفاقية تنص على ضبط أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى الاتحاد الأوروبي، من خلال إعادتهم لتركيا، لتكون بلداً ثالثاً آمناً لإعادة طالبي اللجوء من السوريين إليها.
وتقول “رايتس ووتش”؛ إن تركيا لم تستوفِ أبداً معايير الاتحاد الأوروبي كبلد ثالث آمن للاجئين على النحو المحدَّد في قانون الاتحاد الأوروبي.
وأضافت “تُظهر عمليات الترحيل العنيفة الأخيرة؛ أن أي سوري يُعاد قسراً من الاتحاد الأوروبي إلى تركيا سيواجه خطر الإعادة القسرية إلى سوريا”.
وقالت نادية هاردمان: “على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه الاعتراف بأن تركيا لا تفي بمعاييره المتعلقة بدولة ثالثة آمنة، وأن يُعلِّقَ تمويله لاحتجاز المهاجرين ومراقبة الحدود، إلى أن تتوقف عمليات الترحيل القسري. تصنيف تركيا كدولة ثالثة آمنة لا يتماشى مع حجم عمليات ترحيل اللاجئين السوريين إلى شمال سوريا، على الدول الأعضاء ألا تتخذ هذا التصنيف، وعليها التركيز على إعادة نقل طالبي اللجوء عبر زيادة أعداد إعادة التوطين”.
وتقول مفوضية الاتحاد الأوروبي، إنها قدمت نحو 3.34 مليارات يورو من المساعدات المالية لتركيا منذ عام 2021 لدعم اللاجئين.
توصيات هيومن رايتس ووتش لتركيا:
وقدَّمت منظمة هيومن رايتس ووتش جملة من التوصيات في تقريرها للحكومة التركية، والتي جاءت على النحو التالي:
1 – إنهاء عمليات الاعتقال والاحتجاز والترحيل التعسفية للاجئين السوريين إلى شمال سوريا.
2 – ضمان عدم استخدام القوى الأمنية ومسؤولي الهجرة العنف ضد السوريين أو غيرهم من المواطنين الأجانب المحتجزين، ومحاسبة أي مسؤول يستخدم العنف.
3 – التحقيق بشكل مستقل في الإجراءات الرامية إلى فرض أو خداع أو تزوير توقيع أو بصمات المهاجرين على استمارات “العودة الطوعية”.
4 – السماح لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالوصول بحرية إلى مراكز الترحيل، ومراقبة عملية الحصول على إذن من السوريين بإعادتهم إلى سوريا للتأكد من أنها طوعية، ومراقبة المقابلات وإجراءات الترحيل لضمان عدم استخدام مسؤولي الشرطة أو الهجرة للعنف ضد السوريين أو غيرهم من المواطنين الأجانب.
توصيات هيومن رايتس ووتش للمفوضية الأوروبية:
وإلى جانب توصيات المنظمة لتركيا؛ قدمت جملة أخرى من التوصيات للمفوضية الأوروبية، والتي جاءت على النحو التالي:
1 – الإيضاح علنا أن تركيا ليست بلدا ثالثاً آمناً بموجب المعايير المنصوص عليها في المادة 38 من توجيه الاتحاد الأوروبي المعني بإجراءات اللجوء.
2 – الضغط على اليونان لإلغاء القرار الوزاري المشترك الذي يعتبر تركيا بلداً ثالثاً آمناً.
3 – الطلب من وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي إعداد تقرير جديد عن تركيا كبلد منشأ بشأن تصنيفها كبلد ثالث آمن، والتأكد من أن هذا يشمل وضع مواطني البلدان الثلاثة في تركيا، بما في ذلك الأشخاص الذين يعبرون تركيا أو يلتمسون الحماية الدولية فيها.
4 – ربط أي تمويل من الاتحاد الأوروبي لمراكز الترحيل بالوصول الكامل ودون عوائق لموظفي المراقبة التابعين لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والاتحاد الأوروبي وغيرهم من المراقبين المستقلين، بما في ذلك إمكانية إجراء مقابلات مع المحتجَزين لتقييم مدى طوعية العودة.
5 – إعداد تقييم عام لأثر ما يحدث على حقوق الإنسان، والضغط على تركيا للسماح بآلية إبلاغ مستقلة من أجل ضمان عدم مساهمة تمويل الاتحاد الأوروبي لإدارة الحدود ولمراكز الترحيل في تركيا في انتهاكات حقوق الإنسان أو إدامتها.
6 – الإبلاغ علناً، عن إجراءات السلطات التركية لترحيل اللاجئين السوريين بشكل غير قانوني، والإجبار أو الإكراه على توقيع استمارات “العودة الطوعية” في مراكز الترحيل، بما في ذلك تلك التي تلقت تمويلاً من الاتحاد الأوروبي.
7 – دعوة تركيا علناً إلى وقف عمليات الترحيل، والسماح لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمراقبة ما إذا كان السوريون المحتجزون يرغبون في البقاء في تركيا، أو العودة طواعية إلى سوريا.