في تقرير مفصل.. هيومن رايتس ووتش تحمل تركيا مسؤولية الانتهاكات في شمالي سوريا
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير اليوم الخميس، إن “تركيا تتحمل مسؤولية الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب المحتملة التي يرتكبها عناصر قواتها والجماعات المسلحة المحلية التي تدعمها في الأراضي التي تحتلها تركيا في شمال سوريا”.
وقالت إن تركيا والفصائل الموالية لها “تحمّل السكان الكرد وطأة الانتهاكات لأنه ينظر إليهم بسبب علاقاتهم المفترضة” مع قوات سوريا الديمقراطية.
“كل شي بقوة السلاح”
استناداً إلى مقابلات مع 58 من الضحايا والناجين وأقارب وشهود على الانتهاكات، فضلاً عن مختلف ممثلي المنظمات غير الحكومية والصحفيين والنشطاء والباحثين، يوثّق تقرير هيومن رايتس ووتش عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني، بما في ذلك تلك الواقعة على الأطفال، والعنف الجنسي، والتعذيب من قبل الفصائل المختلفة في “الجيش الوطني السوري”، و”الشرطة العسكرية”، وأعضاء القوات المسلحة التركية ووكالات الاستخبارات التركية،
“عمليات العودة تستمر في التضاؤل”
ويوثّق التقرير أيضاً انتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية، بما في ذلك عمليات النهب والسلب على نطاق واسع، فضلاً عن الاستيلاء على الممتلكات والابتزاز، ويكشف الفشل الذريع لمعظم تدابير المساءلة التي طُرِحت في السنوات الأخيرة من أجل الحد من الانتهاكات أو تقديم التعويضات للضحايا.
وقالت المنظمة: “طالما أن الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة سائد، فإن آمال العودة لمئات الآلاف من النازحين والمحرومين السوريين الذين فروا من منازلهم أثناء وبعد العمليات العسكرية التركية المتعاقبة في المنطقة تستمر في التضاؤل”.
وأضاف التقرير: “يعيش الكثيرون في مخيمات وملاجئ جماعية مكتظة تعاني من نقص الخدمات في جميع أنحاء شمال شرق سوريا اليوم”.
المسؤولون الأتراك يتحملون المسؤولية
يقول آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “ستستمر الانتهاكات الحالية، بما فيها التعذيب والإخفاء القسري ضد الذين يعيشون تحت السلطة التركية في شمال سوريا، ما لم تتحمل تركيا نفسها المسؤولية وتتحرك لوقفها”.
وأضاف: “المسؤولون الأتراك ليسوا مجرد متفرجين على الانتهاكات، بل يتحملون المسؤولية باعتبارهم سلطة الاحتلال، وفي بعض الحالات شاركوا مباشرة في جرائم حرب مفترضة”.
شهادات من 58 محتجزاً سابقاً
وقالت منظمة هيومن رايتس وواتش أنها مقابلات مع 58 محتجزاً سابقاً وضحايا للعنف الجنسي وأقارب وشهود على الانتهاكات، وممثلين عن منظمات غير حكومية، وصحفيين، ونشطاء، وباحثين.
تشير المنظمة أن باحثيها تحدثوا مع مصدر مطلع يتعامل مباشرة مع الشرطة العسكرية، ومصدر سوري كان مقرباً في السابق من مسؤولي المخابرات التركية الذين كان لديهم إمكانية الوصول والإشراف على سلوك الفصائل المختلفة في عفرين بين يوليو/تموز 2019 ويونيو/حزيران 2020، والذي غادر سوريا منذ ذلك الحين.
انعدام الأمن
وقالت المنظمة: “تمارس تركيا السيطرة وتشرف مباشرة على الجيش الوطني السوري بواسطة قواتها المسلحة وأجهزة استخباراتها، وتزوده بالأسلحة والرواتب والتدريب والدعم اللوجستي. تمارس تركيا أيضا السيطرة الإدارية على المناطق المحتلة انطلاقا من الولايات التركية المتاخمة لسوريا”.
وأضافت: “أعلنت الحكومة التركية نيتها إنشاء مناطق آمنة في المناطق الخاضعة لاحتلالها، مع ذلك، لم تضمن تركيا سلامة السكان المدنيين ورفاههم، وتتسم حياة سكان المنطقة البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة بغياب القانون وانعدام الأمن.
قال أحد السكان السابقين الذي عاش تحت حكم الجيش الوطني السوري لأقل من ثلاث سنوات بقليل بحسب التقرير : “كل شي بقوة السلاح”.
ونوهت أن “فصائل الجيش الوطني السوري والشرطة العسكرية ارتكبت الاعتقال والاحتجاز التعسفيَّين، والإخفاء القسري، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأخضعت عشرات الأشخاص لمحاكمات عسكرية جائرة في ظل إفلات من العقاب. أبلغت نساء كرديات محتجزات عن تعرضهن للعنف الجنسي، بما فيه الاغتصاب، واحتُجز أطفال لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر مع أمهاتهم”.
“المسؤولين الأتراك شاركوا مباشرة في التعذيب”
بحسب التقرير، “ارتكبت فصائل من الجيش الوطني السوري والشرطة العسكرية المدعومين من تركيا انتهاكات في مراكز الاحتجاز التي يتواجد فيها أحيانا مسؤولون عسكريون ومخابرات أتراك، وفقا لمحتجزين سابقين قالوا أيضا إن المسؤولين الأتراك شاركوا أحيانا مباشرة في تعذيبهم وسوء معاملتهم”.
وقالت المنظمة أنها قابلت 36 شخصا تعرضوا لانتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية.
وأضافت: “منذ بدء عملية غصن الزيتون التي نفذتها تركيا في عفرين عام 2018 وعملية نبع السلام في القطاع الممتد بين تل أبيض ورأس العين عام 2019، نزح مئات الآلاف من سكان المنطقة من منازلهم. لاحقا، أقدمت فصائل الجيش الوطني السوري على عمليات نهب وسلب واستيلاء على الممتلكات على نطاق واسع. لم يسترد غالبية المتضررين ممتلكاتهم أو يتلقوا تعويضا مناسبا.
وأضافت: “لا تزال المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة في الأراضي التي تحتلها تركيا بعيدة المنال. حققت هيومن رايتس ووتش في حالات أربعة أشخاص رفيعي المستوى زُعم تورطهم في انتهاكات جسيمة. لم تتم محاكمة أي منهم، ويشغل ثلاثة منهم حاليا مناصب رفيعة في الجيش الوطني السوري”.
وقالت المنظمة: “لم تعالج المحاكم العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري، غير المستقلة، ولا تركيا، باعتبارها سلطة الاحتلال والداعم الرئيسي للجيش الوطني السوري، بشكل كاف الجرائم الخطيرة التي يرتكبها ذوو السلطة في الأراضي التي تحتلها تركيا”.
وأضاف التقرير: “حاولت هيومن رايتس ووتش إشراك تركيا في حوار حول هذه الأمور، وشاركت نتائج بحث تفصيلية في رسالة أرسلتها مرتين عبر البريد الإلكتروني إلى وزير الخارجية هاكان فيدان في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 و4 يناير/كانون الثاني 2024، لكن الرسالة قوبلت بالصمت”.
وأردف التقرير: “لم تستلم أي رد أيضاً على رسالة إلى وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 و8 يناير/كانون الثاني 2024، للاستفسار، من بين أمور أخرى، عن أي إجراءات قضائية تتعلق بأربع حالات وفاة أثناء الاحتجاز تم الإبلاغ عنها علناً”.
قال آدم كوغل نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “الاحتلال التركي لأجزاء من شمال سوريا سهّل خلق مناخ يغيب فيه القانون وتسوده الانتهاكات والإفلات من العقاب”، وذلك أبعد ما يكون عن “منطقة آمنة”.
توصيات إلى تركيا
وطالبت المنظمة من تركيا.
1- اتخاذ خطوات فورية لوقف انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة التي ترتكبها قواتها العسكرية وأفراد المخابرات، جنباً إلى جنب مع الميليشيات المحلية التابعة لها، وضمان التزام جميع الأفراد الخاضعين لسيطرتها، بما في ذلك الأفراد العسكريون والجماعات المسلحة، بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
2- الوقف الفوري لجميع عمليات الإعادة القسرية السريعة لطالبي اللجوء من الأراضي التركية وعلى الحدود التركي.
3- إجراء تحقيق شفاف وشامل ونزيه في الادعاءات القائلة بأن القوات المسلحة ووكالات الاستخبارات التركية العاملة في الأراضي المحتلة متورطة في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم حرب محتملة، ضد المدنيين، بما يشمل التعذيب والاحتجاز التعسفي والاغتصاب والنهب وعمليات القتل خارج نطاق القانون.
4- التعاون الكامل مع التحقيقات المستقلة والمحايدة التي تجريها الهيئات الدولية، مثل “لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة” ومنظمات حقوق الإنسان، في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب.
5- ضمان الوصول الكامل ودون عوائق للمراقبين الدوليين والمستقلين إلى الأراضي التي تحتلها تركيا، بما في ذلك السجون ومراكز الاحتجاز التي تديرها الشرطة العسكرية وتلك التابعة للفصائل المختلفة، والمحاكم العسكرية.
6- إنشاء آليات رقابية قوية لمراقبة سلوك جميع القوات التركية والقوات الموالية لتركيا والتعامل الفوري مع أي انتهاكات يتم الإبلاغ عنها.
7- محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، بما في ذلك من خلال محاكمات عادلة وشفافة.
8- تطوير وتنفيذ برنامج تعويضات لجميع ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات التركية والقوات المحلية التي تسيطر عليها تركيا ، ينبغي أن تشمل التعويضات الاعتراف العلني بمعاناة الضحايا، والتعويض، وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي والجسدي، والوصول إلى الممتلكات واستعادتها.
9- توفير التعويضات عن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع.
10- توفير التعويضات محددة الهدف والمساعدة الحكومية للأشخاص الذين أصبح لديهم إعاقة، بما في ذلك الإعاقة النفسية والاجتماعية، وضمان حصولهم على خدمات الرعاية الصحية المجانية الجيدة والتي تحترم حقوقهم، والوصول إلى الأجهزة المساعدة، وخدمات الصحة النفسية الاجتماعية والعقلية.
11- ضمان حقوق أصحاب الممتلكات والعائدين، بما في ذلك عبر تعويضهم عن مصادرة ممتلكاتهم واستخدامها بشكل غير قانوني وأي ضرر ناتج عن ذلك.
توصيات لـ “الحكومة المؤقتة” و “الجيش الوطني”
1- إلغاء جميع السجون ومراكز الاحتجاز المؤقتة وغير الرسمية التابعة لمختلف الفصائل,
2- تشكيل لجنة مستقلة وغير متحيزة لمراجعة احتجاز الأفراد. وإطلاق سراح المحتجزين الذين يُعتقد أنهم اعتقلوا تعسفيا، بما في ذلك أولئك المحتجزين فقط بسبب نشاطهم السياسي السلمي.
3- السماح لمنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بتفحص مرافق الاحتجاز، بما في ذلك السجون المؤقتة ومراكز الاحتجاز التابعة للشرطة العسكرية.
4- وقف جميع المحاكمات العسكرية للمدنيين والتأكد من أن جميع الإجراءات القانونية تلتزم بمبادئ المحاكمة العادلة.
5- السماح لمنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بمراقبة المحاكمات.
6- الامتناع عن إقامة المقرات ومراكز الاحتجاز والمنشآت العسكرية داخل أماكن العمل أو المساكن المدنية.
7- إجراء تحقيق فوري ومستقل في جميع حالات الاختفاء والقتل.
توصيات إلى “الاتحاد الأوروبي”
1- التوضيح علنا أن تركيا ليست دولة ثالثة آمنة يمكن إعادة طالبي اللجوء إليها بموجب المعايير المنصوص عليها في المادة 38 من “توجيهات إجراءات اللجوء الخاصة بالاتحاد الأوروبي”.
2- دعوة تركيا علنا إلى وقف عمليات الترحيل بإجراءات موجزة والسماح لـ”مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” بمراقبة ما إذا كان السوريون المحتجزون يرغبون في البقاء في تركيا أو العودة طوعا إلى سوريا.
3- تعليق تمويل مراكز احتجاز المهاجرين ومراقبة الحدود حتى تتوقف عمليات الترحيل القسري.
وطالبت المنظمة في ختام تقريرها الدول الأعضاء في “الأمم المتحدة”، التحقيق مع المتورطين بشكل موثوق في جرائم خطيرة في شمال سوريا الذي تحتله تركيا بموجب القانون الدولي ومحاكمتهم.