ما هي الأهداف التركية وراء تسليم ملف عفرين لهيئة تحرير الشام؟ (1)
حسن حسن
دخلت “هيئة تحرير الشام” إلى منطقة عفرين وسيطرت عليها بشكل شبه كامل، بدعم وطلب من المخابرات الداخلية التركية، لتتوجه لاحقاً إلى إعزاز، حيث كان مخطط لها اقتحام مناطق درع الفرات، لكنها انسحبت بسبب الرفض الشعبي لها في المنطقة.
عملية السيطرة على عفرين ليست وليدة الصدفة، فقد عقد اجتماع بين قادة الفصائل التركمانية التابعة لتركيا ومتزعمي الهيئة، بحضور مسؤولين أتراك وشخصية من المخابرات القطرية في “سرمدا” بتاريخ 25 يونيو/ حزيران الماضي؛ بهدف تأسيس حزام أسود من التنظيمات المتطرفة انطلاقاً من الريف الجنوبي لمدينة عفرين، وصولا إلى غرب مدينة كوباني بريف حلب ورأس العين بمحافظة الحسكة، كجزء من تفاهمات أستانا.
أما أرتال “الهيئة” التي انسحبت من عفرين، فهي القتالية منها فقط والتي وصلت لـ”كفرجنة” وإلى مشارف إعزاز. هناك ميليشيات وعصابات تابعة ل/26/ فصيل أسستها الاستخبارات التركية وهي جميعها موجودة في عفرين ومناطق “درع الفرات”، وترتكب شتّى أنواع الانتهاكات، وسط حالة من الفوضى والاقتتال اليومي بين هذه المافيات، والآن البديل هو “النصرة” التي هي الفزّاعة والهراوة التركية الغليظة ضد الفصائل السنية المتمردة التي تعصي الأوامر التركية.
مجموعات المعارضة السنية شبه الإخوانية هذه، وبعد أن تحوّلت إلى مرتزقة لدى الاتراك لمحاربة (قسد)، ولاستخدامها في مهام عابرة للحدود في ليبيا وأذربيجان؛ أصبحت الآن ضعيفة وغير فعّالة. الأتراك سوف يبقون على وجودها فقط للاستخدام وقت الحاجة. لكنها لن تمنحهم المزيد من الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي. علاوة على ذلك؛ سيحاولون إيجاد بدائل لهم في عفرين وأماكن أخرى عبر تحالف “هتش” مع التركمان.
أهداف تنظيم القاعدة من تنفيذ المخطط التركي الروسي
على أية حال؛ أهداف “هيئة تحرير الشام”، الذراع السوري لتنظيم “القاعدة”، معروفة، وهي “الحصول على حصة من عائدات المعابر، وتقديم نفسها بوصفها القوة الوحيدة المنضبِطة في الشمال السوري والقادرة على تقديم خدماتها لكل الأطراف، بما فيها تركيا والنظام السوري”، وتحرك “الهيئة” في هذا الوقت يأتي استعداداً لأي استحقاقات مقبلة قد تؤدي إلى تقارب بين تركيا والنظام، وهي تريد تقديم أوراق اعتمادها لديهما من أجل تسليمها المنطقة، بعد إلحاق الفصائل التركمانية والمتمردين السنة المرتبكة بالإخوان المسلمين مثل ميليشيات “فيلق الشام” و”أحرار الشام” المنضوية ضمن ما يسمى “الجيش الوطني السوري” التابع لتركيا بها، تحت ذريعة “الاندماج أو وحدة الصف”. لكن أردوغان سيجعل من “الجولاني” وتنظيمه كبش الفداء في مرحلة لاحقة، بعد أن ينفذ المهام الموكلة له على أحسن وجه؛ لأن هدف تركيا في النهاية هو فقط التركمان والشريط الحدودي كإقليم لهم وتحت الحماية التركية.
أردوغان يدرك جيداً بأن المجموعات القاعدية مثل “داعش والنصرة” لا شرعية لها في العالم ويمكنه التخلص منهم بأي شكل كان عند انتفاء الحاجة لها.
“هيئة تحرير الشام” سحبت مساء يوم الاثنين رتلين من قواتها من عفرين باتجاه إدلب، وذلك بعد انتهاء المعارك مع ميليشيات “الجبهة الشامية” الموالية لتركيا أيضاً، فيما أبقت على قوات “جهاز الأمن العام” وانتشرت على كافة الحواجز في مدينة عفرين وريفها.
ووفقاً لنشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الهيئة سحبت فقط القوات المقاتلة المختصة بالاقتحام، وأبقت القوات العسكرية غير القتالية في النقاط التي سيطرت عليها، حيث يتم تصوير الأرتال على أنها تنسحب من عفرين، بينما تدخل هذه الأرتال من جديد عبر مناطق سيطرة “فيلق الشام” الإخواني من ناحية “شيراوا” بريف عفرين، ومعبر “دير بلوط” بناحية جنديرس.
