آراء وتحليلات

دمشق والفوبيا الكردية.. من مسار الرعب إلى خارطة الطريق

محمد محمود بشار

يُخَزّنُ الكُردي في ذاكرتِهِ الكثير من الأحداثِ التي تجمعهُ مع دمشق، إلا أنه في أغلب المراحل كانت علاقة الكُردي مع مدينة الياسمين، علاقةُ حبٍ من طرفٍ واحد.

مازال قبر الشاب سليمان آدي في مدينة القامشلي، شاهداً على كيفية تعامل حكام العاصمة بالرصاص والنار مع مطالب المحتفلين بعيد النوروز قبل أربعة عقود في دمشق.

ينظر ابن الجزيرة وكوباني وعفرين إلى هذا القبر فيتذكر ماضياً دموياً يخلق لديه الكثير من الاستفهامات حول ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا الجديدة بعد أن تستتب الأوضاع.

      الهولوكوست السوري وحفلات دمشق المرعبة

نيران الهولوكوست السوري مازالت مشتعلة أمام أعين ذوي شهداء محرقة سجن الحسكة ومحرقة سينما عامودا، حيث القبور التي ضمت بين ثناياها ما تبقى من رماد أجسادهم المتفحمة بنيران حقد السلطات الحاكمة في عهود أنظمة حكم مختلفة، كان حكامها أيضاً يصنعون قراراتهم في العاصمة.

الفلاح الكردي الذي سُلِبَت منه أرضه الزراعية بجرة قلم من الحاكم في قصر الشعب، منذ خمسة عقود، مازال يرى لحد اليوم خيرات أرضه تذهب لغيره، من دون أن يكون له أي ذنب، سوى إنه أدرك بعد تطبيق مشروع (الحزام العربي) إن أرضه أصبحت جداراً للفصل بين الامتداد القومي للكرد على طرفي الحدود السورية – التركية وإرضاءً للتيارين القومي العربي والتركي في أنقرة ودمشق.

تعود الذاكرة بالكردي إلى أواسط الستينات من القرن الماضي، فيتجدد الجرح الذي لم يندمل بعد من الإحصاء الاستثنائي الذي تم من خلاله تجريد وحرمان الآلاف من الكرد السوريين من جنسيتهم السورية وأيضاً بقرار من عاصمة يُفترض بها أن تكون لكل السوريين.

      صورة الكُردي في السجلات الرسمية

كان الكردي وحيداً قبل عقدين من الزمن حينما انتفض ضد جبروت عائلة الأسد، فانطلقت انتفاضة الثاني عشر من آذار عام 2004 انتفاضة قامشلو التي انتشرت بسرعة في كل المدن الكردية ووصلت إلى حلب ودمشق، حينها كان الرصاص في انتظار المنتفضين، ومن نجا من نيران البنادق، لم يستطع الهرب من المعتقلات والزنازين.

هذه الذاكرة مثقلة بالآلام والمعاناة التي سببتها قرارات أتت من أشخاص استولوا على الحكم في عاصمة البلاد.

والأمر الأكثر إيلاماً بالنسبة للكردي، هو إنه كان موجوداً على أرض الواقع وغير موجود في الأوراق الرسمية. فكان شبحاً في السجلات الرسمية، وبشراً خارج الدوائر الحكومية، لم يكن له أي وجود في الدستور، الذي نصّ على أن كل من يعيش في سوريا فهو عربي سوري.

 وبلمحة عين مع حرف (العين) الذي كان يكتب كاختصار دالّ على الهوية التي تم تحديدها للبلاد، تم طمس الهوية الحقيقية وتغييب التنوع القومي الموجود في سوريا.

      ما بعد الأسد.. دمشق المضطربة

مع إخراج بشار الأسد وعائلته من سوريا في الثامن من ديسمبر وإيصاله إلى موسكو، تم طي صفحة حكم عائلة الأسد التي ربطت اسم سوريا باسمها لخمسة عقود ونيف من الزمن.

سوريا بعد الأسد في هذه المرحلة الحالية هي بلد من دون دستور، القرارات فيها ارتجالية ومرتبطة بشخص واحد وهو الرئيس الجديد أحمد الشرع، الذي تم تنصيبه في اجتماع عسكري نهاية كانون الثاني.

فكانت بداية كانون الأول من العام المنصرم هي النهاية لحكم الأسد، بينما كانت نهاية كانون الثاني من العام الحالي هي البداية لمسيرة الشرع الرئاسية.

تتوالى الأحداث الكبيرة والمصيرية في سوريا ما بعد الأسد بإيقاع سريع جداً. حيث لا مكان للتريث والانتظار، فهذه البلاد التي انتظرت رحيل الاسد كل هذه العقود، باتت تكره الانتظار أمام أي حدث أو قرار مهما كان مصيرياً.

التحدي الكبير أمام الرئيس الجديد هو ليس عدم وجود دستور، بل هو انعدام السيادة في ظل تعدد الدول والأقطاب المتدخلة في الوضع السوري.

قد تتيح حالة عدم وجود دستور للبلاد المزيد من الصلاحيات أمام الشرع، فهو قادم من منصب الأمير في جماعته، تلك الإمارة التي اعتاد فيها على اتخاذ القرارات منفرداً في أغلب الأوقات.

إلا أنه سيصطدم بهذا التدخل المباشر للعديد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإسرائيل، وكذلك روسيا أيضاً احتفظت بقواعدها الأكثر أهمية في سوريا في حميميم وطرطوس.

وهناك أيضاً مجموعة من التحديات الداخلية التي يصعب تجاوزها في هذه المرحلة، لذلك قد يكون الاضطراب هو سيد الموقف واحتمال الانزلاق نحو فوضى عارمة يبقى قائماً مادامت كل هذه الأسباب قائمة.

      الكُرد والطريق إلى دمشق

الأحزاب السياسية الكردية كانت ومازالت تدعو إلى تأمين حقوق الشعب الكردي في سوريا ضمن إطار وحدة البلاد، وليس هناك حزب كردي أو أي قوة كردية تدعو إلى الانفصال عن سوريا وتأسيس كيان مستقل.

وعلى الرغم من عدم مطالبة القوى السياسية والعسكرية الكردية بالذهاب إلى طريق الاستقلال عن سوريا، إلا أنهم كانوا دائما في مرمى نيران الاتهام بالانفصال.

فقط للتذكير، حيث مازالت وثائق (محكمة أمن الدولة) في دمشق موجودة. هذه المحكمة التي كانت تحكم بقرارات من الاجهزة الأمنية على المعتقلين الكرد، وكانت التهمة الجاهزة التي يتم إلصاقها بأغلب المعتقلين الكرد هي: “اقتطاع جزء من الأراضي السورية وضمها إلى دولة أجنبية”.

كلما أراد الكرد التقدم خطوة نحو دمشق، يتم الوقوف من قبل أصحاب العقلية الاقصائية والتخوينية بوجههم ليرغموهم على التراجع خطوتين نحو الخلف.

يبدو أن العوامل الخارجية التي أطاحت بنظام بشار الأسد، هي نفسها ستخلق ارضية للتواصل بين حكام دمشق والقوى الكردية.

      الحزب الذي قضى على أركان الدولة

تمكن حزب البعث من ضخ الشعارات القومية عبر حكمه الذي استمر أكثر من ستة عقود إلى داخل كل المؤسسات الحكومية والمدارس وحتى إلى داخل المنازل، وذلك لتثبيت حكمه تحت عباءة القومية العربية، والكل يعلم بأن القومية العربية بريئة من شعارات حزب البعث براءة الذئب من دم يوسف.

ولكن كان لهذا الضخ الشعاراتي أثره على النخب السياسية والثقافية ونوعاً ما على الرأي العام العربي في سوريا. و للتعافي من أثر هذه الشعارات والتخلص من مسار الرعب يحتاج المشهد السياسي السوري إلى وضع خارطة طريق تبدأ بقرارات جريئة تعيد لأصحاب الحق حقوقهم من دون الدخول في طابور الانتظار.

حزب البعث الذي صاغ دستور البلاد على مقاسه، كان قد أضاف مادة دستورية تقول بأن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع، ولكن على أرض الواقع، فإن هذا الحزب دمّر الدولة وفتت المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى