ماهي الرسائل التي يحملها مقتل الظواهري؟
محمد عيسى
بعد أن أجمع المراقبون والمهتمون بتطورات السياسة الدولية على اعتبار 11 سبتمبر/ أيلول 2001 علامة فارقة؛ بل نقطة انعطاف حاسمة في تحديد الأولويات في خارطة اهتمام العالم، يأتي صيف العام 2022، وبخاصة مطلع الشهر الحالي، والذي حمل معه خبر مقتل أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في غارة لطائرة بدون طيار في كابول، ليعيد التأكيد على أنَّ العالم لم ينسَ بعد تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول ولم يزل الإرهاب وضرورة مواجهته يحظى بالصدارة في سُلَّمِ أولويات المجتمع الدولي وضمن حسابات السياسة الأمريكية وعلى أجندة بلدان الغرب على وجه الخصوص.
إذا كان العام 2001 قد شهد أو أرَّخَ لبداية وضع الإرهاب، والإرهاب الإسلامي حصراً، على الدَّريئة الدولية بدلاً من الشيوعية، فهل يكون الوقت الآن لاعتماد أشد أشكال القوة المتوفرة لاستئصاله؟
قبل الغوص في بحر التأويلات وطرق الإجابة، وبالنظر لكثرة الآراء التي مازالت تشكك بالخطوة الأمريكية، والتي لم تغير رأيها في أن أمريكا والغرب هما الصانع الأوحد للإسلام السياسي والطرف المستمر في رعايته، لا بُدَّ من العودة إلى النشأة في ثلاثينات القرن الماضي، وإلى تفسير الظاهرة ووظيفتها في قاموس الغرب، وإلى مدى صلاحيتها.
هذه العودة التي لم تزل حتى الآن عودة مفقودة بالمعنى النقدي، أو لم تُعطى حقَّها بشكل يجعل الدارس يفهم الأسباب الحقيقية التي دفعت بلدان الغرب الرأسمالي إلى اختراع منظومات الإسلام السياسي، وما هي أشكال حاجة هذا الغرب لهذا الإسلام، وإلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه الحاجة، ومن الوقائع التي تثير التساؤل في حيثيات البحث؛ كيف يُفسَّر موقف الغرب الذي تخاذل عن دعم شاه إيران – الذي كان يوكل له الغرب مهمة شرطي الخليج – في مواجهة ثورة الخميني، وهو نفس الغرب الذي خاض معركته قبل ذلك لإجهاض ثورة “مصدَّق” ذات النزعة الديمقراطية الثورية.
والسؤال في هذا الوضع ﻻ بد أن يدور عن كيفية نشوء شهية الغرب الرأسمالي لاستقلاب أنظمة شمولية إسلاموية مستبدة كنظام الخميني، أو النظام الملكي الإقطاعي السعودي، وتخلى عن نظام مدني أقرب إلى العلمنة وإلى قيم الغرب كنظام الشاه. الجواب يكمن في حاجة الرأسمالية إلى الحجج الإيديولوجية في معركتها مع الشيوعية التي احتدمت بعد الحرب العالمية الثانية، وتشكل حركة تحرر عالمية عمادها، بالإضافة إلى الدول الشيوعية والأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان الرأسمالية في أوروبا الغربية والتي نشطت كثيراً في خمسينات وحتى آخر سبعينات القرن الماضي.
وعلى اعتبار أن النظام الرأسمالي هو نظام اقتصادي ﻻ أكثر ويعتمد على المرونة فقط في حركة الأسواق في مباراته مع الشيوعية التي تعد إيديولوجيا شاملة، وجد هذا النظام الرأسمالي العالمي الدي تنقصه الإيديولوجيا كفلسفة تبرر وجوده، وجد نفسه مدعواً إلى انتهاج طريقين؛ الأول اقتصادي عبر مداورة أزماته وإلهاء طبقته العاملة عبر إعطائها مكاسب اجتماعية كبيرة. والثاني وهو المهم هنا؛ وهو تبني الإسلام السياسي ودعمه ودفع تعبيراته السياسية إلى واجهة الصدام مع بلدان المعسكر الاشتراكي، وخاصة في المناطق التي تُعَدُّ حدوداً جنوبية لدول المنظومة الشيوعية كتركيا وإيران والعالم العربي.
هكذا نشأت الحاجة إلى الإسلام السياسي، ولهذا كان لزومه. ومع انتفاء وظيفته وانعدام الحاجة إليه بعد سقوط الشيوعية؛ كان قد أصبح في منتصف الطريق وأصبحت أحلامه كبيرة في أن يسيطر على داعميه ومؤسسيه، ولم يعد يتورَّع عن استخدام العنف والإرهاب في تحقيق مشاريعه.
وهكذا؛ وبما أن الإيديولوجيات حمالة أوجه، فقد تخلقت من أحشائه فصول القاعدة ثم النصرة وداعش، كرأس حربة في سبيل إقامة دولة “الخلافة”، وأصبحت هذه المخلوقات في مواجهة المدنية والتحضر. لذلك ﻻ يجوز أن يراودنا الشك في أن العصرانية الرأسمالية اليوم في مواجهة حتمية ﻻ هوادة فيها مع قوى لايزال عقلها في القرن الأول الهجري، ويوقن بأن طيوراً أبابيَل ستحارب إلى صفها ضد مجتمعات الشمال الضالة.
نعم إن عالماً أصبحت البراغماتية وحدها من تحكم سياسته، ولم يعد للإيديولوجيات أو للاستقطاب الإيديولوجي أي مكان في قاموسه، فسيكون على مشارف مرحلة جديدة عنوانها؛ سحق القيم العقائدية والقومية التي تهدد استقراره، أو التي تقبل أن تُوَظَّفَ لتهديد نظامه الاقتصادي والسياسي العالمي.
إن حادثة مقتل الظواهري وما سبقها من قتل لمتزعم تنظيم “داعش” الجديد في مناطق نفود تركيا على الأراضي السورية المحتلة قبل أيام، ثم تكرار عمليات الاصطياد لهؤلاء؛ يؤشر إلى إعلان نوايا في السياسة الأمريكية ويوجه رسائل عديدة.
وإذا أضفنا إلى الوقائع والأحداث واقعة زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان على رأس وفد عالي المستوى من ببن أعضائه قائد الاسطول الأمريكي، متحدية التهديدات الصينية الصارخة والمعلنة، والضجة التي أحدثتها ومازالت تحدثها في وسائل الإعلام العالمية، تصبح الرسائل أكثر وضوحاً والأطراف والعناوين، بل الأشخاص أو القادة المعنيون فيها أكثر تحديداً، وبصبح العالم على عتبة جديدة ﻻ مكان فيه لأنصاف المواقف أو للرقص والتذبذب بين المحاور.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتّابها