“التَّسوُّلُ”.. ملاذُ نساءٍ وأطفالٍ في إدلبَ لتأمينِ لُقمَةِ العيش
تلجأ نساء وأطفال في إدلب، “لتسوّل لقمة العيش”، نتيجة شيوع الفقر والنزوح وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وفقدان الكثير من الأسر لمعيلها الأساسي، فضلاً عن انعدام فرص التعليم والعمل.
الطفل “كمال الأحمد/ 9سنوات” يقصد الأسواق الشعبية بشكل يومي، ليسأل الناس المساعدة بالمال، بهدف مساعدة والدته المريضة بالسرطان، وأخوته الثلاثة الأصغر سناً. وعن الظروف التي دفعته للتسوّل يقول: “بعد مرض أمي بالسرطان؛ تَرَكَنا والدي وسافر إلى تركيا، وبقينا وحدنا لا نعرف كيف نتدبَّر أمورنا المعيشية، الأمر الذي دفعني للتسوّل لنبقى على قيد الحياة”.
ويشير “الأحمد” أن والدته لا تتلقى العلاج بسبب فقر حالهم، كما أن أخوته لا يرتادون المدارس.
ويؤكد أنه حاول أن يجد عملاً في ورشة للحدادة، لكن صاحب الورشة قام بتعنيفه وطرده حين طالب بزيادة الأجر الذي يتقاضاه أسبوعياً.
كذلك “مريم الخرّوب/ 61 عاماً” النازحة من ريف “سراقب” إلى مخيم بالقرب من مدينة إدلب، أجبرتها قسوة الظروف على التسوّل، وعن ذلك تتحدَّث لمنصة “مجهر”: “بعد وفاة زوجي وولدي بالحرب؛ أَصبَحتُ المُعيلَةَ الوحيدةَ لبناتي وأحفادي الثلاثة، أكبرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يعاني من ضمور دماغي، ولم أجد فرصة عمل تمكنني من تدبير نفقاتنا، الأمر الذي دفعني للتسوّل”.
وتُبَيّن “الخرّوب” أنها تعيش مع أسرتها في خيمة مهترئة ضمن مخيم عشوائي، ولا تتلقى أي مساعدات إغاثية تعينهم على النزوح، بعد أن خسروا منازلهم وتركوا أرزاقهم ومصادر دخلهم، مؤكدة أن التسوَّلَ مُحرِجٌ للغاية بالنسبة لها، ولكن الجوع أقسى وأمَرُّ، بحسب تعبيرها.
وتضيف: “فَقَدَ أحفادي والدهم بقصف على مدينة سراقب، وتركتهم والدتهم للزواج من رجل آخر، ولم يبق لهم سِوايَ من بعد الله، لذا ينفطر قلبي عليهم وهم ينتظرون عودتي في نهاية النهار لأُحضِرَ لهم ما يسدّون به رمقهم”.
أما الطفلة “فاطمة/ 10سنوات”، النازحة من مدينة “خان شيخون”، فتحمل بيدها علبة بسكويت، وتلاحق المارَّة وتُلِحُّ في طلب الشراء منها، وعن سبب ذلك تقول: “أبي مريض وعاطل عن العمل، لذا أضطرُّ مع أخي الأصغر سناً لبيع البسكويت والمناديل لنؤمن مصروفنا”.
وتشير “فاطمة” أنها تركت مقاعد الدراسة بسبب بُعدِ المدارس عن مكان سكنها، إضافة لعجز أسرتها عن تأمين ما تحتاجها من قرطاسية ولباس وغيرها.
وتؤكد أنها تتعرض للاستغلال والمضايقات من قبل البعض، لكنها تتجاهل طلباتهم وتظل تلاحقهم حتى تتمكن من بيعهم ما بحوزتها أو إعطائها المال، وذلك تنفيذاً للتعليمات والوصايا التي تُمليها والدتها على مسامعها بشكل يومي.
من جهتها عاملة الصحة المجتمعية “نور الحسين/ 31 عاماً” من مدينة “بنّش” بريف إدلب، تتحدث عن أسباب شيوع التسوّل في إدلب بقولها: “تحوَّلَ”التسوّل” في إدلب إلى ظاهرة لافتة، حيث ينتشر عشرات المتسوّلين والمتسوّلات في الشوارع والحدائق وأمام المخابز، يستجدون لقمة العيش من المارَّة، وذلك بسبب الضائقة الاقتصادية والظروف المعيشية المتردّية وندرة فرص العمل وقلة الأجور”.
وتُبَيِّنُ”الحسين” أن معظم المتسولين من النساء والأطفال، إما نتيجة موت الأب أو تعرضه للإصابة أو الاعتقال، لتكون الأمّ أو الأطفال هم المُعيلون لأسرهم.
وتُشدِّدُ”الحسين” على ضرورة الحدّ من هذه الظاهرة من خلال تأمين فرص عمل ملائمة للنساء المُعيلات، وتوفير مساعدات إغاثية وكفالات شهرية للأرامل والأيتام، وإقامة حملات توعوية للتعريف بخطورة هذه الظاهرة على الفرد والمجتمع، وحماية الأطفال من الممارسات السيئة التي تتسبب في تدمير مستقبلهم.
وبحسب فريق “منسقي استجابة سوريا”؛ تشهد مناطق شمال غرب سوريا خلال الفترات الأخيرة، زيادة كبيرة في الاحتياجات الإنسانية للمدنيين في المنطقة، بالتزامن مع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى أكثر من /4.1/ مليون نسمة، يشكل 85% منهم القاطنون ضمن المخيمات، إضافة إلى الارتفاع المستمر في أسعار المواد والسلع الأساسية في المنطقة، يُضاف إليها تزايد معدَّلات البطالة بين المدنيين بنسب مرتفعة للغاية وصلت إلى 85%.
ظروف الحرب التي أثرت على جميع مناحي الحياة في إدلب؛ أدت إلى انتشار ظاهرة التسوّل على نطاق واسع، ولجوء الكثيرين لاستجداء الآخرين وطلب المساعدة، بهدف تحصيل لقمة العيش وتأمين حاجاتهم اليومية، في ظل غياب أي جهة توفر لهم الحماية وتكفيهم العَوَزَ.