لماذا لا يمكن للغاز “الأذري” أن يكون بديلاً عن الغاز الروسي لأوروبا؟
حـسـن حـسـن
منذ انطلاق الحرب في أوكرانيا؛ تسعى دول الاتّحاد الأوروبيّ لتقليص اعتمادها الكبير على الغاز الروسي، فلجأت إلى وسائل عديدة، يبقى أبرزها على المديَيْن القريب والمتوسّط، تنويع مصادر الغاز من الدول المصدّرة، لتعويض النّقص الحادّ في الإمدادات الروسية.
يستورد الاتحاد الأوروبي 90% من الغاز الذي يستهلكه، ويأتي نحو 40% منه من روسيا، أي ما يعادل نحو 150 مليار متر مكعب سنوياً.
وتستورد ألمانيا 55 في المئة من احتياجات الغاز من روسيا، وتُنقل معظم الإمدادات عبر خط أنابيب “نورد ستريم – 1″، والباقي يأتي عبر خطوط أنابيب أرضية.
وكانت روسيا قد قلّصت التدفقات عبر خط الأنابيب “نورد ستريم – 1” الذي ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، إلى 40% في يونيو/ حزيران و20% في يوليو/ تموز. وقطعت أيضاً الإمدادات عن عدة دول أوروبية مثل بلغاريا والدانمارك وفنلندا وهولندا وبولندا، وخفضت التدفقات عبر خطوط أنابيب أخرى منذ بدء حربها على أوكرانيا، فما البدائل المتاحة أمام أوروبا إذا انقطعت إمدادات الغاز الروسي؟
في العادة، تزوّد روسيا أوروبا بنحو 40% من احتياجاتها من الغاز، معظمها عبر خطوط أنابيب “نورد ستريم –1″ و”نورد ستريم – 2” إلى ألمانيا وبولونيا وفرنسا، وبلغت الإمدادات في العام الماضي نحو 155 مليار متر مكعب، ويصل الغاز الروسي إلى النمسا وإيطاليا وسلوفاكيا ودول أخرى في أوروبا الشرقية عن طريق أوكرانيا. لكن روسيا بدأت بتقليص الإمدادات بسبب الدعم الأوروبي لأوكرانيا في الحرب.
وأغلقت أوكرانيا خط الأنابيب “سوخرانوفكا” الذي يمر في الأراضي التي سيطرت عليها روسيا في الشرق، مما جعل الدول الأوروبية تبحث عن إمدادات بديلة، ويشمل ذلك بعض الغاز الروسي الذي أوقفت موسكو ضخه بعد رفض طلبها دفع الثمن بالروبل.
هل يمكن للغاز الأذربيجاني أن يكون بديلاً عن الغاز الروسي؟
تتجه أنظار أوروبا إلى غاز أذربيجان، بصفته أحد الحلول العاجلة لتأمين إمدادات إضافية من الغاز الطبيعي لتحمي شعوبها من قسوة الشتاء المقبل، إذا قطعت روسيا إمداداتها عن القارّة، مع تصاعد حدّة التوترات بين الطرفين.
ونقلت أذربيجان العام الماضي أكثر من 8 مليارات متر مكعب من الغاز إلى دول أوروبية، مثل إيطاليا، عبر خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي، المحطة الأخيرة من شبكة أنابيب ممر الغاز الجنوبي.
وبلغت مبيعات غاز أذربيجان في الخارج نحو 7.6 مليار متر مكعب خلال المدة من يناير/ كانون الثاني، إلى نهاية إبريل/ نيسان الماضيين، بزيادة بنسبة 17.4% عن المدة نفسها من العام الماضي.
ويوصِلُ خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي، غاز أذربيجان إلى الأسواق الأوروبية منذ 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020، وتُصدِّر أذربيجان 10 مليارات متر مكعبة من الغاز الطبيعي إلى أوروبا سنوياً، وبإمكانها زيادة هذه الكميات.
ويبدأ خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي عند الحدود التركية اليونانية، ويمتد على طول 773 كيلومتراً على الشاطئ، و105 كيلومترات في الطرق البحرية التي تعبر اليونان وألبانيا باتجاه وجهته النهائية في إيطاليا. وتُصدِّر أذربيجان 10 مليارات متر مكعبة من الغاز الطبيعي إلى أوروبا سنوياً، وبإمكانها زيادة هذه الكميات.
وقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورزولا فون دير لاين” أن الاتحاد الأوروبي يخطط لمضاعفة شحنات الغاز التي يحصل عليه من أذربيجان في إطار شراكة جديدة في مجال الطاقة. وقالت “فون دير لاين” في كلمة لها: «إن التكتل يريد زيادة شحنات الغاز من ثماني مليارات متر مكعب سنوياً في الوقت الحالي، إلى 20 مليار متر مكعب. ويرمي الجانبان إلى الوصول لهذه الكمية بحلول عام 2027».
من جهته أشار المتحدث باسم الرئاسة التركية “إبراهيم قالن” إلى أن خط أنابيب الغاز العابر للأناضول “تاناب” يمثل بديلاً لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، وتابع أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحدث مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف، حيث قال أردوغان: دعونا نملأ الفراغ”.
إلا أن الاتفاقية الموقَّعة بين باكو وأنقرة بشأن خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول “تاناب”، تنص على أن تركيا هي صاحبة الأولوية في الاستفادة من أي سعة إضافية لخط الأنابيب. وكذلك تنص الاتفاقية الموقَّعة بين تركيا وأذربيجان في 26 يونيو/ حزيران 2012، على منح تركيا الأولوية في الاستفادة من زيادة العرض وزيادة سعة خط أنابيب “تاناب”.
وتنص الاتفاقية على منح الأولوية للمشترين داخل تركيا للاستفادة من الغاز الطبيعي الأذري المنقول عبر خط أنابيب “تاب”، في حال رفع السعة السنوية إلى أكثر من 16 مليار متر مكعب، وفي حال رفع السعة إلى ما فوق 32 مليار متر مكعب سنوياً، تخضع الأولوية في الاستفادة من الكميات الإضافية إلى الاتفاق بين أنقرة وباكو.
وبناءً على ذلك؛ يجب على الاتحاد الأوروبي الاتفاق أولاً مع تركيا والحصول على موافقتها، في حال رغب في الاستفادة من كميات إضافية من الغاز الأذري.
وتمتلك أذربيجان احتياطي مؤكد من الغاز الطبيعي يصل إلى 1.3 تريليون متر مكعب، حيث تحتاج لتنفيذ استثمارات إضافية من أجل زيادة إمدادات الغاز إلى أوروبا.
وتبلغ سعة خط أنابيب “تاب” نحو 10 مليارات متر مكعب سنوياً، وهو القسم الأوروبي من مشروع “تاناب”، الذي تم إنشاؤه في إطار مشروع الممر الجنوبي للغاز، حيث تخطط أذربيجان لمضاعفة سعة هذا الخط، وترى أنه من الممكن من الناحية الفنية مضاعفة سعة خط أنابيب “تاناب” من 10 إلى 20 مليار متر مكعب سنوياً.
ويتكون الممر الجنوبي للغاز، المكون من خط الأنابيب العابر للأناضول “تاناب”، وخط البحر الأدرياتيكي “تاب”، فضلاً عن جنوب القوقاز، ويهدف لنقل الغاز إلى أوروبا.
ويرى خبراء إمكانية رفع سعة خط أنابيب “تاناب” من 16 إلى 24 مليار متر مكعب سنوياً في البداية، ثم رفع السعة بعد ذلك إلى 31 مليار متر مكعب، وهو ما لا يشكل سوى خُمس احتياجات الاتحاد الأوروبي.
إلا أنه من غير الممكن القيام بذلك قبل 5 سنوات؛ إذ إن رفع السعة يستلزم تنفيذ استثمارات جديدة إضافة إلى توقيع بروتوكولات إضافية بين الدول.
ولفت إلى أن “تاناب” هو مشروع بتعاون كامل بين تركيا وأذربيجان.