القصف الروسي كان على ميليشيات “صقور الشام” التابع لـ”الفيلق الثالث”، ربما جاء بطلب تركي، ولم يستهدف قوات وأرتال “الهيئة”. كل تحركات الأخيرة والفصائل التركمانية، منسَّقة مع تركيا، وبعلم روسي، في مرحلة تحاول تركيا أن تروّج لممثل تنظيم “القاعدة” في بلاد الشام أمام المجتمع الدولي، على أنه تغيَّر وينبذ الإرهاب.
موقف الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من تمدد “النصرة” في هذه المرحلة
حذّرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من سيطرة «هيئة تحرير الشام» (هتش) على مدينة عفرين الكردية بريف حلب الشمالي، بدعم وتخطيط تركيين. ورأت أنّ تحركاتها تهدف إلى «إنشاء حزام أسود من العناصر الإرهابية على خطوط التماس مع (قسد)، وربما تستخدمها تركيا في أي عدوان محتمل». في حين ناشد «المجلس الوطني الكردي» الشريك بالإئتلاف السوري والمدعوم من تركيا، الدولة التركية التي تحتل المنطقة، “بتحمل مسؤولياتها لإيقاف العمليات العسكرية وإخراج الفصائل المسلحة من عفرين، وتسليم إدارتها لسكانها الأصليين”.
من جانبه أوضح السيد “آلدار خليل” أن الدولة التركية تدخلت في الوضع السوري منذ بداية الأزمة السورية وحتى الآن، وأرادت أن تسخر التغييرات التي تحدث في سوريا لصالحها. ونتيجة لذلك؛ كانت السبب في أن تتحول مرحلة الاحتجاجات السلمية إلى مواجهات، وغيّرت مناهج وسياسات المعارضة وحوَّلتهم إلى مرتزقة، وبالتالي أطالت أمد الأزمة.
وحسب “خليل”؛ فإن تركيا تريد الآن تحييد الإئتلاف وما تسمى بـ”الحكومة المؤقتة” والفصائل السنية الإخوانية المقربة منها في المناطق المحتلة، في مسعى لإرضاء دمشق. مقابل هذا التقارب، المعارضة السنية المدعومة تركياً غير مقبولة لدى دمشق، لذلك تطالب بألا تكون الأراضي التي تحتلها تركيا تحت سيطرتهم. “أعطوا هذه المناطق لداعش والنصرة، لا مشكلة في ذلك، لكنني لا أقبل أن تكون في أيدي المعارضة”، هكذا تقول دمشق.
وأضاف “خليل” بأن هذا الوضع هو أحد مفرزات هذه المساعي. من جهة، تخفف تركيا العبء عن إدلب، فيما تستعد حكومة دمشق للسيطرة على معبر باب الهوى. من جهة أخرى، تريد تركيا منح “هيئة تحرير الشام” منطقة مثل عفرين لإقناعها من أجل إخراجها من بعض مناطق إدلب. إذا لم تكن عفرين، فإنهم يريدون منحها مناطق مثل “الباب، جرابلس، أو إعزاز”، والغرض من ذلك هو إيجاد طريقة للمصالحة مع دمشق.
في نفس الوقت هناك مخطط روسي تركي من أجل إعادة سكان معرة النعمان وخان شيخون وبحماية الضامنين التركي والروسي، مع خروج قوات النظام العسكرية منهما وبقاء الدوائر والمؤسسات الحكومية المدنية فيها.
ماذا لو زجّت تركيا بـ”هتش” في المعركة ضد (قسد)؟
يرى الكاتب والمحلل السياسي “خورشيد دلّي” بأن التوجه التركي بزج «هتش» في معركة محتملة ضد قوات «قسد» سيلقى رفضاً أمريكياً، ومقاتلو (قسد) سيواجهون عناصر «الهيئة» بقوة حازمة إذا تحركت نحو مدينتي تل رفعت ومنبح بريف حلب.
وأوضح “دلي” بأن دخول “النصرة” والاشتباكات مع الفصائل السنية شبه الإخوانية؛ لا يمكن فصلها عن الاستدارة التركية نحو دمشق، وقال إن تطورات مدينة عفرين «المحتلة» تدخل في إطار مساعي تركيا لترتيب أوراقها وأدواتها في الشمال السوري.
بالتأكيد توقيت هذه الاشتباكات له أهمية، إذ إنه يأتي تزامناً مع الاستدارة التركية نحو دمشق. أنقرة تريد من وراء تحركات “هيئة تحرير الشام” تحقيق ثلاثة أهداف بحسب “خورشيد دلّي”:
١ – أول هذه الأهداف يكمن في تعويم «هتش» في الشمال السوري، وجعل تقدم عناصرها وسيطرتها على مناطق جديدة بريف حلب بمثابة القوة المتهيئة للقيام بعملية عسكرية محتملة ضد مواقع (قسد)، «تحديداً في منطقتي تل رفعت ومنبج، بعد أن وجدت رفضاً إقليمياً ودولياً لعمليتها هناك».
٢ – أما ثاني الأهداف التركية، فهو توجيه ضربة استباقية للفصائل السورية المسلحة التي أظهرت مؤخراً رفضها للتطبيع التركي مع النظام السوري الحاكم. وبرأي “دلي”، فإن «أنقرة تريد بذلك قطع الطريق أمام المسعى الأمريكي لتقوية هذه الفصائل، وجعلها عقبة في وجه استكمال الاستدارة التركية نحو دمشق».
٣ – ويتعلق الهدف الثالث بترتيب الأوراق التركية في الشمال السوري، وجعل «هتش» ورقة قوية في التفاوض مع الجانب الروسي وحكومة دمشق مستقبلاً.
وأشار “دلّي” إلى رغبة أنقرة بتحقيق مكاسب كبرى من أي عملية تسوية مع موسكو ودمشق، «سواء في القبول بشروطها لإعادة اللاجئين، أو التوصل إلى تفاهمات للحد من نفوذ (الإدارة الذاتية)، كل ذلك مقابل السعي مستقبلاً لوضع النصرة على طاولة البازار السياسي».
فرّق تسد تركي ونوايا خبيثة ومخططات شريرة
هدف تركيا المستتر هو إنشاء إقليم تركماني ضمن مناطق “الميثاق المللي” المزعومة، وضمه لها. ويمتد مشروعها في المرحلة الحالية من جبل التركمان وحتى راس العين، وتستخدم فيها “النصرة” لتأديب وتصفية الفصائل العربية السنية، وكذلك محاربة (قسد) ومحاولة احتلال المناطق الكردية الأخرى مثل كوباني. ومن ثم تخطط لاحتلال المنطقة الممتدة من “الدرباسية” حتى “ديرك”، مروراً بـ”شنكال” و”الموصل” و”كركوك”، وصولاً لـ”السليمانية”، وذلك بمساعدة أطراف كردية وعراقية، حتى يكتمل تنفيذ مشروع “الميثاق الملّي” السيء الصيت.
في مرحلة لاحقة؛ عندما تنتفي الحاجة لوجود “هتش”، ستشن الفصائل التركمانية التابعة للمافيا والاستخبارات التركية، وبمساعدة الجيش التركي هجوماً عليها وتفكّكها، لتسوق تركيا للعالم كذبة بأن “التركمان” حاربوا إرهاب “القاعدة” ويستحقون الدعم الدولي مثل (قسد).
إن تركيا، ومن خلال تحريك “هيئة تحرير الشام”، ربما تكون قد أرادت أيضاً توجيه صفعة لـ”الجبهة الشامية” وتحجيمها، بسبب عدم إطاعتها الأوامر التركية بشكل أعمى، ومحاولاتها سابقاً الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية، فضلاً عن رغبة تركيا في تهيئة الأوضاع الميدانية في الشمال السوري لاستقبال مئات آلاف السوريين المقيمين على أراضيها، والذين قد يترددون في العودة بسبب الفوضى الأمنية التي تعيشها مناطق الاحتلال التركي في الشمال السوري.
حالياً؛ “هيئة تحرير الشام”، ومن وجهة النظر التركية؛ هي الممثل السوري المحلي الوحيد الذي يمكنه ضبط جرائم وتجاوزات عصابات ما يسمى بـ”الجيش الوطني”، وبتكلفة منخفضة على تركيا.
على كل حال، تركيا وهذه المجموعة المرتبطة بالقاعدة تربطهما علاقة تكافلية، و”هيئة تحرير الشام” مصدر قوة لأنقرة.
“الجولاني” و”سيف أبو بكر” قائد ميليشيا “فرقة الحمزة”، و”محمد الجاسم/ أبو عمشة”، قائد ميليشيا “فرقة السلطان سليمان شاه”، لديهم خطة واضحة تستهدف تفكيك “الفيلق/ الجبهة الشامية” بشكل كامل، لكن تركيا تريد فقط تحجيمه وإضعافه.
وبينما يتفق الجميع تقريباً على أن أنقرة كانت تتحين بالفعل الفرصة المناسبة من أجل تأديب “الجبهة الشامية” وتحجيم قوتها، بسبب نزوع الجبهة للاستقلالية والشغب الذي تبديه في العلاقة بينهما، يرى مصدر في المعارضة السورية أن هدف تركيا أبعد وأهم من محاسبة قيادة “الفيلق الثالث”.
قال مصدر مقرّب من حكومة “حزب العدالة” إن أنقرة انتهت منذ شهرين تقريباً من إعداد خطة لإصلاح الأوضاع الأمنية والإدارية في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” بالشمال، كي يكون جاهزاً لاستقبال مئات آلاف السوريين المقيمين على الأراضي التركية ويرغبون بالعودة إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ومناطق النظام نفسها، لكنهم يريدون قبل ذلك أن يروا سلطة قوية وضمانات أمنية هناك، تُنهي التعديات وتقمع التجاوزات وتوفر الخدمات الأساسية والاستقرار، وهو الأمر الذي لا يمكن توفيره في ظل عربدة عصابات “الجيش الوطني”.
يتبع…
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..