المشروع التركي في سوريا ومستقبل المناطق الحدودية
محمد محمود بشار
بداية لو تم طرح السؤال التالي: ما هو المشروع التركي في سوريا؟
من دون شك ستكون هناك إجابات مختلفة، ولكن تشير المعطيات والحقائق على أرض الواقع من دون أي لبس أو غموض، إلى أن الأتراك طرف في إطالة أمد الحرب السورية وتعقيد المشهد العام قدر المستطاع.
– مناطق النفوذ التركي داخل سوريا
في هذه المناطق التي اجتاحتها تركيا عسكرياً عبر ثلاثة عمليات عسكرية واسعة منذ عدة أعوام كان آخر تلك العمليات هي ما أطلقت عليها تركيا اسم عملية (نبع السلام) في أكتوبر 2019، واجتاح الجيش التركي حينها منطقتي راس العين المعروفة كرديا باسم (سري كانية) وكذلك تل أبيض والمعروفة كردياً باسم (كري سبي)، يفرض الأتراك سيادتهم المطلقة من دون إيلاء أبسط اهتمام لمسألة السيادة السورية.
فكل منطقة سورية قريبة من مركز أي ولاية تركية أصبحت تحت أمرة واليها إدارياً والسطوة العسكرية الكبرى هي للجيش التركي حيث وجوده بشكل مباشر، على الرغم من تواجد الفصائل العسكرية التي تعمل تحت مسميات عديدة ولكنها مرتبطة تماماً بالطرف التركي.
لو تم وضع الخارطة السورية ورسمها حسب مناطق النفوذ اليوم، فإن تركيا حاليا تسيطر على مركز محافظة إدلب وأغلب مناطق تلك المحافظة، وكذلك مناطق الباب وإعزاز وجرابلس وعفرين في ريف حلب، وتل أبيض وعدة مناطق أخرى في ريف الرقة، وسري كانية/ رأس العين في ريف الحسكة
ومن المعروف في سوريا بأن الأتراك إن دخلوا منطقة ما، لا يخرجون منها إلا بحربٍ طاحنة، كما حصل في أحياء حلب الشرقية وعدة مناطق من ريف حماة، أو باتفاقية مع قوة دولية أخرى متداخلة في الصراع السوري.
وعند الحديث عن التدخل التركي في الصراع السوري، فهي لا تعود لشهر آب\أغسطس من عام 2016 عند إطلاق عملية (درع الفرات)، بل من بداية انطلاق المظاهرات في سوريا وبشكل أدق مع أول محاولة لتأسيس جسم عسكري مضاد للقوات السورية النظامية وتلك المحاولة كانت على يد الضابط السوري المنشق عن الجيش السوري النظامي حسين هرموش حيث أعلن عن تشكيل حركة الضباط الأحرار ومن ثم تعددت المسميات، إلا ان هرموش الذي لجأ إلى تركيا، تم تسليمه على طبق من ذهب من قبل الأتراك للأجهزة الأمنية النظامية السورية ومازال مصيره لحد هذه اللحظة مجهولا في معتقلات وسجون النظام السوري.
– آستانا وجنيف والوجود التركي
في الجولات المتعددة من مؤتمرات جنيف الخاصة بالمعضلة السورية، كان لتركيا سطوتها المطلقة على أغلب أعضاء الوفد الذي كان يحمل اسم المعارضة السورية، وقد كان الوفد المعارض غير متفقاً فيما بينه، وأحد أسباب عدم الاتفاق، هي السطوة التركية على قرار ممثلي الائتلاف والفصائل العسكرية المتواجدين ضمن الوفد المرسل إلى جنيف.
في المحصلة كثرت وتعددت أرقام مؤتمرات جنيف، ولكن كانت شبه عقيمة من حيث النتائج والمقررات.
أما في جولات آستانا فكان للتركي وجوده المباشر، كانت محادثات آستانا هي ساحة مفتوحة لأسوء أنواع البازارات السياسية على الأراضي السورية ومن دون أي وجود للسوريين في آلية صنع القرار في العاصمة الكازاخية.
فكانت من الكوارث التي خلقتها آستانا هي مناطق خفض التصعيد بين القوات النظامية من جهة والفصائل التكفيرية والجهادية الموالية لتركيا من جهة أخرى، وبالتالي ساهمت آستانا في تعميق الأزمة السورية وإطالة أمد الحرب وذلك بإشراف وإدارة (الثالوث الآستانوي) وهي الدول الثلاث الراعية لمؤتمرات آستانا وهي ليست راعية فقط وإنما مالكة القرار الذي يخص الشأن السوري في العاصمة الكازاخية.
– لغة القوانين ومفردات المواثيق الدولية
في لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية والتي تم إقرارها في أكتوبر 1907 هناك نصوص و مواد واضحة وصريحة للتصرف والتعامل مع الطرف الآخر في الحروب والنزاعات، تقول المادة 25 من هذه اللائحة:
(تحظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية أياً كانت الوسيلة المستعملة).
بينما تنص المادة 42 من نفس اللائحة على التالي:
(تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو ولايشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها).
بعملية مقارنة سريعة بين مايجري على أرض الواقع وهذه النصوص، يتضح بأن تركيا هي دولة محتلة لأجزاء كبيرة و واسعة من الأراضي السورية، كما إنها قصفت مراراً وتكراراً المدن والقرى والمساكن غير المحمية عبر طائرتها المسيرة والحربية تارة وبالمدافع والصواريخ تارة أخرى وخاصة في مناطق شمال وشرق سوريا.
وكذلك تقوم تركيا بخرق مبادئ ومعاهدات القانون الدولي الإنساني والذي يرتكز على سلسلة من الاتفاقيات والبروتوكولات وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف الأربعة.
– ماهية وطبيعة المشروع التركي في سوريا
تم ربط المناطق الخاضعة للنفوذ التركي في سوريا، بسلطة والي أقرب ولاية تركية لتلك المناطق، فعلى سبيل المثال مدينة سري كانية رأس العين هي خاضعة إدارياً لسلطة والي ولاية أورفا في تركيا وكذلك الأمر بالنسبة لباقي المناطق.
اختفت العملة السورية من التداول اليومي في هذه المناطق وباتت الليرة التركية هي العملة المعتمدة في كل المعاملات المالية وفي أسواق الكثير من المدن والبلدات السورية ؟
باتت اللغة التركية هي اللغة الرسمية الأولى وتأتي اللغة العربية في المرتبة الثانية بعد التركية، بينما تم منع التواصل والتعامل والتكلم باللغة الكردية في مناطق كانت أغلبيتها المطلقة من الكرد كمنطقة عفرين على سبيل المثال.
كما إن تركيا قامت بفصل هذه المناطق عن باقي المناطق السورية، وباتت دويلة خاضعة لقرارات المسؤولين الأتراك أكثر من كونها منطقة سورية، حيث باتت منفصلة تماما عن العاصمة دمشق.
وبالتالي المشروع التركي، هو قضم المزيد من الأراضي السورية، وتتريكها شيئاً فشيئاً. وهذه المناطق هي سورية فقط أثناء الدخول في البازار السياسي المتعلق بسوريا، وغير ذلك هي بعيدة كل البعد عن الانتماء السوري.
وهناك أمر آخر وهو أن هذه المناطق تحولت إلى ساحة مفتوحة لكل الحركات التكفيرية والجهادية من مختلف بقاع العالم، حيث تستخدمهم تركيا كورقة ضغط وكسلاح في أي حرب تريد أن تخوضها أو تشارك فيها، حيث أثبتت الأدلة على أن هذه الفصائل تم تجنيدها في الحرب الليبية لدعم طرف ضد آخر، وكذلك تم تجنيدها في الحرب بين أرمينيا و أذربيجان وذلك حسب الخطط والمصالح التركية.
وبناء على ما تقدم، فإن تركيا ستسعى إلى ضرب أي مشروع يقف في طريق أطماعها داخل الأراضي السورية، ويأتي في مقدمة هذه المشاريع، مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حيث تتعرض هذه المناطق باستمرار لهجمات واعتداءات عسكرية تركية، وفي الفترة الأخيرة بدأ الجيش التركي بضرب المنشآت الخدمية والبنية التحتية في هذه المنطقة السورية، ولا يخفي المسؤولون الأتراك وكذلك الاعلام الرسمي التركي هذا الأمر، وهذا ما نشرته وكالة الأناضول وهي وكالة الانباء الرسمية للدولة التركية و كذلك قالها علناً وزير الخارجية التركي في بدايات أكتوبر من العام الماضي، بأنهم سيستهدفون البنية التحتية في هذه المنطقة السورية.
فتم استهداف محطات الكهرباء والغاز ومصافي النفط، لتزداد حدة الأزمة وليطول أمد الحرب.
باختصار هذا هو المشروع التركي داخل سوريا.