فما هي الدول التي يمكنها فعلاً تعويض أوروبا عن النّقص بالإمدادات الروسيّة؟
الدول الأوروبية المنتجة للغاز؛ تسعى لتعويض النّقص بإمدادات الغاز الرّوسيّة من خلال الإنتاج الذاتي، فزادت مؤقتاً من إنتاج للغاز، على غرار الدانمارك التي زادت من إنتاجها عبر الاستعانة بحقول حديثة العهد في بحر الشمال.
وبدأت رومانيا استخراج رواسب الغاز من البحر الأسود مع شركة «البحر الأسود للنفط والغاز BSOG” الرومانية، مدعومة بشركة الأسهم الخاصة الأميركية «كارلايل غروب LP» والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.
كما أنّ دولاً أخرى كألمانيا، زادت من عمليات شراء الغاز من النرويج وهولندا لاستكمال احتياطاتها قبل الشتاء المقبل، كجزء من خطّة التنويع في مصادر الطاقة.
1 – الولايات المتّحدة:
الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج ومستهلك للغاز الطبيعي في العالم، وتنتج سنوياً نحو 830 مليار متر مكعب من أصل الإنتاج العالمي البالغ ثلاث تريليونات متر مكعب، بينما تنتج روسيا نحو 600 مليار متر مكعب. شكّل الغاز الأمريكي، بديلاً أساسياً للاتّحاد الأوروبي للاستعاضة عن الغاز الروسي، بحكم القدرات الإنتاجيّة الكبيرة للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة.
ذكرت وكالة «رويترز»، أنّ أوروبا زادت بشكل كبير استيراد الغاز الأمريكي لتعويض 155 مليار متر مكعّب من حاجة القارّة السنوية إلى الغاز الروسي.
وأشارت وكالة الإحصاء الأمريكيّة (إدارة معلومات الطاقة الأمريكيّة) في 25 يوليو/ تموز، إلى أنّ الولايات المتحدة صدّرت 68 في المائة من غازها المُسال إلى أوروبا خلال النّصف الأوّل من هذا العام، أي 39 مليار متر مكعّب من الغاز، مقارنة مع 34 مليار متر مكعّب صدّرته الولايات المتحدة إلى أوروبا خلال سنة 2021 بكاملها. وبذلك أصبحت الولايات المتّحدة في العام الحالي، المصدّر الأوّل في العالم للغاز الطبيعي المُسال، نتيجة الزيادة الكبيرة في الطلب الأوروبي على الغاز الأمريكي.
٢ – قطر:
أظهرت دراسة لمركز الأبحاث الإيطالي (معهد الشؤون الدّوليّة)، أنّ حجم الغاز القطري بلغ 24 في المائة من إجمالي واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المُسال في سنة 2021.
ووفق الدراسة؛ أبدت قطر استعدادها للمساهمة في تحسين أمن الطاقة الأوروبي وخطط التنويع. ومع ذلك، فإنَّ احتمال حصول أوروبا على كميات إضافية من الغاز القطري الطبيعي المُسال على المدى القصير لا يزال بعيد المنال. وذلك لأنّ قطر تعاني حالياً من نقص في القدرة على تصدير الغاز الطبيعي المُسال؛ إذ تُباع أكثر من 70 في المائة منه للمستوردين الآسيويين من خلال عقود طويلة الأجل؛ مما يترك لدوحة قدرة محدودة على المناورة لزيادة الحصص المخصصة لأوروبا. ومع ذلك، يمكن لقطر على المدى الطويل، زيادة صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي.
٣ – الجزائر:
أشارت وكالة الصحافة الفرنسية، إلى أنّ الجزائر تؤمّن نحو 11 في المائة من استهلاك القارّة الأوروبية للغاز الطبيعي. وقد توصّل رئيس الحكومة الإيطاليّة “ماريو دراغي” في 18 يوليو/ تموز، إلى اتفاق مع الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبّون” بقيمة 4 مليارات دولار، يقضي بالتعاون في مجال الطّاقة وزيادة صادرات الغاز الجزائري إلى إيطاليا، لتصبح الجزائر أكبر مورّدي إيطاليا بالغاز، متقدّمة بذلك على روسيا.
