نوروز بين التاريخ والأسطورة
صالح مسلم- الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي
تاريخ النوروز، يتراوح بين التاريخ والأسطورة، ومقترن بإنشاء الدولة الميدية عام ٦١٢ ق.م، عندما استطاع تحالف القبائل الميدية في منطقة ميزوبوتاميا القضاء على عرش الإمبراطورية الآشورية في ذاك التاريخ، وبإنشاء الدولة الميدية أصبح النوروز رمزاً للحرية، والشعلة التي أشعلها كاوا الحداد أصبحت ترمز للحرية لجميع الشعوب في تلك المنطقة، وانتشرت هذه الثقافة بين الشعوب الآرية عامة، كون القبائل التي أسست الدولة الميدية تنتمي إلى العرق الآري.
أما من الناحية الاسطورية المعروفة، لا شك بأن أي حدث تاريخي حدث من وقت طويل أي قبل حوالي ٢٧٠٠ عام، يتم إضفاء الطابع الإسطوري عليه، أي أن كاوا الحداد استطاع أن يقضي على ضحاك الظالم، وهذه الاسطورة تجسدت بذاكرة الشعب الكردي والشعوب الأخرى التي تحتفل بها إلى الآن، يعني هو رمز في اسطوريته وتاريخه على أرض الواقع، أي ثورة المظلومين على الظالم والقضاء عليه، وهذا التراث لا زال مستمراً إلى هذا اليوم، رغم تعدد أشكاله، فلدى بعض الشعوب مثل قسم من الهند والأفغان والبلوشيين والفرس، تحولت الى مناسبة اجتماعية يُحتفل بها، عبر العطلات والمناسبات والحفلات الاجتماعية الصغيرة، أما بالنسبة للشعب الكردي، كان العيد يرمز للحرية، والثوار الأكراد الذي يتمسكون بحريتهم، جعلوه رمزاً للحرية والقضاء على الظلم إلى تاريخنا هذا، وعلى مر العصور.
في العصر الحديث وعندما شهدت المنطقة تشكيل الدولة القومية، اي الدولة القومية الواحدة التي تعترض على جميع الثقافات والمناسبات الأخرى، وتحاول أن تفرض هيمنة العنصر الواحد القومية الواحدة والعلم الواحد والثقافة الواحدة، منذ ذلك الحين بدأت شتى الحكومات والدول التي تغتصب كردستان بمحاربة كل شيء يمت للكرد، بما فيه عيد النوروز، ولهذا حاولوا قمع هذه الثقافة وكبتها قدر الإمكان لذا حدث تصادمات وقمع للشعب الكردي واعتقالات وما إلى ذلك، ولكن الكرد لم يتخلوا عن هذا الاحتفال والتقليد إلى يومنا الراهن.
وبالنسبة لروجافا أتذكر أننا كنا نحتفل بالخفية كمجموعات من الشباب أو الطلاب، نجتمع ليلة العيد، لتجهيز الاحتفال بالعيد، أذكر هذا في ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي، حيث كان الشباب يقصدون الذهاب إلى الأماكن المرتفعة والعالية، وإيقاد شعلة نوروز، القوى الأمنية كانت تحاول إطفاء هذه الشعلة وعليها تحدث تصادمات واعتقالات بمناسبة إشعال شعلة نوروز.
وفي ليلة نوروز كنا نجتمع في مكان أو منزل سري ونحتفل بهذه المناسبة، وتستمر السهرة طوال الليل احتفالاً بهذا العيد، والسلطات كانت تمنع ذلك بشتى الوسائل، ولكن استمرت هذه العادة إلى بداية ثمانينيات القرن، حيث بدأت تتشكل تجمعات تحتفل بعيد النوروز في بعض القرى والمناطق في روجافا، وأول عيد نوروز علني بشكل واسع تم الاحتفال به عام ١٩٨٤ في مشتى النور في كوباني، حيث تم إنشاء مسرح واسع وتجمع آلاف السكان آنذاك للاحتفال بالعيد علنياً، وبقي الاحتفال علنياً من حينها إلى الآن ولكن الاحتفالات كانت غير مرخصة وممنوعة من قبل سلطات البعث التي كانت تحكم روجافا.
أما في الاجزاء الأخرى من كردستان، كانت تقام ليالي النوروز، وبدأت هذه الاحتفالات الجماهيرية الجماعية تنتشر مع ظهور حركة التحرر الكردية، وخاصة ما حدث في سجن ديار بكر (آمد) عام ١٩٨٢ عندما أشعل الكاوا المعاصر (مظلوم) النيران في جسده، بدأ الشعب يشعر بمعنى نوروز و التمرد على الظلم وهكذا انتشر العيد في شمال كردستان، وتأثير حركة التحرر الكردية وصل لأجزاء كردستان الأربعة، حتى في روجافا أول من بدأ بالاحتفال وإشعال شعلة نوروز كانوا من أنصار الحركة.
هكذا استمرت الاحتفالات في روجافا في جميع مناطق التواجد الكردي، في المدن الكبرى كحلب ودمشق والجزيرة السورية وكوباني، ولكن كانت تقمع من قبل السلطات بأي شكل من الأشكال، وحدثت مواجهات دامية جداً، وأسفرت عن وقوع شهداء، أول مواجهة كانت عام ١٩٨٦، عندما توجت المتظاهرون الكرد إلى قصر الرئاسة في دمشق، عندها استشهد أحد المواطنين الكرد نتيجة لإطلاق الرصاص، وهكذا عينت السلطات السورية يوم النوروز عطلة رسمية في جميع الأراضي السورية ولكن تحت يافطة (عيد الأم)، ورغم انها عطلة رسمية ولكن لم تكف السلطات السورية عن ممارسة سياسية القمع في هذا اليوم.
أتذكر في التسعينيات كنا نحتفل في ١٣ منطقة بروجافا بعيد النوروز، وكل حفلة كان يحضرها الآلاف من الشعب، وتحدث اعتقالات ومصادمات وما إلى ذلك، وسقط الكثير من الشهداء بهذه المناسبة من كل عام أبرزهم استشهاد ٣ شباب عام ٢٠٠٨ في مدينة قامشلو، وبعدها في ٢٠١٠ في مدينة الرقة بعد استشهاد احد المحتلفين بالعيد، وكان الاستهداف بالقتل يتم قبل العيد بيوم او بعده بيوم، فكانت السلطات تتجنب استهداف المحتلفين يوم العيد، ولا يخلو الأمر من الجرحى والمعتلقين بشكل مستمر كل عام، وكانت السلطات تمنع إقامة أي حفل يوم العيد، وكانت تعمد على تخريب أماكن الاحتفالات في مناطق كوباني والجزيرة، إلى أن وصلنا الى عام ٢٠١١، حيث بدء الحراك الشعبي في سوريا، حينها بدأ الأكراد يحتفلون بعيد النوروز بمنتهى الحرية في جميع مناطق روجآفا، وما زلنا نحتفل بهذه المناسبة إلى الآن، وكسبت المناسبة صفة جماهيرية واسعة ضد الظلم والتمرد، والذي يعتبر يوم التجديد، ولابراز التطور والتقدم في المجتمع عبر الزي الكردي والموسيقا والفن الكردي الذي يقدم في هذا اليوم.
ويعتبر عيد النوروز هو العمود الفقري للوعي الوطني في جميع أجزاء كردستان وسيكون كفيلاً بجلب السلم والسلام والوئام، ليس للشعب الكردي فقط وإنما لشعوب المنطقة جميعاً.