هل خذل التحالف الدولي الكرد في سوريا مرة أخرى؟
حسن حسن
لقد تزايدت الاستهدافات الجوية بالطائرات المسيرة التركية على شمال وشرق سوريا، بعد القمة الثلاثية “الروسية – التركية – الإيرانية في طهران بتاريخ ١٩/٧/٢٠٢٢، وكل هذا التصعيد التركي ليس إلا نتيجة التفاهمات بين الدول الثلاث لخلق المزيد من الضغوطات على التحالف الدولي، عبر ضرب حليفه قوات سوريا الديمقراطية بواسطة مسيرات أردوغان.
تهديدات أردوغان منذ أيار/ مايو الماضي بتوغل عسكري في شمال وشرق سوريا لإنشاء ما يسميه “المنطقة الآمنة” بعمق 30 كيلومتراً، من حدودها مع سوريا، الهدف الظاهر منها هو القضاء على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بينما الأهداف الحقيقية هي إحراج قوات التحالف الدولي، كون تركيا حليفة للولايات المتحدة ضمن الناتو والولايات المتحدة ليس بوارد الاشتباك معها، بينما لا تجرؤ كل من روسيا وإيران على القيام بذلك. فكل محاولة إيرانية لاستهداف مواقع التحالف الدولي تواجه بالرد الأمريكي المباشر في دير الزور. على سبيل المثال بعد مهاجمة قاعدة التنف للتحالف الدولي ومغاوير الثورة بطائرات بدون طيار، قامت طائرات أمريكية بتدمر مواقع للفصائل الإيرانية في دير الزور في 24 أغسطس/ آب الجاري.
ردع أمريكي بإدانات شفهية.. وأردوغان يتعلق بقشَّة بوتين
لقد أدَّت العربدة التركية مؤخّراً إلى جعل العديد من المسؤولين الأمريكيين يعبّرون علنًا عن رفضهم لخطط واعتداءات تركيا العدوانية، ولكن لا يمكن للولايات المتحدة ردع تركيا بإدانات شفهية دون خطوات عملية، فأردوغان تحول علناً إلى “بلطجي” يعمل لصالح بوتين لإفشال السياسات الغربية، وهو من يتهمه الغرب الآن بتمكين روسيا من الالتفاف على العقوبات الغربية، بالطريقة نفسها التي مكَّنت إيران من الالتفاف على العقوبات الأمريكية، ويقال إن هناك تهديد جدي من الغرب لتركيا بسحب بنوكها وشركاتها من تركيا في حال التمادي في مساعدة روسيا للتملص من العقوبات.
أردوغان اليوم مثل الغريق الذي يتعلّق بقشة بوتين، فهو يواجه أسوأ مرحلة سياسية واقتصادية في مسيرته. شعبيته أصبحت في الحضيض، لذلك رمى بكل أوراقه وملفاته القذرة في بازار سوتشي: ملف اللاجئين السوريين، ملف المعارضة التركسورية، ملف الإخوان المسلمين، ملف مسلمي القرم، وغيرها.
هدف أردوغان الرئيسي البقاء في السلطة حتى لو تطلب ذلك جر تركيا لحرب أهلية. هو يدرك أن أصوات حزب الشعوب الديمقراطية ستكون بيضة القبان في أية انتخابات قادمة، لذلك يسعى للقضاء نهائياً على حزب الشعوب الديمقراطية، عبر شن حرب الإبادة على الشعب الكردي في سبيل إركاع الحركة الكردية للضغط على HDP، كي يمنح أصواته لحزب أردوغان في الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها في يونيو/ حزيران القادم وإزالته من المشهد نهائياً.
أشار آخر استطلاع للرأي؛ بأن أردوغان سيحظى بدعم أقل من ثلاثين بالمئة من الشعب التركي، ويدرك جيداً أن مصيراً أسوداً ينتظره هو وجلاوزته، إما السجن أو القبر، أو التشبّث بالسلطة عبر رفض النتائج وتصفية قادة أحزاب المعارضة وجرِّ تركيا لحرب أهلية. لذلك، نجد زعماء أحزاب المعارضة التركية يدعون الشعب التركي للتكاتف من أجل التخلص من حزب العدالة والتنمية؛ حتى لو تطلب نزول جمهورهم للشارع. فعلاً يشعر أردوغان بالرعب من سيناريو نزول جمهور المعارضة للشوارع، مثلما حدث بنسخة مصغرة في أحداث جيزي بارك عام 2013، عندما نزل الشعب إلى الشارع فجُنَّ جنونه.
من جانبه قال “أوميت أوزداغ” زعيم “حزب النصر” بأن مليون و750 ألف شخص حصلوا على الجنسية التركية في فترة أردوغان كي يعتاش على أصواتهم، وأضاف بأن “تركيا ستشهد نفس الحرب الأهلية في العراق وسوريا، وستكون أكثر تدميراً”.
أردوغان يريد تقديم خدمة جليلة للروس والإيرانيين والنظام، عبر ضرب (قسد)، في سبيل السماح له بتوسيع صلاحيات اتفاقية أضنه، وأسند ظهره لمرتزقته في “منطقته الآمنة” المزعومة؛ بغية استخدامهم لقمع معارضيه داخل تركيا في حال فشله بالانتخابات، والحكومة السورية تدرك ذلك، وهي تفضل سقوط أردوغان والتفاهم مع المعارضة التركية، رغم اجتماعاتها السرية مع مخابرات أردوغان لتنسيق المواقف والضغط على قوات سوريا الديمقراطية، لذلك وجدنا كيف أن فيصل مقداد اشترط سحب القوات التركية من سوريا، والتخلي عن المعارضة التركسورية، مقابل تطبيع العلاقات، بينما أردوغان يصرح بقبول التطبيع دون شروط مسبقة.
ليس غريبا أن يطالب أردوغان وإيران وروسيا القوات الأمريكية بمغادرة الأراضي السورية دون شروط وبشكل فوري، متهمةً واشنطن بنهب ثروات السوريين من هذه المناطق.
وكان الرئيس الروسي قد دعا مؤخراً القوات الأمريكية بمغادرة شرقي سوريا، واتهم الولايات المتحدة بسرقة الثروات السورية، ومنها النفط، وبيعه في الخارج.
حصيلة الهجمات التركية بالمسيرات هذا العام
حالياً، هناك قصف وهجمات بطائرات بدون طيار ضد قوات سوريا الديمقراطية ومؤسسات الإدارة الذاتية بشكل يومي، والتي تتسبب بسقوط العديد من الضحايا المدنيين. ليس هناك منطقة آمنة بدءاً من القامشلي وصولاً إلى كوباني، التي حررتها وحدات حماية الشعب من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي عام 2015، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. ووفقاً لآخر إحصاء أجراه مركز آير ورز (Airwars) (وهو مركز يُعنى بالقتلى والجرحى من المدنيين في النزاعات المختلفة)، كان هناك ما لا يقلّ عن /54/ هجوماً منذ بداية العام وراح ضحيته حوالي 120 شخصاً.
تعيش المنطقة تحت شبح الطائرات التركية المُسيّرة، وقد سجل مركز روج آفا للمعلومات ومقرّه القامشلي، ما لا يقلّ عن /68/ هجوماً بالطائرات المُسيّرة منذ بداية العام، مما أسفر عن استشهاد ما لا يقلّ عن /41/ شخصاً وإصابة /77/. وقالت دارين خليفة من مجموعة الأزمات الدولية (ICG) وهي مؤسسة بحثية، إنه “خلال العام الماضي، وسّعت تركيا حملتها بالطائرات المُسيّرة على شمال شرقي سوريا وشمالي العراق، ويعتقد العديد ضمن القوات الكردية أن هذا اتفاق ضمني بين تركيا والولايات المتحدة كبديل للهجوم البرّي التركي.
آخر الاستهدافات التركية الجبانة كانت في تل رفعت عصر يوم الاربعاء ٢٤ أغسطس/ آب، وأدى إلى استشهاد ثلاثة مهجرين من عفرين بينهم امرأة وإصابة 9 آخرين، نتيجة استهداف طائرة “درون” سوق مدينة تل رفعت بريف منطقة الشهباء.
يشار إلى أن الاستهداف الجديد هو التاسع من نوعه لمنطقة الشهباء في ريف حلب، منذ مطلع شهر يوليو/ تموز الفائت وحتى اليوم.
ينبغي على التحالف الدولي فرض حظر جوي على المنطقة وليس إدانات شفهية
تملك الولايات المتحدة الكثير من أوراق القوة في المنطقة؛ لكن المراقب للوضع يلاحظ تخاذلاً أمريكياً بالمقارنة مع مواقفها تجاه روسيا في أوكرانيا. الولايات المتحدة تملك قوات جوية هائلة في المنطقة، ولديها حلفاء أقوياء في المنطقة أيضاً وعلى رأسهم إسرائيل التي تصول وتجول في سوريا، دون أن يتجرّأ أحد على اعتراضها، فكيف تصمت هكذا تجاه تركيا، وهي التي تستطيع إركاعها بحزمة عقوبات اقتصادية فقط؟
فيما يتعلق بالتهديدات التركي لاحتلال المزيد من الأراضي السورية، المواقف الأمريكية لا تزال إما خجولة أو تجري عبر أقنية دبلوماسية سرية، تحاول فيها واشنطن، عبثا، ثني أردوغان عن تحالفاته مع روسيا وإيران.
وقالت نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي “دانا سترول” خلال منتدى بواشنطن مؤخراً “نعارض بشدة أي عملية تركية في شمال سوريا، وقد أوضحنا اعتراضنا على تركيا.”، وأضافت “ستستغل داعش هذه الحملة”.
التحالف الأمريكي يندد بالهجمات دون أن يحمِّلَ تركيا مسؤوليتها
قال اللواء “جون برينان”، القائد الأمريكي للتحالف الدولي ضد “داعش”، خلال بيان له في وقت متأخر من مساء الجمعة، 18 أغسطس/ آب، “استهدفت منظومة جوية مسلحة بدون طيار مجموعة من الفتيات المراهقات اللائي يلعبن الكرة الطائرة، وكن ناشطات في فريق موحَّد يخضعون لبرنامج الأمم المتحدة للتوعية التربوية في الحسكة. تشير التقارير الأولية إلى أن الغارة أسفرت عن مقتل أربعة وجرح عدد آخر. بالنيابة عن CJTF-OIR [قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب]، أدين هذا الهجوم وأي هجوم آخر يقتل ويجرح المدنيين”.
وأضاف “مثل هذه الأعمال تتعارض مع قوانين الصراع المسلح التي تتطلب حماية المدنيين. ونقدم تعازينا لأسر القتلى وتعاطفنا مع المصابين”.
من جانبه أعرب المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية لسوريا، “عمران رضا”، والمنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية لسوريا، “مهند هادي”، والمديرة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “أديل خضر، عن “قلقهم العميق” بشأن استمرار تصعيد الأعمال العدائية في شمال سوريا. وحذر اللواء “برينان” أمس من أن “تصاعد الأعمال القتالية العسكرية في شمال سوريا يخلق حالة من الفوضى في منطقة هشة لا يزال تهديد داعش قائماً فيها”.
وأضاف: “ندعو إلى وقف فوري للتصعيد من جميع الأطراف ووقف الأنشطة التي تعرض للخطر المكاسب الكبيرة في ساحة المعركة التي حققها التحالف ضد داعش”.
جاء ذلك في معرض رده على تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن مخاوف بلده الأمنية من الوجود الأمريكي شرقي الفرات، ومطالبته القوات الأمريكية بالانسحاب من الشمال السوري.
وقال “نيد برايس” المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية “إن الأكراد يشكلون جزءاً مهماً من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وقد ساهموا في تحقيق المكاسب على الأرض”.
وأوضح أن تحالف الولايات المتحدة “واسع ومتنوع”، “وشركاؤنا الأكراد جزء مهم من هذا التحالف الذي ساهم في تحقيق مكاسب على الأرض ضد تنظيم الدولة، ولهذا نريد مواصلة العمل مع تركيا أيضاً كشريك أمني وثيق خلف أهدافنا في سوريا”.
مساعٍ وتحركات دبلوماسية من التحالف الدولي على الأرض
وزار وفد من التحالف الدولي مدينة كوباني شرقي حلب في الثاني والعشرين من هذا الشهر. وقالت مصادر محلية أن وفد التحالف الدولي وصل إلى كوباني، بهدف اللقاء مع مسؤولي الإدارة الذاتية للاطلاع على أوضاع المنطقة إثر الهجمات التركية العنيفة على المنطقة.
بعد يوم واحد على زيارة الوفدٍ لمدينة كوباني، زار وفد خاص بالتحالف الدولي مدينة منبج والتقي بالمجلس العسكري للمدينة.
ويبدو أن هناك محولات أمريكية لثني أردوغان عن الاستمرار بهذه العربدة، حيث لم تسجل هجمات أخرى في مناطق كوباني والجزيرة إلى تاريخ كتابة هذا المقال، بعد الهجوم على مدرسة البنات في قرية “شموكة”، لكن مثلما أبدت لجنة “شلير” لمتابعة شؤون الطفل ردة فعلها حيال المجزرة، بالقول “التحالف الدولي مسؤول عن الهجوم، وإصدار البيانات وحده لا يكفي للتعامل مع قتل أطفالنا. يجب إغلاق المجال الجوي أمام طائرات الدولة التركية”.
من جانبها، أكدت قيادة عملية “العزم الصلب” على التزامها بالأمن والاستقرار الإقليميين مع شركائها في شمال وشرق سوريا. وجددت القيادة في منشور عبر صفحتها في فيسبوك عن التزامها بالأمن والاستقرار الإقليميين؛ وشددت على عزمها في المواصلة بتحقيق الأهداف المشتركة مع شركائها في المنطقة ضد تنظيم “داعش”، وقالت أيضاً بأن هذه الأهداف تتحقق من خلال بناء وإدامة علاقات متينة وطويلة الأمد مع شركائها في قوات سورية الديمقراطية والمجتمعات المحلية.
في الواقع؛ احتجّت الولايات المتحدة فقط على استشهاد “سلوى يوسف”، نائبة مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، في غارة بطائرة درون في محافظة الحسكة في 22 يوليو/ تموز الماضي.
باختصار؛ يستغل الروس – الذين وافقوا على هجمات أنقرة السابقة في شمالي سوريا – التهديد التركي للضغط على المقاتلين الكُرد، إنهم يريدون حملهم على قطع علاقاتهم مع الأمريكيين وإعادة التواصل مع الرئيس الأسد لإعادة تأهيل النظام سياسياً واقتصادياً عبر السيطرة على الحدود والمعابر والعودة للمربع الأول، وقد وافقت قوات سوريا الديمقراطية على تواجد عسكري سوري أقوى في المناطق التي تسيطر عليها وعلى الحدود مع تركيا، في منبج وشمال الرقة، لكن (قسد) بعيدة عن الموافقة للتخلي عن سيطرتها العسكرية والسياسية على المنطقة.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتّابها..