من إدلب إلى دمشق.. حكام سوريا الجدد وصراع الدول

محمد محمود بشار
نقل الحكام الجدد تجربتهم في حكم إدلب معهم إلى دمشق، فاصطدمت هذه التجربة الجديدة بجدران العوامل الداخلية والخارجية.
كانت التجربة في إدلب خاضعة بشكل تام للنفوذ التركي، حتى يمكن القول بأن العديد من المناطق السورية باتت مناطق تركية في سنوات الحرب الأربعة عشر التي سبقت سقوط الأسد، أي لم تكن فقط “مناطق نفوذ” بل أصبحت امتداداً للجغرافية التركية.
وعندما يتم نقل هذه التجربة إلى دمشق ومحاولة تعميمها على كافة الأراضي السورية، فهذا يعني بأن هذه البلاد ستدخل بشكل كامل تحت عباءة “السلطان التركي”.
يبدو أن أول الدول التي فهمت المعادلة بهذه الطريقة، هي إسرائيل التي لا يروق لها أن تكون الكلمة الفصل، بالنسبة للملف السوري في أنقرة بين يدي رئيس ينتمي إلى تيارات الإسلام السياسي ويقوم بدعم رئيس آخر ينتمي إلى نفس التيار ويحمل أفكاراً أكثر تشدداً.
فتمددت القوات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، حيث أصبح الجنوب السوري تحت الهيمنة العسكرية الإسرائيلية بشكل مباشر، كما استولت القوات الإسرائيلية على “جبل الشيخ” المطل على العاصمة السورية، الأمر الذي يجعل دمشق في الحسابات العسكرية “ساقطة نارياً” إن تحركت إسرائيل باتجاهها يوماً ما عندما تتغير حسابات الدول.
وهكذا هي المعادلة العسكرية بعد الثامن من ديسمبر، مقابل المناطق التركية في سوريا هناك مناطق إسرائيلية، وكلما أرادت تركيا أن توسّع نفوذها في هذه البلاد، فإن إسرائيل أيضاً ستتمدد داخلها.
والسوري لا حول له ولا قوة.
– التواصل مع ترامب من دون المرور بدمشق
كل الدول المتداخلة في الصراع السوري تتواصل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لكسب رضا واشنطن حول ما يتم التخطيط له في سوريا.
طبعاً كل هذه المحادثات تتم من دون وجود أي تمثيل سوري، فالتركي الذي كان يرى نفسه وصياً على إدلب، يرى بأنه من الضروري أن تشمل وصايته كافة الأراضي السورية، والإسرائيلي الذي كان مكتفياً في زمن حكم الأسد بغارة جوية هنا وأخرى هناك ضد التواجد العسكري الإيراني، بات يريد التحكم بالأرض من داخل الحدود وليس من خارجها، وطبعا يجب أن تمر جميع الخطط ببوابة البيت الأبيض حتى تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع.
يبدو أن حظوظ إسرائيل أكثر من حظوظ تركيا في هذه المعادلة، فعندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل يكون الضوء الأخضر الأميركي متاحاً لتل أبيب من دون منافس.
تركيا أيضاً لديها ما لديها من أوراق في التعامل مع الأمريكان بخصوص الملف السوري، قد يكون لأنقرة ما تريد من سيطرة إن استطاعت أن تقدم لترامب ونتنياهو ضمانات مقنعة بشأن التحكم في الحركات الإسلامية الجهادية وشل خطرها التي يمكن أن تشكله على أمن إسرائيل.
وبالتالي لن يكون لهيئة تحرير الشام، التي أصبحت اليوم الحزب الحاكم في سوريا، إلا أن تكون ورقة لتتحكم بها حكام أنقرة في صفقاتهم مع باقي الدول، وهذا يعني بأن أحمد الشرع سيظهر بمظهر “الرئيس” كما يكون عليه الحال مع رئيس أي بلد آخر، إلا أنه لن يكون صاحب القرار الفعلي في هذه البلاد، التي منحه الإعلان الدستوري صلاحيات واسعة أكثر من تلك الصلاحيات الدستورية التي كانت لدى سلفه الهارب من دمشق.
كل دولة متداخلة في الشأن السوري، تقدّم ما لديها من أوراق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن تم قبول هذه الأوراق ستباشر العمل بمهامها من دون المرور بـ “قصر الشعب” في دمشق.
ترامب الجالس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، يتحكم من مكتبه البيضاوي بكل خيوط اللعبة التي اتقنها الأمريكان، وهو الذي اصدر قراراً بعدم الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، وباتت واشنطن تتعامل مع بعثة الحكومة السورية في الأمم المتحدة كبعثة حكومة غير معترف بها.
وطالما هذا هو الحال، فإن الدول التي لديها نفوذها الخاص في سوريا هي التي ستفاوض الرئيس الأميركي.
فالولايات المتحدة الأميركية في الحقبة الرئاسية الثانية لترامب لا تعترف بحكومة دمشق، ويبدو أن هذا القرار في جوهره وكافة تفاصيله هو أقرب إلى إسرائيل أكثر من أي دولة أخرى.
فإسرائيل ترى في حكام سوريا الجدد، مجموعة من الجهاديين الذين لا يمكن أن تثق بهم ولا يمكن أن يتم التعامل معهم كحكومة تدير بلداً.
بينما ترى تركيا بأن الحكام الجدد هم أفضل ممن سبقهم في حكم هذه البلاد، وتريد أن تقوم بتسويق هذه الرؤية وتصديرها لكل دول العالم.
في خضم هذا التنافس الإسرائيلي – التركي، استطاع نتنياهو تحقيق الفوز في الجولات الأولى في ملعب القرارات الأميركية، وهو نفس الملعب الذي يخوض فيه أردوغان المنافسة.
بينما يبقى السوري جالساً على مقاعد الجماهير يشاهد ما يجري على أرضه ليصفق تارة وينفجر غاضباً تارة أخرى، ولكن لا يستطيع الجمهور تسجيل الأهداف فهو خارج الملعب.