وأعلنت مجموعة «سوناطراك» النفطية الجزائرية، أنّ الجزائر يزوّد إيطاليا بما مجموعه نحو 20 مليار متر مكعب من الغاز في عام 2022 ككل، قبل الاتفاق الأخير الذي يضيف أكثر من مليار متر مكعب.
وأوضحت «سوناطراك» في 25 يوليو/ تموز، أنها اكتشفت ثلاثة حقول للنفط والغاز في الصحراء الجزائرية، أحدها بالشراكة مع شركة الطاقة الإيطاليّة «إيني»؛ مما يعزّز من إمكانيّة زيادة صادرات الغاز الجزائري إلى أوروبا في السنوات القادمة.
وذكرت قناة «فرانس 24» الفرنسيّة، أنَّه منذ مطلع العام 2022، صدَّرت الجزائر إلى إيطاليا 13.9 مليار متر مكعب من الغاز، ما يتخطى بنسبة 113 في المائة الكميات المقررة بالأساس.
٤ – مصر وإسرائيل:
يُعدّ مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط «إيست ميد» أحد المشاريع الكبيرة التي يتطلّع إليها الاتحاد الأوروبي لإمداده بالغاز الطبيعي من شرق المتوسّط. ويمرّ الخط بإسرائيل وقبرص، وصولاً إلى اليونان، وينقل الغاز من شرق المتوسّط باتجاه دول الاتحاد الأوروبي.
ووفقاً لشبكة «دويتشه فيله» الألمانيّة، يستفيد هذا المشروع من الأموال الأوروبيّة لتغطية جزء من الأعمال التحضيريّة.
ورأى الخبير الإستراتيجي الإيطالي “دانييلي روفينيتي”، أن خط «ميد إيست» أصبح أمراً ملحاً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وضرورياً لوضع خطط تنويع إمدادات الطاقة وإنهاء الاعتماد على الغاز الروسي.
من جهة أخرى، قال الخبير في مركز “بريو” القبرصي، الدكتور “زينوناس تزياراس”، إنّ مشروع خط أنابيب «ميد إيست» لا يزال يواجه مشاكل، منها أنّه غير قادر على تلبية احتياجات أوروبا العاجلة من الطاقة.
وقالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكيّة، إنّ مصر وإسرائيل تتطلّعان من خلال مذكّرة تفاهم ثلاثية جمعتهما بالاتّحاد الأوروبي في 15 يونيو/ حزيران 2022، لزيادة صادراتهما من الغاز الطبيعي لأوروبا. فهذا الاتفاق يهدف إلى تصدير إسرائيل غازها الطبيعي من خلال خطوط الأنابيب الموجودة، وصولاً إلى الموانئ المصريّة، حيث يُضغط الغاز ويُسال في مصر، ثم يُنقل في سفن إلى أوروبا.
٥ – مصادر بديلة للطاقة:
يمكن لبعض الدول أن تسعى لسد الفجوة في إمدادات الطاقة، من خلال اللجوء لواردات الكهرباء، عبر الموصلات من جاراتها، أو من خلال تعزيز القدرة على توليد الكهرباء من الطاقة النووية، أو الطاقة المتجددة، أو الطاقة الكهرومائية أو الفحم.
ويتراجع حجم المتاح من الطاقة النووية في بلجيكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، مع تعرض المحطات في هذه الدول لانقطاعات مع تقادمها، أو وقف تشغيلها أو خروجها من الخدمة.
تقول دول الاتّحاد الأوروبي، بأنها قد أمَّنت ثمانين بالمائة من احتياجاتها الشتوية من الغاز وهي تتطلع للاستغناء كلياً عن الغاز الروسي، الذي جعله بوتين سيف ديمقليدس على رقاب الدول الأوروبية، مما دفع بأسعار الغاز وفواتير الطاقة إلى الارتفاع بشكل جنوني.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتّابها