هل يكرّس الإعلان الدستوري السوري مساراً نحو استبداد ديني مقنّع؟

روبين عمر
في الوقت الذي يُفترض أن يُرسي فيه الإعلان الدستوري السوري مرحلة انتقالية جديدة ما بعد الأسد، يعبّر عدد من الخبراء الأميركيين عن قلق متزايد من أن يكون هذا الإعلان مقدمةً لنسخة أكثر خطورة من الاستبداد، يُضاف إليها طابع ديني صارخ وتهميش لمكونات المجتمع غير السنية.
الدولة تتحول إلى ثيوقراطية سلفية.. والعلويون مهددون بالإبادة
يُحذّر جون روسوماندو، الخبير في الشأن القومي بواشنطن، من أن الإعلان يعكس توجهاً أيديولوجياً متطرفاً، يستبعد ليس فقط الأقليات، بل حتى المسلمين الأكثر اعتدالاً.
“إن غياب حقوق الأقليات في الإعلان الدستوري ينبغي أن يكون مدعاة للقلق، لا سيما في ظل النزعة الإبادة الجماعية التي شهدناها مع العلويين على طول الساحل”.
ويضيف أن الإعلان يُكرّس ما سعت إليه جماعة الإخوان المسلمين والإسلاميون المتشددون طوال السنوات الماضية:
“أصبحت سوريا الآن دولة إسلامية سلفية ثيوقراطية لا مكان فيها لغير السنة، وهذا قد يُشعل حرباً أهلية ثانية إذا أساءت زمرة الجولاني إدارة البلاد”.
ويعتبر روسوماندو أن “البديل القانوني الوحيد المتبقي هو رفض الإعلان من قبل قطاع كبير من المجتمع السوري”.
لا مستقبل آمن من دون استقلال السلطات وضمان الأقليات
من جانبه، يرى كليف سميث، المحامي وموظف الكونغرس الأميركي السابق، أن تركيز السلطة بيد الرئيس الانتقالي يمثل خطراً دستورياً واضحاً:
“حتى النوايا الحسنة يُمكن أن تؤدي إلى كوارث إذا لم تُقيّد بضمانات مؤسساتية. يجب أن تتمتع السلطات الثلاث باستقلالية حقيقية يحميها فصلٌ صارم للسلطات”.
ويضيف: “غياب وثيقة حقوق واضحة تُعالج مخاوف الأقليات يعني أن أي استقرار مؤقت قد لا يصمد طويلًا، خصوصاً إذا تغيّرت موازين القوة في المستقبل”.
بالنسبة لسميث، لا يكفي أن تكون المرحلة الانتقالية هادئة، بل يجب أن تكون قائمة على أسس لا تُتيح الانزلاق إلى ديكتاتورية دينية أو عرقية في قادم الأيام.
السلطة المطلقة تُنتج الفوضى
أما إيرينا تسوكرمان، المحامية المتخصصة في الأمن القومي، فتُسلّط الضوء على المخاطر الأمنية الناتجة عن تركيز السلطة:
وتقول: “الإعلان الدستوري يمنح الرئيس سلطات شبه مطلقة في إدارة الدولة، وهذا النموذج أثبت عبر التاريخ أنه يُغري بالاستبداد ويُمهّد لتمردات جديدة”.
وتؤكد تسوكرمان أن غياب الشراكة السياسية والتمثيل الحقيقي للأطراف المختلفة، سيجعل من سوريا بيئة مثالية لانفجارات داخلية وتدخلات خارجية متزايدة، خصوصاً من إيران وتركيا ودول الخليج.
هل يُمهّد الإعلان الدستوري لصدام أهلي جديد؟
تشير التحليلات المتقاطعة للخبراء الثلاثة إلى أن الإعلان الدستوري بصيغته الحالية يحمل في طياته عناصر خطر جوهري، أبرزها:
- النزعة الإسلامية السلفية الواضحة في النصوص والتوجهات.
- غياب أي ضمانات دستورية لحماية الأقليات أو توزيع السلطة.
- مشاركة شخصيات مرتبطة بجماعات متطرفة في المشهد السياسي.
- غموض في مستقبل العلاقة بين السلطات الثلاث، ما قد يُفضي إلى هيمنة رئاسية مستمرة.
ما لم تُجرَ تعديلات جذرية على بنية الإعلان، فإن “الحكومة السورية الجديدة” تُواجه خطر التحول إلى نسخة أكثر تقلباً من ديكتاتورية الأسد – نسخة دينية متشددة لا تحظى بشرعية داخلية ولا باعتراف دولي.